التغذية الراجعة في الكوتشينغ

نموذج التغذية الراجعة في الكوتشينغ: الأساسيات والأهمية

التغذية الراجعة هي أداة أساسية في عملية الكوتشينغ، حيث تُعتبر من أبرز الأساليب التي يُعتمد عليها في تحسين الأداء، وتعزيز الوعي الذاتي، وتطوير المهارات الشخصية والمهنية. إن التغذية الراجعة الفعالة ليست مجرد وسيلة لتصحيح الأخطاء، بل هي أيضاً عملية تعزيزية تساعد الأفراد على تحقيق أقصى إمكاناتهم. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم التغذية الراجعة في الكوتشينغ، وأهمية تطبيقها بشكل صحيح، ونماذج متعددة تساهم في تعزيز فعالية هذا الأسلوب.

1. مفهوم التغذية الراجعة في الكوتشينغ

التغذية الراجعة، في سياق الكوتشينغ، تشير إلى العملية التي يُقدّم خلالها المدرب (الكوتش) ملاحظات بناءة للمُتدرّب حول سلوكياته أو أدائه في مهام معينة، بهدف مساعدته في التحسن أو تحقيق أهدافه. تتم هذه العملية من خلال تبادل المعلومات التي تساهم في بناء وعي المُتدرّب حول كيفية تأدية المهام أو التعامل مع مواقف معينة.

أحد المفاهيم الأساسية في التغذية الراجعة هو أنها تركز على العملية بدلاً من الشخصية. أي أنها تركز على سلوكيات الأفراد وتوجيههم إلى كيفية تحسين الأداء، دون أن تكون موجهة بشكل مباشر للنقد الشخصي.

2. أهمية التغذية الراجعة في الكوتشينغ

تلعب التغذية الراجعة دوراً مهماً في تحسين جودة عملية الكوتشينغ بشكل عام. من خلال التغذية الراجعة، يتمكن الكوتش من:

• تعزيز الوعي الذاتي: يُساعد المتدرّب على فهم نقاط قوته وضعفه، وبالتالي يكون أكثر قدرة على تحديد المجالات التي يحتاج إلى تحسينها.

• توجيه النمو والتطوير الشخصي: التغذية الراجعة تمنح المتدرّب فرصة للنمو من خلال الاستفادة من ملاحظات الكوتش وتطبيقها في المواقف الحياتية أو المهنية.

• تحفيز الأفراد: التغذية الراجعة لا تقتصر فقط على تقديم النقد؛ بل يمكن أن تكون مصدر تحفيز وتشجيع للأفراد على تحسين أدائهم، مما يعزز من دوافعهم الداخلية للنجاح.

• بناء علاقة ثقة: من خلال التغذية الراجعة الصادقة، يبني الكوتش علاقة قائمة على الثقة والاحترام مع المتدرّب، مما يعزز التعاون والتفاهم بين الطرفين.

3. أنواع التغذية الراجعة

تتعدد أنواع التغذية الراجعة التي يمكن استخدامها في الكوتشينغ، ويمكن تصنيفها بشكل رئيسي إلى:

• التغذية الراجعة الإيجابية: هذه التغذية تتعلق بتسليط الضوء على النقاط القوية التي يمتلكها المتدرّب. تستخدم هذه النوعية من التغذية الراجعة لتعزيز سلوكيات إيجابية وتشجيع المتدرّب على تكرار الأفعال الناجحة.

• التغذية الراجعة البناءة: وهي التغذية التي تركز على تصحيح الأخطاء أو تحسين جوانب معينة في سلوك المتدرّب. على الرغم من أنها قد تتضمن بعض النقاط السلبية، إلا أنها تُقدّم بطريقة بنّاءة تشجّع المتدرّب على التحسين دون التأثير على ثقته بنفسه.

• التغذية الراجعة المباشرة: هذه التغذية يتم تقديمها فوراً بعد حدوث الحدث أو السلوك المراد مناقشته. هذا النوع من التغذية يساعد المتدرّب على ربط الملاحظات بالسلوك الذي قام به بشكل مباشر.

• التغذية الراجعة غير المباشرة: تقدم هذه التغذية بشكل غير مباشر، حيث لا تركز بالضرورة على سلوك معين، بل تساهم في تطوير مهارات التفاعل الاجتماعي أو التفكير النقدي للمتدرّب.

4. نموذج التغذية الراجعة: نموذج “SBI”

من أبرز النماذج المعروفة للتغذية الراجعة في الكوتشينغ هو نموذج “SBI”، الذي يركّز على ثلاثة عناصر أساسية:

• S (Situation): الوضعية أو الموقف الذي تم فيه السلوك. يتم هنا وصف السياق الذي حدث فيه السلوك بشكل دقيق، بحيث يتم التأكد من أن المتدرّب يفهم تمامًا الظروف التي صاحبت الحدث.

• B (Behavior): السلوك نفسه الذي تم ملاحظته. يتم التركيز على ما فعله المتدرّب بالضبط دون التعميم أو إضفاء حكم شخصي عليه.

