التفحيط: ظاهرة خطيرة تهدد سلامة المجتمع

مقدمة حول ظاهرة التفحيط

تُعدُّ ظاهرة التفحيط من أخطر الظواهر السلبية التي انتشرت في العديد من المجتمعات، خصوصًا في الدول العربية خلال العقود الأخيرة. التفحيط هو ممارسة استعراضية يقود فيها السائق السيارة بسرعة عالية مع التحكم بحركتها بشكل متهور عبر الانعطافات الحادة والتزحلق الجانبي بهدف لفت الأنظار وإثارة الإعجاب، دون مراعاة لسلامته أو سلامة الآخرين. هذه الظاهرة ليست مجرد تصرف فردي، بل هي سلوك اجتماعي متشابك يعكس أنماطًا متعددة من الخلل التربوي والاجتماعي والثقافي، وتُعد من بين الأسباب المباشرة للعديد من الحوادث المميتة التي تحصد أرواح الأبرياء وتدمّر الممتلكات العامة والخاصة.

تعريف التفحيط وأشكاله

التفحيط، والذي يُعرف أيضًا بالاستعراض بالسيارات أو “الدرفت”، هو قيام السائق باستخدام السيارة في استعراضات خطرة تتضمن فقدان السيطرة المقصودة على المركبة لتزلق العجلات وصدور أصوات احتكاك قوية مع الأرض، وغالبًا ما يتم ذلك في أماكن عامة مثل الشوارع المفتوحة، الميادين، والمناطق السكنية، مما يعرض حياة السائقين والمارة للخطر.

أشكال التفحيط متعددة منها:

• التفحيط الدائري: حيث يقوم السائق بالدوران حول نفسه بشكل متكرر.

• التفحيط الحلزوني: حيث يقوم برسم مسارات متعرجة أثناء الانزلاق.

• التفحيط المستقيم: الانزلاق في خطوط مستقيمة مع تغيير اتجاه السيارة بطريقة مفاجئة.

• التفحيط العكسي: أداء الحركات نفسها لكن بالسير للخلف بسرعات عالية.

الأسباب النفسية والاجتماعية لظاهرة التفحيط

ظاهرة التفحيط لا تُعدُّ مجرد نزوة شبابية عابرة، بل هي ناتج عن مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي تتداخل فيما بينها لتشكل هذه السلوكيات الخطيرة.

أولاً: غياب الوعي الأسري والتربوي

ضعف الرقابة الأسرية وانعدام التوجيه الصحيح من الأهل يؤدي إلى انخراط الشباب في سلوكيات خطرة مثل التفحيط. عندما لا يجد الشاب توجيهًا سليمًا داخل بيئته الأسرية، يبحث عن إثبات ذاته في مجالات أخرى قد تكون مدمرة.

ثانياً: ضعف الانتماء للمجتمع

يشعر بعض الشباب بانفصال عن مجتمعهم نتيجة التهميش أو عدم وجود قنوات حقيقية لممارسة الهوايات الرياضية أو الثقافية، مما يدفعهم إلى البحث عن طرق بديلة للفت الأنظار وكسب الشهرة، حتى لو كان ذلك عبر التفحيط.

ثالثاً: التأثر بالأصدقاء ورفاق السوء

رفاق السوء يلعبون دورًا محوريًا في تعزيز هذه الظاهرة، حيث يتأثر الشباب سلبًا بالمجموعات التي تمجد التفحيط وتعتبره مصدر قوة وهيبة اجتماعية.

رابعاً: غياب البدائل الترفيهية

في كثير من المجتمعات، لا تتوفر للشباب مراكز رياضية كافية أو أماكن مهيأة للتعبير عن الطاقات الشبابية بشكل آمن، مما يدفعهم إلى ممارسة التفحيط في الشوارع العامة كوسيلة للترفيه والتحدي.

خامساً: حب الظهور وإثبات الذات

يرى كثير من المراهقين أن التفحيط وسيلة فعالة لتحقيق الشهرة السريعة بين أقرانهم ولإثبات قدرتهم على القيام بأعمال استثنائية وخطيرة تثير الإعجاب.

المخاطر المترتبة على ظاهرة التفحيط

تُعدُّ مخاطر التفحيط جسيمة وتشمل أبعادًا متعددة تهدد سلامة الأفراد والمجتمع ككل.

أولاً: الحوادث المرورية القاتلة

التفحيط يتسبب في حوادث مروعة غالبًا ما تؤدي إلى وفيات أو إصابات بالغة قد تنتهي بإعاقات دائمة. كما أنه يتسبب في خسائر مادية جسيمة نتيجة تلف المركبات والممتلكات العامة.

ثانياً: الإضرار بالبنية التحتية

قيام المفحطين باستغلال الشوارع العامة والميادين لممارسة هواياتهم يؤدي إلى تآكل الأسفلت وتلف الأرصفة والدوارات، مما يرفع من تكلفة صيانة الطرق.

ثالثاً: نشر الفوضى والإخلال بالنظام العام

التجمعات التي تحيط بممارسي التفحيط تؤدي إلى تعطيل حركة السير، وإحداث اختناقات مرورية خطيرة، بالإضافة إلى نشر ثقافة الاستهتار بالقوانين.

رابعاً: التأثير النفسي السلبي على المجتمع

مشاهدة هذه السلوكيات تُرسّخ لدى بعض الشباب صورة أن التفحيط سلوك بطولي، مما يدفع بالمزيد من المراهقين إلى تقليد المفحطين.

خامساً: تحميل المجتمع أعباء مالية إضافية

يتحمل المجتمع أعباء مالية باهظة نتيجة تكاليف الإسعاف، إصلاح الطرق، معالجة المصابين، وتأمين الدوريات الأمنية التي تلاحق المفحطين.

