التغذية الراجعة: لماذا نتجنب نهج الشطيرة؟

لم ينبغي أن تتخلص من نهج “الشطيرة” عند إعطاء التغذية الراجعة؟

تُعد التغذية الراجعة أحد الأساليب الأساسية في بيئات العمل والتعليم، حيث يتم استخدامها لتحفيز التحسين وتوجيه الأفراد نحو أداء أفضل. من أكثر الأساليب شيوعًا في تقديم التغذية الراجعة هو ما يُعرف بـ “نهج الشطيرة”، الذي يعتمد على تقديم ملاحظات إيجابية أولًا، تليها الملاحظات السلبية، ثم العودة إلى ملاحظات إيجابية في النهاية. ورغم أن هذا النهج قد يبدو في البداية خيارًا جيدًا للتواصل الفعّال مع الآخرين دون التأثير السلبي على معنوياتهم، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل من الأفضل تجنب هذا الأسلوب والتركيز على أساليب أخرى أكثر مباشرة وواقعية.

1. التأثير النفسي على الفرد

عند استخدام نهج الشطيرة، يتم تقديم ملاحظات سلبية بين ملاحظات إيجابية، وهو ما قد يخلق لدى المتلقي انطباعًا بأن التغذية الراجعة لا تتعلق فعلاً بتحسين الأداء، بل هي مجرد محاولة لتخفيف وقع النقد. هذا قد يسبب تشويشًا في تفسير الرسالة الموجهة. الفرد الذي يتلقى التغذية الراجعة قد يبدأ في التقليل من أهمية الملاحظات السلبية، أو حتى قد يفشل في إدراك أهمية التغيير الذي يجب أن يحدث، خاصة إذا كانت الملاحظات الإيجابية تطغى على النقد.

في بعض الأحيان، قد يعتقد المتلقي أن الملاحظات الإيجابية هي مجرد محاولة لإخفاء أو تجميل الحقيقة. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض مصداقية المتحدث، مما يقلل من فعالية التغذية الراجعة بشكل عام.

2. عدم وضوح الرسالة

عندما يتم تقديم النقد بين إشادات إيجابية، قد يصعب على الفرد فهم الرسالة الحقيقية التي يريد المتحدث توصيلها. بدلاً من أن يركز الشخص على كيفية تحسين أدائه، قد ينجذب أكثر إلى الجوانب الإيجابية التي تم ذكرها، مما يؤدي إلى ضياع الهدف الأساسي للتغذية الراجعة. هذا يضعف من قدرة الفرد على التركيز على النقاط التي تحتاج إلى تحسين.

التغذية الراجعة يجب أن تكون واضحة، مباشرة، ومحددة. الشخص الذي يتلقى هذه الملاحظات يجب أن يفهم تمامًا ما الذي يحتاج إلى تغييره وكيف يمكنه القيام بذلك. إذا كانت الملاحظات مغمورة بالإيجابيات، فقد يؤدي ذلك إلى إعاقة الفهم الحقيقي للجزء السلبي من الرسالة.

3. زيادة شعور التباين بين الإيجابي والسلبي

من المفارقات أن نهج “الشطيرة” قد يؤدي إلى شعور الشخص بتباين كبير بين الملاحظات الإيجابية والسلبية. عندما تكون الملاحظات الإيجابية في البداية ثم تليها ملاحظات سلبية ثم تُختتم بإيجابيات، يصبح المتلقي في حالة من التوقع المتناقض. قد يتساءل الشخص ما إذا كانت التغذية الراجعة الحقيقية هي تلك الملاحظات السلبية أم مجرد محاولات لإرضائه في النهاية.

إن هذا التباين يمكن أن يُشعر الفرد بالارتباك، وقد لا يساعده في التقييم الموضوعي لأدائه. ببساطة، يشعر الشخص وكأن التغذية الراجعة ليست صادقة تمامًا أو لم تُقدم بالشكل الذي يتطلبه الموقف.

4. التأثير على العلاقة بين المقدم والمستقبل

من الأمور التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تقديم التغذية الراجعة هو تأثير هذه العملية على العلاقة بين المقدم والمستقبل. عندما يتم استخدام نهج الشطيرة بشكل غير دقيق، قد يشعر الشخص المتلقي وكأن التغذية الراجعة مجرد “مجاملة” تهدف إلى تجنب المواجهة. هذا يمكن أن يقلل من الثقة المتبادلة بين الطرفين ويؤثر على بيئة العمل أو التواصل.

في بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة، خاصة إذا شعر الفرد بأن الملاحظات السلبية لم تكن حقيقية أو كانت مدفوعة بأهداف غير واضحة. في المقابل، عندما يتم تقديم التغذية الراجعة بشكل صريح، دون محاولة للتجميل أو التخفيف من تأثير الملاحظات السلبية، فإن ذلك يعزز الثقة ويساعد على بناء علاقة تواصل فعّالة.

5. إضعاف قوة الملاحظات السلبية

عند استخدام نهج “الشطيرة”، قد تضعف قوة النقد الموجه بشكل كبير. بدلاً من أن يُنظر إلى الملاحظات السلبية على أنها فرصة لتحسين الأداء، قد يُنظر إليها على أنها مجرد جزء من بروتوكول متبع. الملاحظات السلبية يجب أن تكون قوية بما فيه الكفاية لإحداث تغيير حقيقي في سلوك الأفراد، وإذا تم تخفيفها من خلال تعليق إيجابي، فإن قوتها تتضاءل.

التغذية الراجعة السلبية هي فرصة لتوجيه الأفراد نحو التحسين. إذا كانت هذه الملاحظات مدفونة وسط إشادات إيجابية قد تصبح أقل تأثيرًا، وبالتالي يصبح من الصعب تحقيق التحسينات المطلوبة.

6. إعاقة النمو الشخصي والمهني

إذا كان الشخص المتلقي للتغذية الراجعة يرى أن التغذية الراجعة السلبية هي مجرد جزء من أسلوب مبتذل، فإنه قد يفقد الدافع لتحسين أدائه أو تغيير سلوكه. عدم تلقي النقد بشكل جاد يمكن أن يعيق نمو الشخص على المستويين الشخصي والمهني. نهج الشطيرة يساهم في تعزيز حالة من “الراحة الزائفة”، التي لا تشجع على التغيير الفعلي.

عندما تُقدم التغذية الراجعة بشكل غير مغلف، أي بدون إشادات تتبعها انتقادات، فإن الفرد يصبح أكثر استعدادًا لقبول الملاحظات السلبية والعمل على تحسين نفسه. هذا النوع من التغذية الراجعة يُحفز على التغيير الفعلي ويشجع على النمو الشخصي المستمر.

7. التخلي عن “التغطية” والتوجه إلى الشفافية

إن من أبرز العيوب في نهج “الشطيرة” هو أنه قد يتسبب في إخفاء بعض الحقائق عن الفرد المعني. بما أن الملاحظات السلبية غالبًا ما تكون مخففة أو مغلفة بملاحظات إيجابية، فإن المتلقي قد لا يتعرف على الوضع الحقيقي الذي يحتاج إلى تحسين. من خلال تبني نهج أكثر شفافية، حيث يُعطى النقد بشكل واضح ودون تجميل، يمكن ضمان أن الرسالة تصل بصدق ووضوح.

الشفافية في التغذية الراجعة لا تعني أن يكون الشخص جارحًا أو غير حساس، بل تعني أنه يجب أن يكون صريحًا حول الجوانب التي تحتاج إلى تحسين بشكل مباشر وواقعي. هذه الشفافية تخلق بيئة تواصل صحية أكثر، مما يسمح للفرد بتحقيق التغيير الذي يحتاجه.

8. تشجيع الاستجابة الفعّالة

عند التخلص من نهج الشطيرة، يمكن تشجيع المتلقي على الاستجابة بشكل أكثر فعالية للتغذية الراجعة. بدلاً من أن يكون الشخص في حالة دفاعية نتيجة للملاحظات المغلفة بالإيجابيات، فإن التغذية الراجعة المباشرة تخلق مجالًا أكثر وضوحًا لتحديد النقاط التي تحتاج إلى تحسين. هذا يسمح للمتلقي بأن يكون أكثر تقبلًا للتغييرات المطلوبة، وبالتالي يسهل عملية التحسين المستمر.

من خلال تقديم التغذية الراجعة بصدق وواقعية، يتلقى الفرد الرسالة بشكل أكثر وضوحًا وفعالية. وبذلك، يتمكن من تحديد الجوانب التي تحتاج إلى التحسين ويكون لديه الحافز للعمل على تغيير سلوكه أو أدائه.

9. التركيز على التحسين الفعلي بدلاً من الترضية الشكلية

أحد الأسباب التي تجعل من الأفضل التخلي عن نهج “الشطيرة” هو التركيز على التحسين الفعلي بدلاً من الترضية الشكلية. نهج الشطيرة قد يسبب تظاهراً بتحقيق التغيير دون أن يكون له تأثير فعلي على الأداء. في بيئة العمل أو التعلم، يجب أن تكون التغذية الراجعة أداة لتحفيز التحسين المستمر، وليس وسيلة لتجنب تقديم النقد الصريح.