ما هو التسويق الهرمي؟ تحليل شامل لنظام مثير للجدل

مقدمة

في عالم الأعمال والتسويق، ظهرت العديد من النماذج التي تهدف إلى توزيع المنتجات والخدمات وتحقيق الأرباح، ولكن بعضها أثار الكثير من الجدل القانوني والأخلاقي. من بين هذه النماذج ما يعرف بالتسويق الهرمي، وهو نظام يبدو في ظاهره وكأنه استراتيجية ذكية للنمو السريع، لكنه غالبًا ما يخفي وراءه ممارسات مالية غير مستدامة وقانونية مشكوك فيها. التسويق الهرمي لا يزال ينتشر في مختلف أنحاء العالم، مستغلًا الطموحات الاقتصادية لدى الأفراد، ومروجًا لوعود بالثروة السريعة التي نادرًا ما تتحقق.

تعريف التسويق الهرمي

التسويق الهرمي هو نموذج تجاري يُبنى على تجنيد الأفراد بدلاً من بيع المنتجات أو الخدمات الفعلية. في هذا النظام، يتم تحفيز الأعضاء لجذب مشتركين جدد يدفعون مبالغ مالية للانضمام، بينما يحصل الأعضاء القدامى على نسبة من هذه المبالغ. بالتالي، يحقق النظام أرباحه الأساسية من رسوم الاشتراك التي يدفعها الأعضاء الجدد، وليس من بيع منتجات حقيقية في السوق.

يُطلق عليه “هرمي” لأن هيكل العائدات يتخذ شكل الهرم، حيث يقف المؤسس أو القائمون على القمة، ويحصلون على أكبر الأرباح، بينما يعتمد من هم في الأسفل على تجنيد آخرين لتعويض ما أنفقوه في البداية.

الفرق بين التسويق الهرمي والتسويق الشبكي

غالبًا ما يُخلط بين التسويق الهرمي والتسويق الشبكي (أو التسويق متعدد المستويات – MLM)، غير أن هناك فرقًا جوهريًا بين الاثنين. في التسويق الشبكي، تقوم الشركات ببيع منتجات حقيقية ويتم تحفيز الموزعين على بيعها مباشرة، كما يحصلون على عمولات من مبيعات الأفراد الذين قاموا بتجنيدهم. أما في التسويق الهرمي، فترتكز الأرباح بشكل أساسي على التوظيف بدلاً من بيع المنتجات.

هذا الاختلاف يجعل التسويق الهرمي غير قانوني في العديد من الدول، إذ يُعتبر نوعًا من أنواع الاحتيال المالي.

آلية عمل التسويق الهرمي

يعتمد النظام على سلسلة من المشاركين، بحيث يدفع كل فرد مبلغًا ماليًا للانضمام، ثم يتم وعده بأنه سيجني أرباحًا كبيرة إذا جلب عددًا معينًا من الأعضاء الجدد. وبما أن كل عضو جديد يجب أن يدفع رسومًا، تتوزع هذه الرسوم على الأعضاء الأعلى في السلم الهرمي.

مثال توضيحي:

1. يُنشئ الشخص (أ) الهرم ويجند شخصين (ب) و(ج).

2. يدفع (ب) و(ج) مبلغًا للانضمام، ويذهب جزء من هذا المبلغ إلى (أ).

3. يقوم (ب) و(ج) بتجنيد شخصين لكل منهما، ليجلبوا (د، هـ، و، ز)، ويدفع هؤلاء مبالغ للانضمام.

4. يتم توزيع العمولات على (ب) و(ج) وكذلك على (أ)، وفقًا لعدد المستويات.

مع تقدم النظام، يحتاج الأعضاء الجدد إلى تجنيد عدد متزايد من الأشخاص لتحقيق الأرباح، وهو ما يجعل النظام غير مستدام على المدى البعيد.

خصائص التسويق الهرمي

• نقص التركيز على المنتج: إذا تم عرض منتج فهو غالبًا ما يكون ذا قيمة ضئيلة أو وجوده رمزي فقط لتضليل السلطات.

• الاعتماد على التوظيف: كل الأرباح تعتمد على تجنيد أعضاء جدد، وليس على بيع المنتجات أو الخدمات.

• الوعود الخيالية: يتم تسويق الفكرة عبر وعود بتحقيق ثروات ضخمة خلال فترة قصيرة.

• الانهيار الحتمي: مع نمو الهرم، يصبح من المستحيل على الأعضاء الجدد إيجاد مشتركين آخرين، مما يؤدي إلى انهيار النظام.

الأسباب التي تجعل التسويق الهرمي غير مستدام

1. الاعتماد على عدد غير محدود من المشاركين الجدد: بما أن النظام قائم على التجنيد، فإن استمراره يعتمد على وجود عدد دائم التزايد من المشتركين الجدد. ومع محدودية عدد السكان، يصل النظام إلى نقطة يصبح من المستحيل فيها العثور على أعضاء جدد.

2. تشبع السوق: كلما كبر الهرم، زادت صعوبة جذب الأعضاء الجدد، خاصة في مجتمع محدود الحجم أو حين تُفقد الثقة في النظام.

3. قلة المنتجات أو انعدامها: في غياب منتجات حقيقية ذات قيمة مضافة، لا يمكن للنظام أن يستمر طويلًا لأنه لا يقدم شيئًا فعليًا للاقتصاد.

4. النسبة الكبرى من المشاركين يخسرون: تشير الدراسات إلى أن أكثر من 90% من المشاركين في التسويق الهرمي ينتهي بهم الأمر بخسارة المال، حيث تذهب الأرباح لمن هم في القمة فقط.

