ما هو التطرف العنيف؟

يُعدُّ التطرف العنيف من الظواهر الخطيرة والمعقدة التي تهدد الأمن المجتمعي والاستقرار السياسي والاجتماعي في مختلف أنحاء العالم. لا يقتصر تأثيره على الأفراد المنخرطين فيه فحسب، بل يمتد إلى المجتمعات والدول، مسبّبًا خسائر بشرية ومادية جسيمة، وتفككًا في البنى الاجتماعية والسياسية، وزعزعة للثقة في المؤسسات، وانتشار الخوف والانقسام.

التطرف العنيف ليس ظاهرة حديثة، بل له جذور تاريخية تمتد عبر العصور، إلا أن التحولات التكنولوجية والاجتماعية والثقافية التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة، خصوصًا في ظل العولمة والثورة الرقمية، أسهمت في تصعيده وتوسّع دائرته. إذ باتت الأفكار المتطرفة تنتشر بسرعة غير مسبوقة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ما زاد من تعقيد مكافحته والتصدي له.

تعريف التطرف العنيف

التطرف العنيف هو موقف فكري أو سلوكي يتبنّى وجهات نظر متطرفة ويترجمها إلى أعمال عنف موجهة ضد أفراد أو جماعات أو مؤسسات. غالبًا ما ينبع من قناعات أيديولوجية أو دينية أو سياسية أو عرقية، ويُعبَّر عنه من خلال استخدام العنف وسيلة لتحقيق أهداف يعتبرها المتطرف ضرورية وغير قابلة للنقاش أو المساومة.

يتميز التطرف العنيف بتجاوزه لمرحلة التعبير السلمي عن الأفكار أو الاعتراضات إلى تبنّي أساليب عدوانية تشمل القتل، والتفجير، والخطف، والتخريب، والتحريض على الكراهية والعداء. وغالبًا ما تُبرَّر هذه الأفعال في ذهن المتطرف بأنها وسيلة مشروعة “لتحقيق العدالة”، أو “الدفاع عن المعتقدات”، أو “تطهير المجتمع”، أو “الرد على الظلم والاضطهاد”.

أشكال التطرف العنيف

يأخذ التطرف العنيف أشكالًا متعددة تختلف باختلاف السياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية، ويمكن تصنيفه في عدة أنماط رئيسية:

1. التطرف الديني العنيف

يتجلى في تبنّي تفسير متشدد للنصوص الدينية، يدفع بالمتطرف إلى تكفير الآخرين، واستباحة دمائهم وأموالهم. يرتكز هذا النوع من التطرف على مفاهيم مثل “الجهاد العنيف”، و”الفرقة الناجية”، و”الولاء والبراء”، ويُروَّج له عبر خطاب ديني محمّل بالتحريض والكراهية. من أبرز الأمثلة على هذا النمط، التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين غطاءً لتبرير أعمالها مثل “داعش” و”القاعدة”.

2. التطرف السياسي العنيف

يظهر في حركات سياسية أو جماعات تتبنى أيديولوجيات راديكالية ترى في العنف وسيلة لإحداث التغيير أو فرض نظام حكم معين. قد يكون مصدره اليمين المتطرف، أو اليسار الراديكالي، أو القومية المتعصبة. يميل هذا النوع إلى استهداف الخصوم السياسيين أو مؤسسات الدولة تحت ذرائع “محاربة الفساد”، أو “تحرير الوطن”، أو “استعادة الهوية”.

3. التطرف العرقي أو القومي العنيف

يُعبّر عنه من خلال حركات تعتنق أفكارًا تفوّقية مبنية على العرق أو الأصل القومي، وتعتبر الجماعات الأخرى أدنى منزلة أو تهديدًا للهوية الوطنية. هذا النوع غالبًا ما يقود إلى صراعات أهلية، وتطهير عرقي، وجرائم كراهية. من أبرز أمثلته تاريخيًا: سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والمذابح في رواندا ويوغوسلافيا السابقة.

