التعلم على دفعات: أسلوب فعال

كيفية تحسين التعلم (الجزء 4): التعلم على دفعات

التعلم هو عملية معقدة تتطلب استراتيجيات متعددة للحصول على أقصى استفادة من المعلومات الجديدة. من بين هذه الاستراتيجيات، يعتبر “التعلم على دفعات” أو ما يعرف بـ “التعلم المتقطع” من أهم الأساليب التي أثبتت فعاليتها في تحسين عملية الاستيعاب والتذكر على المدى الطويل. يشير التعلم على دفعات إلى تقسيم المواد الدراسية إلى فترات زمنية قصيرة وموزعة على مدى فترة زمنية أطول، بدلاً من محاولة تعلمها في جلسة واحدة طويلة. هذه الاستراتيجية تؤدي إلى تحسين استرجاع المعلومات وترسيخها في الذاكرة طويلة المدى.

1. مفهوم التعلم على دفعات

التعلم على دفعات هو استراتيجية تعليمية تعتمد على تقسيم جلسات التعلم إلى فترات زمنية قصيرة ومتقطعة، مع فترات استراحة بين هذه الجلسات. بدلاً من تخصيص وقت طويل ومكثف لموضوع واحد، يتم توزيع الدراسة على فترة زمنية ممتدة، مما يعزز قدرة الدماغ على معالجة وتخزين المعلومات بشكل أكثر فعالية.

يُظهر البحث العلمي أن الدماغ يفضل هذا النمط من التعلم، حيث يتم استيعاب المعلومات بشكل أفضل عندما يتعرض لها بشكل متكرر وعلى فترات متباعدة. هذه الطريقة تتيح للدماغ معالجة المعلومات بشكل أكثر دقة وتفصيل.

2. كيفية تطبيق التعلم على دفعات في الدراسة

لتطبيق التعلم على دفعات بشكل فعّال، يجب أن يتم تحديد فترة زمنية مناسبة للتعلم، مع تخصيص فترات استراحة قصيرة بين جلسات الدراسة. يُفضل أن لا تتجاوز كل جلسة تعلم 30-45 دقيقة، على أن يتم أخذ استراحة لمدة 5-10 دقائق بين كل جلسة وأخرى. هذه الاستراحات القصيرة تساعد الدماغ على استعادة نشاطه واستعدادته لاستقبال المزيد من المعلومات.

يمكن تقسيم المواد الدراسية إلى وحدات أو أجزاء أصغر، بحيث يتم التركيز على تعلم جزء معين من الموضوع في كل جلسة، مما يسهل عملية استيعابه وتذكره. هذه التقنية تمنح الدماغ فرصة لمعالجة المعلومات بشكل متدرج، مما يسهم في ترسيخها في الذاكرة.

3. الفوائد العلمية للتعلم على دفعات

أثبتت العديد من الدراسات العلمية فاعلية التعلم على دفعات في تعزيز الذاكرة طويلة المدى وتحسين الأداء الأكاديمي. من أبرز الفوائد التي تعود على المتعلم من اتباع هذه الاستراتيجية:

أ. تحسين التذكر على المدى الطويل

أظهرت الأبحاث أن المواد التي يتم تعلمها بطريقة متقطعة تظل في الذاكرة لفترة أطول مقارنة بتلك التي يتم تعلمها في جلسة واحدة طويلة. يعود ذلك إلى أن الدماغ يتمكن من معالجة المعلومات بشكل أكثر فعالية خلال فترات متباعدة من التعلم.

ب. تعزيز التركيز

عندما يتعلم الشخص لفترة زمنية طويلة دون فترات راحة، فإن تركيزه يتدهور بشكل تدريجي. أما إذا تم توزيع الوقت على جلسات متقطعة، فإن الدماغ يبقى أكثر يقظة واستعدادًا لتخزين المعلومات.

ج. تقليل الإرهاق العقلي

أحد أبرز فوائد التعلم على دفعات هو أنه يقلل من إجهاد الدماغ الناتج عن الجلسات الطويلة. مع كل استراحة قصيرة، يحصل الدماغ على فرصة للاسترخاء، مما يحسن الأداء العقلي ويزيد من قدرة التركيز.

د. التحفيز المستمر

إحدى مميزات التعلم على دفعات هي أنها تحفز المتعلم بشكل مستمر. فكل جلسة قصيرة توفر شعورًا بالإنجاز، مما يعزز الحافز للاستمرار في التعلم.

4. المقارنة بين التعلم المكثف والتعلم على دفعات

يتمثل الاختلاف الرئيسي بين التعلم المكثف والتعلم على دفعات في الطريقة التي يتم بها توزيع جلسات التعلم. في التعلم المكثف، يحاول الطالب استيعاب كمية كبيرة من المعلومات في فترة زمنية قصيرة، مما يؤدي إلى إجهاد الدماغ وتعبه، وبالتالي إلى فقدان التركيز وعدم القدرة على التذكر على المدى الطويل.