• I (Impact): التأثير الذي نتج عن هذا السلوك. يتم شرح كيفية تأثير السلوك على الفريق أو الهدف المشترك أو الشخص المعني.

مثال على ذلك:

• الوضعية: “في الاجتماع الأخير مع الفريق…”

• السلوك: “…لقد قدمت عرضك بشكل جيد وأشرت إلى النقاط المهمة بوضوح.”

• التأثير: “…مما ساعد الجميع على فهم الموضوع بشكل أفضل واتخاذ قرارات مدروسة.”

5. نموذج “DESC” للتغذية الراجعة

نموذج آخر يستخدم في التغذية الراجعة هو “DESC”، الذي يعد من النماذج الفعالة للتفاعل في المواقف الصعبة. هذا النموذج يتكون من أربعة أجزاء:

• D (Describe): وصف الموقف بدقة وموضوعية، مع التركيز على الحقائق فقط.

• E (Express): التعبير عن الشعور أو التأثير الذي تركه هذا الموقف، مما يُظهر للمتدرّب كيفية تأثير سلوكه في الآخرين.

• S (Specify): تحديد السلوك الذي يحتاج إلى التغيير أو التحسين بشكل واضح ودقيق.

• C (Consequences): توضيح العواقب المترتبة على هذا السلوك وكيفية تأثيره على المتدرّب أو المجموعة.

مثال على ذلك:

• “في الاجتماع الأخير، لاحظت أنك تحدثت دون إعطاء الآخرين فرصة للتعبير عن آرائهم (وصف الموقف).

• “كان ذلك محبطًا لأنه جعلنا لا نتمكن من الحصول على أفكار متنوعة من الفريق (التعبير عن الشعور).

• “من الأفضل أن تعطي فرصة لكل شخص ليتحدث قبل أن تطرح رأيك (تحديد السلوك).

• “هذا سيعزز من التعاون داخل الفريق ويسهم في تحقيق أفضل النتائج (العواقب).”

6. أفضل الممارسات في تقديم التغذية الراجعة

لتكون التغذية الراجعة فعّالة، يجب أن تتبع بعض المبادئ الأساسية، منها:

• الوضوح والدقة: يجب أن تكون التغذية الراجعة واضحة، محددة، وغير مبهمة. كلما كانت التفاصيل دقيقة، كلما كان من الأسهل على المتدرّب فهم ما يحتاج إلى تحسين.

• التوازن بين الإيجابية والبناءة: من المهم ألا تقتصر التغذية الراجعة على الإيجابيات فقط أو السلبيات فقط. الجمع بين النوعين يساعد في تحقيق التوازن ويعزز من تأثير التغذية الراجعة على المتدرّب.

• التركيز على السلوك لا الشخص: يجب على الكوتش أن يبتعد عن إطلاق الأحكام الشخصية. ينبغي أن تركز التغذية الراجعة على سلوكيات المتدرّب وليس على شخصه.

• التوقيت المناسب: يجب تقديم التغذية الراجعة في الوقت المناسب، حيث يُفضل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن بعد الموقف لتكون فعالة أكثر.

• الموافقة على التغذية الراجعة: يجب التأكد من أن المتدرّب مستعد لتلقي التغذية الراجعة. عندما يكون الشخص في حالة ذهنية إيجابية، فإنه سيكون أكثر استعدادًا لاستقبال الملاحظات وتنفيذ التغييرات.

7. التحديات التي تواجه التغذية الراجعة في الكوتشينغ

على الرغم من الأهمية الكبيرة للتغذية الراجعة في الكوتشينغ، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه هذه العملية:

• الخوف من النقد: بعض الأشخاص يشعرون بالخوف أو القلق من تلقي التغذية الراجعة، مما قد يؤدي إلى عدم تقبل الملاحظات أو التقليل من تأثيرها.

• إعطاء التغذية الراجعة بطريقة غير بناءة: في بعض الأحيان، قد يتم تقديم التغذية الراجعة بشكل سلبي أو قاسي، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المتدرّب بدلاً من تعزيز أدائه.

• التركيز على السلوكيات السلبية فقط: إذا كانت التغذية الراجعة تركز فقط على الأخطاء دون الاعتراف بالنجاحات أو الجوانب الإيجابية، فقد يفقد المتدرّب الدافع للاستمرار في العمل على تحسين نفسه.

8. خاتمة

التغذية الراجعة في الكوتشينغ ليست مجرد أداة لتصحيح الأخطاء، بل هي عملية هامة تساهم في تطوير الأفراد وتعزيز إمكاناتهم. من خلال تقديم ملاحظات بناءة وواضحة، يستطيع الكوتش مساعدة المتدرّب في تحسين أدائه وزيادة وعيه الذاتي، مما يعزز من فاعليته في حياته المهنية والشخصية. إن استخدام نماذج مثل “SBI” و”DESC” يساهم بشكل كبير في تنظيم عملية التغذية الراجعة وتوجيه