4. التطرف الاجتماعي أو الثقافي العنيف

يتمثل في الرفض التام للتعددية الثقافية، أو المساواة بين الجنسين، أو الحريات الفردية، وينظر إلى التغيرات الاجتماعية باعتبارها تهديدًا لهوية المجتمع. قد ينتج عنه هجمات تستهدف ناشطين، أو نساء، أو فئات اجتماعية معينة مثل الأقليات الجنسية أو الإثنية.

العوامل المؤدية إلى التطرف العنيف

تتنوع العوامل المؤدية إلى التطرف العنيف، وغالبًا ما تتداخل وتتفاعل لتخلق بيئة مواتية لنشوء الفكر المتطرف وتحوّله إلى ممارسة عنفية. يمكن تصنيف هذه العوامل إلى ما يلي:

العوامل النفسية والشخصية

• الشعور بالإقصاء أو الظلم: الإحساس بالتهميش أو الظلم الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي يدفع الأفراد إلى البحث عن مخرج أو هوية بديلة.

• البحث عن المعنى والانتماء: كثير من الأفراد المنخرطين في التطرف يعانون من فراغ روحي أو اجتماعي، ما يجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات المتطرفة التي تقدم لهم شعورًا بالانتماء.

• الهوية الهشة: ضعف الهوية الذاتية قد يدفع الشخص إلى تبنّي هوية جماعية متطرفة تملأ هذا الفراغ.

العوامل الاجتماعية

• الفقر والبطالة: تدهور الظروف المعيشية وغياب الفرص يدفع بعض الأفراد إلى التطرف باعتباره وسيلة للتعبير عن السخط.

• التمييز والعنصرية: المعاملة غير العادلة بسبب العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي تخلق شعورًا بالغضب والرغبة في الانتقام.

• التفكك الأسري أو المجتمعي: ضعف الروابط الأسرية وغياب الدعم الاجتماعي يجعل الفرد أكثر عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة.

العوامل السياسية

• الأنظمة القمعية: غياب الديمقراطية، وانتهاك حقوق الإنسان، وكبت الحريات العامة، جميعها تؤدي إلى تراكم الغضب والاستعداد لاستخدام العنف.

• الصراعات والحروب: وجود بؤر صراعات مسلحة يوفر بيئة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة، خصوصًا في ظل الانهيار الأمني والمؤسساتي.

العوامل الأيديولوجية والإعلامية

• الخطاب التحريضي: انتشار خطاب الكراهية والعنصرية والطائفية في وسائل الإعلام أو الخطب الدينية أو المنشورات السياسية يسهم في ترسيخ ثقافة التطرف.

• وسائل التواصل الاجتماعي: تستخدم التنظيمات المتطرفة الإنترنت ومنصات التواصل لتجنيد الأفراد، وترويج أفكارها، ونشر دعايتها العنيفة.

آثار التطرف العنيف على المجتمعات

يترك التطرف العنيف آثارًا مدمرة تتجاوز الخسائر المباشرة إلى تحطيم البنية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للدول والمجتمعات. من بين هذه الآثار:

• الدمار البشري والمادي: يؤدي إلى فقدان الأرواح، وتدمير الممتلكات، وخراب البنى التحتية.

• تفكك النسيج الاجتماعي: يعمّق الانقسامات بين مكونات المجتمع، ويُضعف الثقة بين الأفراد والمؤسسات.

• الركود الاقتصادي: يُحجم الاستثمارات، ويُعيق التنمية، ويُفرغ الدول من الكفاءات نتيجة الهجرة والنزوح.

• تآكل الحريات: تحت ذريعة محاربة التطرف، قد يتم تمرير سياسات أمنية صارمة تُقيّد الحريات المدنية.

• الإضرار بصورة الدولة: يؤدي انتشار التطرف العنيف إلى الإضرار بسمعة الدول على المستوى الدولي، وقد يُستخدم ذريعة للتدخل الأجنبي.

الفرق بين التطرف والتطرف العنيف

ليس كل تطرف يعني بالضرورة عنفًا. فهناك أشكال من التطرف الفكري أو الأيديولوجي التي تبقى ضمن إطار السلمية، حتى وإن كانت تحمل آراء متشددة أو رافضة للآخر. غير أن التطرف العنيف يبدأ حين يتم تبنّي هذه الأفكار المتطرفة وترجمتها إلى أفعال عدائية تستهدف الآخرين، وتلغي حقهم في الحياة أو الاختلاف.

لذلك، فإن الوقاية من التطرف العنيف لا تكون فقط عبر محاربة السلوكيات العنيفة، بل من خلال مواجهة الجذور الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تغذيه.

الوقاية من التطرف العنيف ومكافحته

تتطلب مكافحة التطرف العنيف مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد، تجمع بين الأمن، والتنمية، والتعليم، والإعلام، والعمل المجتمعي. ومن أبرز الاستراتيجيات:

1. تعزيز التعليم والتوعية

• إدراج مفاهيم التسامح، والتعددية، والمواطنة، وحقوق الإنسان في المناهج التعليمية.

• تدريب المعلمين والمربين على رصد المؤشرات المبكرة للتطرف.

• دعم الأنشطة الثقافية والفنية التي تعزز من قيم العيش المشترك.

2. تمكين الشباب

• توفير فرص العمل والتدريب والدعم للمبادرات الشبابية.

• احتضان المواهب وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم بوسائل إيجابية.

• إشراكهم في صناعة القرار والمشاركة المجتمعية.

3. إصلاح الخطاب الديني

• تعزيز الخطاب الديني الوسطي المعتدل ومكافحة التأويلات المتطرفة.

• تمكين العلماء والمفكرين من التصدي للفكر المتطرف عبر الحوار والتفكيك العقلاني للأفكار المتشددة.

4. مراقبة الفضاء الرقمي

• رصد المحتوى المتطرف على الإنترنت واتخاذ إجراءات للحد من انتشاره.

• دعم المنصات الرقمية التي تنشر محتوى مضادًا للتطرف.

5. العدالة الاجتماعية

• تحقيق العدالة والمساواة، ومعالجة قضايا التهميش والفقر والتهميش المجتمعي.

• دعم برامج التنمية المحلية في المناطق الأكثر عرضة للتطرف.

6. التأهيل وإعادة الإدماج

• إنشاء برامج لإعادة تأهيل المتطرفين السابقين وإعادة دمجهم في المجتمع.

• توفير دعم نفسي واجتماعي لهم ولمحيطهم الأسري.

أمثلة من الواقع العالمي والعربي

شهد العالم العديد من الحالات التي تجسّد التطرف العنيف، ومن أبرزها:

• تنظيم داعش: مثال صارخ على التطرف الديني العنيف الذي استقطب آلاف الشباب من مختلف أنحاء العالم، وأقام “خلافة” وهمية مارست أبشع أشكال العنف.

• الهجمات اليمينية في أوروبا وأمريكا: كالهجوم على مسجد كرايستشيرش في نيوزيلندا 2019، والذي نفذه متطرف يميني استهدف المسلمين.

• بوكو حرام في نيجيريا: حركة متطرفة دينية مسلحة، قتلت آلاف المدنيين، واختطفت المئات، مستهدفة التعليم والمجتمع المدني.

• الطائفية في بعض الدول العربية: حيث أدى التحريض الطائفي إلى نشوب نزاعات مسلحة وأعمال عنف واسعة النطاق.

خاتمة

يُعد التطرف العنيف خطرًا مركبًا يتجاوز كونه ظاهرة أمنية إلى كونه مشكلة بنيوية ترتبط بأوجه الخلل في التربية، والاقتصاد، والسياسة، والهوية. مواجهته تتطلب إرادة شاملة من جميع مكونات المجتمع: الدولة، والأسرة، والمؤسسات التعليمية، والفاعلين المدنيين. فلا يمكن للرد الأمني وحده أن يكون فعالًا من دون إصلاح حقيقي يعالج أسباب التطرف من الجذور، ويعزز قيم التعايش والمواطنة والمساواة.

المصادر:

1. United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC). “Preventing Violent Extremism.”

2. UNESCO. “Youth and Violent Extremism on Social Media – Mapping the Research.”