قراءة التشهد بعد سجود السهو

تُعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عماد الدين، ولا يصح إسلام العبد إلا بها، ومن أهم شروط صحتها استيفاء أركانها وسننها، وكذلك أداء الواجبات والالتزام بالأحكام المتعلقة بها. من هذه الأحكام مسألة سجود السهو التي تدخل ضمن أحكام الصلاة، حيث يكثر الجدل حول كيفية أداء سجود السهو ووقته، وكذلك ترتيبات قراءة التشهد في الصلاة التي وقع فيها سجود السهو. في هذا المقال سيتم تناول موضوع قراءة التشهد بعد سجود السهو بشكل مفصل، مع الإشارة إلى مباحث السهو وأحكامه وموقع التشهد بعد سجود السهو، مع الإلمام بالآراء الفقهية المتنوعة بهذا الخصوص.

مفهوم سجود السهو في الصلاة

سجود السهو هو السجود الذي يؤديه المصلي لإتمام صلاته في حال وقوع خطأ بسيط أو سهو أثناء أداء الصلاة، وذلك حتى تصح صلاته ويقبلها الله تعالى. ويعد سجود السهو من السنن المؤكدة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم لتصحيح الصلاة.

الأخطاء التي تبيح سجود السهو هي:

• النسيان في عدد الركعات، أي زيادة أو نقصان ركعة.

• ترك واجب في الصلاة أو تأخيره عن موضعه.

• حدوث شك في عدد الركعات أو في أركان الصلاة.

سجود السهو يكون من ركنات الصلاة غير الفرض، لكنه سنة مؤكدة وأداة تصحيح، ويُسجد له مرتين أثناء الصلاة، بحسب اختلاف المذهب الفقهي.

أنواع السهو في الصلاة وأسبابه

قبل الحديث عن التشهد وقراءته بعد سجود السهو، من المهم الإشارة إلى أنواع السهو التي تؤدي إلى سجود السهو:

1. السهو في زيادة أو نقص ركعة:
   قد ينسي المصلي ركعة في الصلاة أو يزداد ركعة زائدة. وفي هذه الحالة، يرفع المصلي للركعة الزائدة أو يكمل الناقصة ويؤدي سجود السهو.

2. السهو في ترك واجب أو تأخيره:
   كترك رفع اليدين في التكبيرة أو نسيان الطمأنينة في الركوع أو السجود، أو التأخير عن وقت الواجب.

3. السهو في الشك:
   كأن يشك المصلي هل أتم أربع ركعات أو ثلاث، ففي هذه الحالة يتبع قاعدة اليقين، ويؤدي سجود السهو لتصحيح الصلاة.

موقف التشهد في الصلاة بين سجود السهو والسجود العادي

التشهد هو قراءة مخصوصة في الصلاة، تكون في الجلوس الأخير قبل السلام، ولا تصح الصلاة من دونه. وترتيب التشهد في الصلاة معروف وثابت، ولكن عند وقوع السهو وقيام المصلي بسجوده تتغير بعض الترتيبات، أو يتم التأكد من القراءة في أماكن معينة.

عند وقوع السهو، هناك رأيان رئيسيان في ترتيب قراءة التشهد:

1. قراءة التشهد قبل سجود السهو

وهي مذهب جمهور العلماء، حيث يتم المصلي من التشهد الأخير في الجلوس الأخير، ثم يؤدي سجود السهو، وبعد ذلك يسلم، ولا يعاد قراءة التشهد بعد السجود.

في هذا الرأي، يكون التشهد جزءاً من الصلاة الأساسية، وسجود السهو وسيلة تصحيح، لا يتطلب إعادة التشهد.

2. قراءة التشهد بعد سجود السهو

وهو رأي بعض الفقهاء، ومنهم الحنابلة، حيث يرون أنه يجب على المصلي إعادة قراءة التشهد بعد سجود السهو قبل التسليم، لأن سجود السهو يكمل الصلاة، ويعتبر بعد التشهد، فإذا أتم المصلي التشهد ثم سجد السهو فسيعيد التشهد لتكملة الصلاة.

هذا الاختلاف هو محل نظر في المذاهب الفقهية الأربعة، وكل منهم له أدلته المستمدة من السنة النبوية.

أدلة من السنة النبوية على قراءة التشهد بعد سجود السهو

ورد في الأحاديث الصحيحة التي رواها الصحابة الكرام، والأئمة المهتدون، أدلة واضحة على كيفية أداء سجود السهو وترتيب قراءة التشهد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:

“إذا شك أحدكم في صلاته فليتكلم فليتم ما قدر عليه، ثم يسجد سجودين قبل السلام.”

وهنا دلالة على أن سجود السهو يأتي قبل السلام، ولكن الحديث لم يذكر التشهد بعدها بشكل صريح.