الأبعاد القانونية لظاهرة التفحيط

التفحيط يُعد مخالفة مرورية خطيرة في معظم الدول، وقد سنّت العديد من الدول العربية قوانين صارمة لمحاربة هذه الظاهرة والحد من انتشارها. العقوبات المفروضة تتفاوت بين دولة وأخرى لكنها تتضمن عادةً:

• سحب رخصة القيادة لفترات طويلة.

• مصادرة المركبة المستخدمة في التفحيط.

• فرض غرامات مالية باهظة.

• السجن لفترات تختلف حسب تكرار المخالفة وخطورة السلوك.

القوانين الحديثة في بعض الدول مثل السعودية على سبيل المثال قد تصل العقوبات فيها إلى السجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات في حال تكرار التفحيط والتسبب في إصابات أو وفيات.

الحلول المقترحة للحد من ظاهرة التفحيط

التعامل مع ظاهرة التفحيط يتطلب خطة متكاملة تشمل التوعية والرقابة وتوفير البدائل المناسبة.

أولاً: تعزيز التوعية الأسرية

دور الأسرة لا يمكن تجاهله في محاربة التفحيط، فالتربية السليمة والتوجيه المستمر يقللان من احتمالية انخراط الأبناء في هذه السلوكيات.

ثانياً: تطوير المناهج التعليمية

ينبغي أن تتضمن المناهج الدراسية محتوى تربوي يعزز ثقافة احترام القوانين والتأكيد على مخاطر القيادة المتهورة على الفرد والمجتمع.

ثالثاً: توفير البدائل الرياضية والترفيهية

إنشاء حلبات مخصصة لممارسة التفحيط تحت إشراف الجهات المختصة قد يساهم في توجيه طاقات الشباب نحو بيئة آمنة، مع التركيز على إقامة مسابقات قانونية تخضع لشروط السلامة.

رابعاً: تشديد الرقابة المرورية

زيادة عدد الدوريات المرورية وتكثيف أنظمة المراقبة الذكية عبر الكاميرات يسهم في الكشف السريع عن المفحطين وضبطهم قبل وقوع الحوادث.

خامساً: تفعيل العقوبات بصرامة

تطبيق العقوبات بحزم ضد المخالفين له أثر رادع فعّال لمنع تكرار هذه الظاهرة، مع ضرورة ألا تكون العقوبات رمزية بل كفيلة بمنع ارتكاب هذه السلوكيات مجددًا.

سادساً: تفعيل دور الإعلام

وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا في توعية الشباب بمخاطر التفحيط، وينبغي استثمارها في حملات توعوية مستمرة تبرز العواقب الكارثية لهذا السلوك.

سابعاً: إشراك الشخصيات المؤثرة

الاستعانة بمؤثرين وشخصيات رياضية وفنية لها قبول بين الشباب لنشر رسائل تحذيرية من ظاهرة التفحيط يمكن أن يكون له تأثير كبير على توجيه الشباب نحو السلوكيات الآمنة.

إحصائيات حول ظاهرة التفحيط

توضح الإحصائيات خطورة الظاهرة وانتشارها على نطاق واسع في بعض الدول العربية، خصوصًا في المملكة العربية السعودية، حيث أشارت دراسات إلى أن نسبة كبيرة من الحوادث التي يتعرض لها الشباب تعود بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التفحيط.

هذه الأرقام تشير بوضوح إلى حجم الكارثة التي يمكن أن تنجم عن هذه الممارسات الخطيرة.

دور الجهات الحكومية في مكافحة التفحيط

الجهات الحكومية في الدول العربية بدأت منذ سنوات بتطوير استراتيجيات متقدمة لمحاربة هذه الظاهرة. يتضمن ذلك:

• تركيب كاميرات مراقبة في الأماكن المشهورة بالتفحيط.

• نشر الدوريات الأمنية الراجلة والآلية.

• تنظيم حملات توعية في المدارس والجامعات.

• إطلاق حملات إعلامية مكثفة عبر التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي.

• إنشاء مراكز للتدريب على القيادة الآمنة.

• تخصيص أرقام طوارئ للإبلاغ عن المفحطين بشكل فوري.

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على انتشار التفحيط

لا يمكن تجاهل الدور السلبي الذي تلعبه بعض منصات التواصل الاجتماعي في تضخيم ظاهرة التفحيط، حيث يقوم البعض بتوثيق مغامراتهم ونشرها بهدف كسب الشهرة السريعة عبر زيادة عدد المتابعين والمشاهدات. هذا النمط من الاستخدام السلبي للتكنولوجيا يساهم في ترويج هذه السلوكيات ويخلق نماذج سيئة للشباب.

في المقابل، يمكن الاستفادة من هذه المنصات في نشر حملات توعوية مكثفة، وإبراز القصص المأساوية التي وقعت نتيجة التفحيط بهدف تحقيق التأثير العكسي وردع الآخرين عن ممارسته.

خاتمة

ظاهرة التفحيط ليست مجرد استعراض شبابي، بل هي سلوك متهور ذو أبعاد اجتماعية وثقافية ونفسية وقانونية خطيرة تهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده. القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والجهات الأمنية والإعلامية مع توفير البدائل المناسبة للشباب حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن الترفيه في طرق خطيرة.

تقديم الحلول الواقعية وتطبيق العقوبات بصرامة مع توسيع حملات التوعية وبناء جسور تواصل فعالة مع الشباب يمكن أن يؤدي إلى تحجيم هذه الظاهرة تدريجيًا وحماية المجتمع من تبعاتها الكارثية.

المراجع:

1. الإدارة العامة للمرور، تقارير الحوادث السنوية، المملكة العربية السعودية.

2. وزارة الصحة السعودية، إحصائيات الإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية.