التدخين وأثره على صحة المرأة

التدخين عدو المرأة الأول

يُعد التدخين من أخطر العادات السلوكية التي تهدد صحة الإنسان، وتحديدًا صحة المرأة، إذ يتجاوز ضرره التأثيرات العامة ليطال بنية جسم المرأة، وأدق تفاصيل جهازها التناسلي، ووظائف أعضائها الحيوية، فضلاً عن آثاره الجمالية والنفسية والاجتماعية. في السنوات الأخيرة، تزايدت معدلات التدخين بين النساء في العديد من دول العالم، حتى باتت تشكل ظاهرة صحية مقلقة. هذا المقال يسلط الضوء على الأسباب التي تجعل التدخين عدواً أول للمرأة، من خلال استعراض تأثيراته الصحية، النفسية، الهرمونية، الإنجابية، الاجتماعية، والجمالية، مدعماً بالبيانات العلمية والتوصيات الطبية.

التأثيرات الصحية العامة للتدخين على المرأة

تشترك النساء مع الرجال في التعرض لمجمل المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين، لكن طبيعة جسم المرأة تجعلها أكثر هشاشة أمام هذه الأضرار. إذ يحتوي دخان السجائر على أكثر من 7000 مادة كيميائية، منها 70 مادة مسرطنة مثل البنزوبيرين، الفورمالديهايد، الزرنيخ، والنفتالين. هذه المواد تسبب تلفًا تدريجيًا في الأنسجة والأعضاء، وتزيد من احتمالية الإصابة بأمراض مميتة.

أمراض القلب والأوعية الدموية

النساء المدخنات معرضات بشكل أكبر للإصابة بأمراض القلب التاجية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافقت عادة التدخين مع استخدام حبوب منع الحمل، ما يضاعف احتمال الإصابة بالنوبات القلبية والجلطات الدماغية. كذلك، يؤدي النيكوتين وأول أكسيد الكربون إلى تضييق الأوعية الدموية، وزيادة ضغط الدم، مما يجهد عضلة القلب.

السرطانات المرتبطة بالتدخين

تتعرض النساء المدخنات لخطر متزايد بالإصابة بأنواع متعددة من السرطان، مثل:

• سرطان الرئة: يُعتبر التدخين المسبب الأول لهذا النوع من السرطان، وتُظهر الدراسات أن النساء أكثر حساسية للتأثيرات المسرطنة لدخان التبغ مقارنة بالرجال.

• سرطان الثدي: أظهرت الدراسات الحديثة وجود علاقة بين التدخين النشط والمبكر وخطر الإصابة بسرطان الثدي، خاصة عند النساء اللاتي بدأن التدخين قبل الإنجاب الأول.

• سرطان عنق الرحم: يعزز التدخين من نمو فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسؤول عن معظم حالات سرطان عنق الرحم، ويقلل من قدرة الجسم على مقاومته.

• سرطان المثانة والبنكرياس والمريء: وهي أنواع مرتبطة مباشرة بامتصاص المواد الكيميائية الضارة في الدم ومن ثم ترسيبها في الأعضاء الداخلية.

التأثيرات الإنجابية والهرمونية

يمثل التدخين تهديدًا مباشرًا لوظائف الجهاز التناسلي للمرأة. فالنيكوتين والمواد السامة الأخرى تؤثر سلبًا على الهرمونات الأنثوية مثل الإستروجين والبروجستيرون، مما يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، وتغيرات في عملية الإباضة.

العقم وصعوبة الإنجاب

تشير الأبحاث إلى أن النساء المدخنات يواجهن صعوبة في الحمل، حيث يؤثر التدخين على:

• نوعية البويضات وعددها.

• كفاءة قنوات فالوب في نقل البويضات.

• مستوى الهرمونات الجنسية.

كما أن التدخين يقلل من فعالية علاجات الخصوبة مثل الإخصاب خارج الرحم (IVF)، ويزيد من خطر الإجهاض المبكر أو الحمل خارج الرحم.

انقطاع الطمث المبكر

ترتبط عادة التدخين بحدوث انقطاع الطمث المبكر، وذلك نتيجة التأثير السلبي على المبايض. مما يؤدي إلى انخفاض مستوى هرمون الإستروجين في الجسم مبكرًا، وما يرافقه من مشاكل صحية مثل هشاشة العظام وأمراض القلب والتغيرات النفسية والمزاجية.

تأثيرات الحمل والجنين

خلال الحمل، يمثل التدخين كارثة صحية مزدوجة تؤثر على الأم والجنين معًا. حيث يزيد من احتمالية:

• الإجهاض المتكرر.