أما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:

“قدم رجل على النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فشك في صلاته، فسجد السهو، ثم قرأ التشهد ثم سلم.”

وهذا الحديث يشير إلى قراءة التشهد بعد سجود السهو.

أيضاً، حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت:

“كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شك في صلاته سجد قبل السلام، ولم يكن يقرأ التشهد بعدها.”

وهذا الحديث يدعم الرأي الأول.

بالتالي، نجد اختلافاً بين الأحاديث في هذا الموضوع، ولهذا كان الاختلاف الفقهي مشروعاً وواقعاً.

آراء المذاهب الأربعة في قراءة التشهد بعد سجود السهو

المذهب الحنفي

يرى الحنفية أن التشهد يقرأ قبل سجود السهو، ويُسجد بعد القراءة، ثم يسلم، ولا يعاد التشهد بعد السجود، فالتشهد جزء من الصلاة الأصلية، والسجود وسيلة تصحيح.

المذهب المالكي

يُشدد المالكية على أن سجود السهو يأتي بعد التشهد الأخير، ويتم قراءة التشهد قبل السجود، وبعد السجود يُسلم المصلي دون إعادة قراءة التشهد.

المذهب الشافعي

يؤكد الشافعية على أن التشهد يقرأ قبل سجود السهو، ثم يُسجد مرتين، ثم يُسلم، ولا يعيد التشهد بعد سجود السهو.

المذهب الحنبلي

يرى الحنابلة أنه يجب على المصلي بعد سجود السهو أن يعود إلى التشهد ثم يسلم، حيث يعتبر السجود مكملًا للصلاة، فلا يصح التسليم دون التشهد بعده.

كيف يؤدي المصلي التشهد بعد سجود السهو؟

إذا اتبع المصلي مذهباً يأمر بقراءة التشهد بعد سجود السهو، فالأمر يكون كالتالي:

• يؤدي المصلي سجود السهو بعد التشهد الأول، حيث يسجد مرتين.

• بعد أداء السجدتين، يجلس المصلي جلسة التشهد مرة أخرى.

• يقرأ التشهد كاملاً، أي التشهد الأوسط أو الأخير بحسب عدد الركعات.

• يكمل الصلاة بالسلام.

يُعتبر هذا الإجراء تكملة للصلاة وتصحيحاً لها، وعدم ترك التشهد بعد السجود في هذا الرأي من شروط صحة الصلاة.

أهمية فهم ترتيب التشهد وسجود السهو للمصلي

معرفة ترتيب قراءة التشهد وسجود السهو أمر في غاية الأهمية للمصلي، لأن الصلاة عماد الدين، واتباع السنة في كل تفاصيل الصلاة من أساسيات قبول الصلاة عند الله تعالى. كما أن الوقوع في الخطأ أو السهو أمر محتمل مع الإنسان، ولكن الشريعة الإسلامية جاءت بالتيسير والرحمة، فقد شرعت سجود السهو ليتمكن العبد من تصحيح صلاته دون إعادتها.

عدم معرفة ترتيب التشهد وسجود السهو قد يؤدي إلى فقدان صحة الصلاة أو وجود نقص فيها، لذلك من الضروري تعلم هذه الأحكام بدقة، والرجوع إلى المذهب الفقهي الذي يتبعه المصلي، واستشارة العلماء المؤهلين.

جدول مقارنة بين مواقف المذاهب من قراءة التشهد بعد سجود السهو

خاتمة

قراءة التشهد بعد سجود السهو من المسائل الفقهية المهمة التي تؤثر على صحة الصلاة وأدائها بشكل صحيح، مع مراعاة الاختلاف بين المذاهب في ترتيبها وحكمها. الفهم الدقيق لأحكام سجود السهو والتشهد، ومتى وأين يقرأ التشهد، يعد من أساسيات علم الفقه العملي التي يجب على كل مسلم معرفتها لتصحيح صلاته والارتقاء بأدائه إلى أعلى درجات الإتقان.

في جميع الأحوال، فإن الأصل في الصلاة هو التوسط والاعتدال، والحرص على أدائها كما وردت في السنة النبوية، والرجوع إلى أهل العلم لتوضيح أي لبس أو شك في الأحكام، خصوصاً في المسائل التفصيلية كالتشهد بعد سجود السهو.

المصادر والمراجع

1. الفقه الإسلامي وأدلته – د. وهبة الزحيلي.

2. المغني – ابن قدامة المقدسي.

هذه المصادر من الكتب الفقهية المعتمدة، والتي تناولت بأدق التفاصيل أحكام سجود السهو وقراءة التشهد في الصلاة، ويمكن الرجوع إليها للتوسع في الموضوع.