التدخين السلبي وأثره على المدخنين

التدخين السلبي يضر المدخنين أيضاً

يُعرف التدخين السلبي بأنه استنشاق الدخان المنبعث من احتراق التبغ من سجائر أو نرجيلة أو سيجار أو أي منتج تبغ آخر، من قبل الأشخاص المحيطين بالمدخنين. لطالما ارتبط التدخين السلبي بالأضرار الصحية الجسيمة التي تصيب غير المدخنين، وخاصة الأطفال والحوامل وكبار السن، لكن ما يغفله كثيرون هو أن هذا النوع من التدخين لا يقتصر ضرره على الأشخاص المحيطين، بل يمتد أيضاً إلى المدخنين أنفسهم، إذ يعيد تعريضهم لجرعات إضافية من السموم، ويزيد العبء الصحي على أجسامهم المنهكة بالفعل من تأثير التبغ.

في هذا المقال، سيتم التطرق بشكل مفصل إلى الآثار الصحية للتدخين السلبي على المدخنين، موضحين الآليات البيولوجية والفيزيولوجية التي تجعل هذا النوع من التعرض للتبغ أكثر خطورة، بالإضافة إلى تداعياته الاجتماعية والبيئية، ومستندين إلى أحدث ما ورد في الدراسات العلمية والمصادر الطبية.

أولاً: التدخين السلبي – التعريف والمكونات الكيميائية

يتكون التدخين السلبي من خليط معقد من الدخان الجانبي المنبعث من نهاية السيجارة أو المنتج التبغي المشتعل، والدخان الزفيري الذي يطرحه المدخن. يحتوي هذا الخليط على أكثر من 7000 مادة كيميائية، من بينها مئات المواد السامة، وما لا يقل عن 70 مادة معروفة بتسببها في السرطان مثل البنزين، الفورمالديهايد، الزرنيخ، والسيانيد.

ويميل الدخان الجانبي إلى أن يكون أكثر خطورة من الدخان المباشر، نظرًا لأنه ينتج في درجات حرارة أقل، مما يسمح بتركيز أعلى من بعض المواد السامة التي لا تُحرق بالكامل، ويُطلق ببطء إلى البيئة المحيطة، مما يطيل فترة تعرّض الأشخاص له.

ثانياً: كيف يؤثر التدخين السلبي على المدخنين أنفسهم؟

رغم أن المدخن هو المتسبب الرئيسي في إنتاج الدخان، إلا أن استنشاقه المتكرر للدخان العالق في الهواء (الدخان السلبي) يعرضه لتراكم كميات إضافية من السموم التي تؤدي إلى تفاقم الأضرار التي سببها له التدخين المباشر. ويمكن توضيح ذلك من خلال الجوانب التالية:

1. إعادة التعرض للسموم

عندما يُدخن الشخص في مكان مغلق أو غير مهوى جيدًا، فإن الدخان يبقى معلقًا في الهواء لفترات طويلة. ومع كل نفس يأخذه، يعود المدخن ليتعرض لنفس المواد الكيميائية المسرطنة التي استنشقها في المرة الأولى. وهذا يُضاعف العبء التأكسدي على الجسم، ويزيد من التحميل السام على الكبد والرئتين والجهاز الدوري.

2. الإجهاد التأكسدي المزمن

أظهرت الدراسات أن التعرض المزمن لدخان السجائر، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر، يزيد من مستويات الجذور الحرة في الجسم، وهي مركبات غير مستقرة تهاجم الخلايا وتدمر بنيتها. ومع أن المدخن يتعرض لها أساسًا من خلال التدخين المباشر، فإن التعرض المستمر للدخان السلبي يعزز هذه الحالة، ما يسرع من عمليات الشيخوخة، ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب.

3. الاستنشاق العميق للدخان الجانبي

غالبًا ما يستهين المدخن بوجود دخان في الأجواء المحيطة به، ما يجعله غير مدرك للكمية الكبيرة من السموم التي يستنشقها دون وعي. في المقابل، أظهرت دراسات أجريت في الأماكن العامة والمنازل المغلقة أن تركيز المواد المسرطنة في الهواء يكون أعلى من الحدود المسموح بها، حتى بعد ساعات من إطفاء السيجارة. هذا التعرض المتواصل يعزز التأثير التراكمي الضار.

4. ضعف قدرة الرئة على التصفية

مع الوقت، تتضرر الأهداب المسؤولة عن تنظيف المجاري التنفسية من الجزيئات السامة في رئة المدخن، ما يجعل قدرته على تصفية الهواء المستنشق من الدخان السلبي أضعف. هذا يعني أن الدخان الثانوي يصبح أكثر ضررًا للمدخنين منه لغير المدخنين، لأن رئاتهم لم تعد تمتلك الدفاعات الفعالة اللازمة لطرد السموم.

ثالثاً: التدخين السلبي وتفاقم الأمراض المزمنة عند المدخنين

تتضاعف مخاطر الإصابة بالأمراض لدى المدخنين الذين يتعرضون للتدخين السلبي، مقارنة بمن يدخنون في بيئة خالية من هذا الدخان. وتشمل هذه التأثيرات ما يلي:

– أمراض القلب والأوعية الدموية

التدخين السلبي يزيد من تراكم الترسبات في الشرايين (تصلب الشرايين)، كما يعزز من تكتل الصفائح الدموية، ويرفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. وعند المدخنين، تتفاعل هذه العوامل مع ما لديهم أصلًا من أضرار، مما يضاعف خطر الإصابة بالنوبات القلبية والجلطات الدماغية.

– سرطان الرئة ومضاعفاته

رغم أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة، إلا أن تعرضهم المستمر للدخان السلبي يزيد من احتمالية تحول الخلايا التالفة إلى خلايا سرطانية. كما أن التعرض المتكرر لهذا النوع من الدخان يؤدي إلى تدهور أكبر في الوظائف التنفسية، مما يعقّد العلاج في حال تطور السرطان.

– الأمراض التنفسية المزمنة

الربو والتهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة جميعها تتفاقم بفعل التدخين السلبي. المدخنون الذين يتعرضون باستمرار لهذا النوع من الدخان يعانون من نوبات ضيق تنفس أكثر شدة وتكرارًا، وقد يتدهور وضعهم التنفسي إلى درجة الحاجة إلى الأكسجين الصناعي.

رابعاً: التأثير البيئي للتدخين السلبي وأثره على المدخنين

الدخان السلبي لا يختفي فورًا بعد إطفاء السيجارة، بل يظل عالقًا في الهواء، وعلى الأسطح، وفي الأقمشة، وهو ما يُعرف بـ “التدخين من الدرجة الثالثة”. هذه الجزيئات المتبقية تستمر في إطلاق المواد السامة ببطء، مما يزيد من فرصة التعرض المزمن لها من قِبل المدخنين، خاصة أولئك الذين يدخنون في المنازل أو السيارات المغلقة.

وقد ثبت أن جسيمات التدخين العالقة على الأثاث والمفروشات تتفاعل مع مركبات الهواء لتنتج مواد جديدة مسرطنة مثل نيتروزامين التبغ (TSNAs). وكلما طالت مدة بقاء المدخن في بيئة ملوثة بالتدخين السلبي، زادت كمية السموم التي يمتصها عبر الجلد أو يستنشقها مع كل تنفس.

خامساً: التدخين السلبي في أماكن العمل والمرافق العامة

المدخنون الذين يعملون في بيئات تسمح بالتدخين، أو لا تطبق سياسات صارمة للحد منه، يتعرضون لكمية هائلة من الدخان السلبي بشكل يومي، ما يجعلهم أكثر عرضة لمضاعفات صحية خطيرة. هذا الخطر لا يتعلق فقط بالمدخنين العاديين، بل يمتد إلى أولئك الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين، إذ أن وجودهم في بيئة ملوثة بالدخان يعوق محاولاتهم ويزيد من احتمالية الانتكاس.

في السياقات الصناعية، حيث يُستخدم التبغ بكثافة في بعض المرافق أو المناطق التي لا تطبق أنظمة تهوية كافية، يكون العبء التراكمي على العامل المدخن مزدوجًا – من ناتج تدخينه ومن محيطه – مما يعرضه لمستوى تلوث يفوق الحدود الصحية المسموح بها.

سادساً: التدخين السلبي وعلاقته بسلوكيات التدخين

تشير دراسات سلوكية إلى أن التعرض المستمر للتدخين السلبي يؤدي إلى:

• تعزيز الاعتماد النفسي على التبغ، نتيجة التحفيز المستمر للدماغ بالنيكوتين في الجو.

• تقليل فرص الإقلاع عن التدخين، بسبب ضعف الحافز المحيط وانعدام بيئة داعمة.

• زيادة عدد السجائر المستهلكة يوميًا، إذ أن البيئة المحيطة تصبح مشبعة بمثيرات التدخين.

سابعاً: الجدول التحليلي لتأثير التدخين السلبي على المدخنين

ثامناً: استنتاجات مدعومة بالأبحاث

في دراسة نُشرت في The Lancet Public Health عام 2018، وُجد أن المدخنين الذين يعيشون أو يعملون في أماكن تكثر فيها معدلات التدخين السلبي أظهروا نتائج أسوأ فيما يتعلق بوظائف الرئة وضغط الدم، مقارنة بأولئك الذين دخنوا في بيئات أقل تلوثًا.

كما أظهرت ورقة بحثية صادرة عن American Heart Association أن المدخنين الذين يتعرضون باستمرار للدخان السلبي ترتفع لديهم معدلات المؤشرات الالتهابية مثل CRP و IL-6، والتي ترتبط بزيادة خطر الجلطات والأمراض المزمنة.

المراجع:

• U.S. Department of Health and Human Services. (2014). The Health Consequences of Smoking—50 Years of Progress: A Report of the Surgeon General.

• World Health Organization (WHO). (2021). Tobacco and its environmental impact: an overview.

الكلمة المفتاحية: التدخين السلبي، أضرار التبغ، الصحة العامة، أمراض القلب، السرطان، المدخنين