أما في التعلم على دفعات، فإن المدة الزمنية التي يُقضى فيها في كل جلسة تكون قصيرة، مما يساعد على التركيز العالي والاستيعاب الفعّال للمعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا الأسلوب بمراجعة المواد الدراسية بانتظام، مما يعزز من تذكر المعلومات في المستقبل.

5. تطبيق التعلم على دفعات في الحياة اليومية

يمكن تطبيق استراتيجية التعلم على دفعات في مختلف مجالات الحياة اليومية، وليس فقط في الدراسة الأكاديمية. على سبيل المثال، إذا كنت تتعلم لغة جديدة، يمكنك تقسيم وقت تعلم المفردات والجمل إلى فترات قصيرة ومتقطعة على مدار اليوم، بدلاً من محاولة حفظ الكثير من الكلمات دفعة واحدة. هذه الطريقة تساعدك على استيعاب الكلمات بشكل تدريجي وتثبيتها في الذاكرة.

أ. تعلم مهارات جديدة

عند تعلم مهارة جديدة مثل العزف على آلة موسيقية أو تعلم رياضة معينة، يمكن تقسيم التدريب إلى جلسات قصيرة ومتباعدة. هذا يساعد الجسم والعقل على التكيف بشكل أفضل مع المهارة الجديدة، مما يعزز من تعلمها.

ب. تحسين الأداء في العمل

في مكان العمل، يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية لتحسين الإنتاجية. بدلاً من محاولة إنجاز مهام متعددة في وقت طويل، يمكن تقسيم المهام إلى جلسات قصيرة مع فترات راحة بينهما. هذا يساهم في تحسين جودة الأداء وتقليل الإجهاد الناتج عن العمل المكثف.

6. أساليب تعزز من فعالية التعلم على دفعات

هناك بعض الأساليب التي يمكن اتباعها لتعزيز فعالية التعلم على دفعات، منها:

أ. استخدام تقنيات المراجعة المتباعدة

من خلال توزيع المراجعات على فترات زمنية متباعدة، يمكن للمتعلم تعزيز تذكر المعلومات. يُفضل أن يتم مراجعة المحتوى الذي تم تعلمه بعد مرور يوم، ثم أسبوع، ثم شهر. هذه التقنية تُعرف باسم “المراجعة المتباعدة” وهي فعّالة في ترسيخ المعلومات في الذاكرة طويلة المدى.

ب. التعلم النشط

بدلاً من مجرد قراءة النصوص، يمكن للمتعلم أن يمارس التعلم النشط عبر تكرار المعلومات، إجراء اختبارات ذاتية، أو شرح المواد لشخص آخر. هذه الأنشطة تساهم في تعزيز استيعاب المعلومات أثناء فترة التعلم.

ج. التغيير في المواضيع والمحتوى

لتجنب الشعور بالملل والتكرار، يمكن التنقل بين مواضيع مختلفة خلال جلسات التعلم. هذا التغيير في الموضوعات يساعد الدماغ على البقاء منتبهًا ويزيد من فاعلية التعلم.

7. نصائح لتحفيز التعلم على دفعات

لتطبيق التعلم على دفعات بشكل فعّال، يجب الالتزام ببعض النصائح المهمة:

1. ابدأ بوقت تعلم مناسب: حاول تحديد فترة زمنية تتناسب مع قدرتك على التركيز. يمكن أن تبدأ بـ 20 دقيقة من التعلم، ثم تزيد المدة تدريجيًا مع مرور الوقت.

2. حدد أهدافًا واضحة: حدد ما الذي تريد تعلمه في كل جلسة. وجود هدف محدد يساعد في تعزيز التركيز.

3. إضفاء طابع المتعة على التعلم: حاول جعل جلسات التعلم ممتعة من خلال تغيير الطرق والأساليب، مما يجعلها أقل مللًا وأكثر فاعلية.

4. كن مرنًا في استخدام أساليب مختلفة: استخدم تقنيات متنوعة مثل القراءة، والمراجعة، والممارسة العملية لتحقيق أقصى استفادة من التعلم.

5. استفد من استراحاتك: استغل فترات الاستراحة لتخفيف الضغط العقلي. مارس رياضة خفيفة أو استمتع ببعض الأنشطة الترفيهية لاستعادة النشاط.

8. الخلاصة

التعلم على دفعات هو أحد الأساليب العلمية التي أثبتت فعاليتها في تعزيز عملية التعلم وتحسين القدرة على التذكر. من خلال تقسيم الجلسات الدراسية إلى فترات قصيرة ومتباعدة، مع فترات استراحة، يتمكن المتعلم من استيعاب المعلومات بشكل أفضل، مما يساهم في تعزيز الذاكرة طويلة المدى وزيادة القدرة على استرجاع المعلومات. يعد هذا الأسلوب أداة قوية لتحسين الأداء الأكاديمي وتعلم المهارات الجديدة في مختلف جوانب الحياة.