الجوانب القانونية للتسويق الهرمي

أغلب الدول تعتبر التسويق الهرمي نشاطًا غير قانوني، لأنه يُعدّ نوعًا من النصب والاحتيال المالي. على سبيل المثال:

• الولايات المتحدة: تعتبر لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) التسويق الهرمي غير قانوني وتلاحق الشركات التي تعتمد هذا النموذج.

• الاتحاد الأوروبي: لدى الاتحاد قوانين صارمة تحظر التسويق الهرمي، خاصة إذا لم يكن المنتج حقيقيًا أو كانت الأرباح تعتمد على التجنيد.

• دول عربية: تختلف القوانين بين بلد وآخر، لكن العديد منها أصدر تحذيرات ضد المشاركة في هذه الأنظمة أو قام بتجريمها.

الأمثلة الشهيرة على أنظمة التسويق الهرمي

• شركة “BurnLounge”: أغلقتها السلطات الأمريكية في 2007 بعد أن تبين أنها تعتمد على نظام هرمي.

• نظام “Ponzi”: ليس تسويقًا هرميًا تقنيًا، لكنه قريب منه في البنية ويعتمد على جلب استثمارات جديدة لدفع أرباح قديمة.

الجدول التالي يوضح الفروقات الجوهرية بين التسويق الهرمي والتسويق الشبكي:

الأثر الاجتماعي والاقتصادي للتسويق الهرمي

الأثر على الأفراد

يعتمد التسويق الهرمي على إقناع الأفراد بأنهم قادرون على تحقيق الاستقلال المالي، وغالبًا ما يُستهدف الأشخاص من الطبقات المتوسطة والفقيرة الذين يبحثون عن مخرج اقتصادي. لكن بدلاً من تحسين أوضاعهم، يتسبب النظام في تفاقم مشاكلهم المالية، حيث يخسرون استثماراتهم ولا يجنون أي عائد يُذكر.

الأثر على العلاقات الاجتماعية

من أبرز الآثار السلبية للتسويق الهرمي هو أنه يستخدم الثقة والعلاقات الاجتماعية كوسيلة للتجنيد. يُطلب من المشتركين إقناع الأصدقاء والعائلة بالانضمام، مما يؤدي إلى توتر العلاقات وفقدان الثقة في حالة الانهيار.

الأثر على الاقتصاد المحلي

لا يقدم التسويق الهرمي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد. الأموال تتحرك فقط بين الأفراد، دون إنتاج فعلي أو خدمة حقيقية، مما يجعله نشاطًا طفيليًا على الاقتصاد بدلًا من أن يكون محفزًا له.

التحذيرات الرسمية ضد التسويق الهرمي

أصدرت العديد من الجهات الحكومية والتنظيمية تحذيرات رسمية ضد المشاركة في التسويق الهرمي، لما له من آثار مدمرة على الأفراد والمجتمعات. في العالم العربي، أطلقت عدة دول مثل السعودية، الإمارات، ومصر تحذيرات علنية من الشركات التي تمارس هذا النوع من النشاط، واعتبرته في بعض الحالات نشاطًا إجراميًا يُعاقب عليه القانون.

كيف تميز النظام الهرمي؟

هناك عدة علامات تدل على أن الشركة تعتمد نظامًا هرميًا، من أهمها:

• الربح مرتبط فقط بجلب مشتركين جدد.

• لا يوجد تركيز حقيقي على المنتج أو الخدمة.

• أسعار المنتجات مبالغ فيها وغير مبررة.

• الاعتماد على الإغراءات العاطفية والوعود بالثراء السريع.

• صعوبة استرداد الأموال بعد الانضمام.

لماذا ينخدع الناس بالتسويق الهرمي؟

• قلة الوعي المالي: كثير من الناس يفتقرون لفهم أساسي حول النماذج التجارية المشروعة.

• الضغوط الاقتصادية: تدفع الحاجة المالية الكثيرين إلى البحث عن حلول سريعة دون التحقق الكافي.

• استخدام لغة التسويق المضللة: يتم تجميل النظام بمصطلحات مثل “الحرية المالية” و”العمل المستقل” و”الثراء من المنزل”.

• الاستفادة من العلاقات الاجتماعية: توظيف الثقة والعاطفة في إقناع الآخرين.

موقف الشريعة الإسلامية من التسويق الهرمي

أصدر عدد من المجامع الفقهية والهيئات الدينية فتاوى تُحرّم التسويق الهرمي، استنادًا إلى أنه يشتمل على الغرر والربا وأكل أموال الناس بالباطل، خصوصًا أن الأرباح لا تُبنى على تبادل حقيقي للسلع وإنما على تجنيد الأعضاء. ومن أبرز هذه الجهات: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في السعودية.

الاستنتاج

التسويق الهرمي هو نموذج تجاري مضلل يروج لأوهام الربح السريع من خلال تجنيد الآخرين، ويعتمد على شبكة هرمية من المشاركين الذين يدفعون أموالًا للانضمام، ولا يحصل معظمهم على أي عوائد حقيقية. رغم ترويج هذا النظام باستخدام مصطلحات براقة وأوهام الاستقلال المالي، إلا أنه في جوهره نشاط غير مستدام وضار من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ويقع تحت طائلة القوانين في العديد من الدول.

المصادر

• Federal Trade Commission (FTC). “Multi-Level Marketing Businesses and Pyramid Schemes.” https://www.ftc.gov

• المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثامنة عشرة، مكة المكرمة.