• ولادة الجنين ميتًا.

• انخفاض وزن الجنين.

• تشوهات خلقية.

• انفصال المشيمة المبكر.

• الولادة المبكرة.

كما أن الأطفال الذين يولدون لأمهات مدخنات يكونون أكثر عرضة لمتلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS) واضطرابات النمو العصبي.

التأثيرات النفسية والعقلية

أظهرت دراسات عديدة أن النساء المدخنات أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، القلق، واضطرابات النوم، مقارنة بغير المدخنات. يعود ذلك إلى التأثير المثبط للنيكوتين على منظومة السيروتونين والدوبامين في الدماغ، وهما من النواقل العصبية المسؤولة عن الشعور بالسعادة والاستقرار النفسي.

رغم اعتقاد الكثير من النساء بأن التدخين يخفف من التوتر، إلا أن الدراسات النفسية أظهرت أن الاعتماد على السجائر كوسيلة للتخفيف من التوتر يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق على المدى الطويل بسبب دورة الإدمان وسحب النيكوتين.

التأثيرات الجمالية والمظهر الخارجي

تمتد أضرار التدخين إلى المظهر الجمالي للمرأة، حيث يُسرّع من ظهور علامات الشيخوخة، ويفقد البشرة نضارتها، ويضعف الشعر والأظافر. ومن أبرز الآثار الجمالية للتدخين:

• شحوب الجلد وتجاعيد مبكرة: بسبب انقباض الأوعية الدموية الدقيقة في البشرة، ما يقلل من تدفق الأوكسجين والمغذيات.

• الخطوط الدقيقة حول الفم والعينين: نتيجة التكرار الحركي أثناء التدخين، مع ضعف إنتاج الكولاجين.

• اصفرار الأسنان ورائحة الفم الكريهة: بالإضافة إلى أمراض اللثة وفقدان الأسنان.

• رائحة كريهة للشعر والجسم: خاصة في الأماكن المغلقة، ما يؤثر سلبًا على الحياة الاجتماعية.

الأبعاد الاجتماعية والثقافية

تواجه النساء المدخنات في كثير من المجتمعات رفضًا اجتماعيًا، وقد يؤدي ذلك إلى العزلة أو وصمة العار، خصوصًا في الثقافات المحافظة. كما أن التدخين قد يؤثر على علاقات المرأة الأسرية، ويضعف من دورها كقدوة لأبنائها. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين تنشأ أمهاتهم في بيئة مدخنة يكونون أكثر عرضة لاكتساب عادة التدخين مبكرًا.

التدخين السلبي: الخطر المضاعف

لا تقتصر أضرار التدخين على المدخنات فقط، بل تمتد إلى المحيطين بهن، حيث يتسبب التدخين السلبي – وهو استنشاق دخان التبغ المنبعث من السجائر المحترقة – في أضرار جسيمة. إذ يعاني أفراد الأسرة، وخاصة الأطفال والرضع، من مضاعفات تنفسية مزمنة مثل:

• التهاب القصبات الهوائية.

• الربو الشعبي.

• التهابات الأذن الوسطى.

• ضعف المناعة العامة.

وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن التعرض للتدخين السلبي يقتل أكثر من 1.2 مليون شخص سنويًا حول العالم، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.

جدول يوضح مقارنة تأثير التدخين بين النساء والرجال

الإقلاع عن التدخين: مكاسب لا تقدّر بثمن

تبدأ فوائد الإقلاع عن التدخين منذ اللحظة الأولى، وتزداد مع مرور الوقت. فبعد 20 دقيقة فقط من التوقف، يعود ضغط الدم ومعدل النبض إلى طبيعتهما. وبعد 24 ساعة، يقل خطر الإصابة بنوبة قلبية. وبعد شهرين، يبدأ الجهاز التنفسي بالتحسن، وتختفي الأعراض المزمنة كالسعال وضيق التنفس.

بالنسبة للنساء، فإن الإقلاع عن التدخين يمنح:

• تحسين الخصوبة وتنظيم الهرمونات.

• خفض خطر الإجهاض والولادة المبكرة.

• تحسين صحة الجنين والمولود.

• استعادة نضارة البشرة وصحة الشعر.

• تعزيز الصحة النفسية وتوازن المزاج.

المصادر:

1. WHO. (2023). Tobacco and Women’s Health. https://www.who.int

2. U.S. Department of Health and Human Services. (2020). Smoking and Women’s Health. Surgeon General’s Report. https://www.hhs.gov