البُعد العاطفي في الزواج

هل تشعرين بأنك بعيدة عن زوجك واهتماماته؟

تعتبر العلاقة الزوجية من أهم العلاقات الإنسانية وأكثرها تعقيداً، إذ تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والمحبة المستمرة. ومع مرور الوقت وتكرار المشاغل اليومية، قد يشعر أحد الزوجين، وغالباً الزوجة، بأنها بعيدة عن زوجها، وأن اهتماماته أصبحت تتجه نحو أمور أخرى أو أنها لم تعد محور اهتمامه كما في السابق. هذا الشعور قد يكون مؤلماً ومزعجاً، لأنه يهدد جوهر العلاقة ويخلق فجوة عاطفية يصعب تجاوزها بدون وعي وإرادة مشتركة.

أسباب الشعور بالبعد عن الزوج واهتماماته

1. انشغال الزوج بالعمل والمهام الخارجية
   
   غالباً ما يتطلب عمل الزوج وقتاً وجهداً كبيرين، مما يؤدي إلى قلة الوقت الذي يقضيه مع زوجته وأسرته. هذا الانشغال قد يترك شعوراً بالوحدة والاغتراب لدى الزوجة، خاصة إذا لم يتم تعويض هذا الغياب بطرق أخرى للتواصل والاهتمام.

2. تغير أولويات الزوج مع مرور الوقت
   
   مع تقدم مراحل الحياة، تتغير أولويات الإنسان، فقد يتحول تركيز الزوج إلى بناء مستقبل مهني، أو الاهتمام بالأولاد، أو حتى تطوير الذات، مما يجعل الزوجة تشعر أنها لم تعد محور حياته كما كانت في بداية الزواج.

3. ضعف التواصل بين الزوجين
   
   التواصل هو العمود الفقري لأي علاقة ناجحة، وقلة التواصل الصادق بين الزوجين تؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وسوء الفهم، مما يفاقم الشعور بالبعد العاطفي.

4. الروتين والملل الزوجي
   
   العيش في روتين يومي مكرر دون تجديد للعلاقة أو إضافة لمسات جديدة قد يخلق شعوراً بالجمود والبعد. الروتين يقلل من الحماس والاهتمام بين الطرفين.

5. تغير المشاعر العاطفية
   
   قد يتعرض الزوج أو الزوجة لتغيرات نفسية أو عاطفية بسبب ضغوط الحياة أو مشاكل صحية أو نفسية، مما يؤثر على مقدار الاهتمام المتبادل.

6. عدم اهتمام الزوج بحاجات الزوجة العاطفية
   
   كل إنسان يحتاج إلى الدعم العاطفي والاهتمام، وإذا تجاهل الزوج هذه الحاجات أو لم يعبّر عن مشاعره بوضوح، قد تشعر الزوجة بالوحدة والبعد عنه.

تأثير البعد العاطفي على العلاقة الزوجية

البعد العاطفي لا يقتصر على فقدان الشعور بالحب فقط، بل يمتد ليشمل جوانب عدة في العلاقة، منها:

• انخفاض الرضا الزوجي: يقل الشعور بالسعادة والارتياح في العلاقة، ويزداد التوتر والاحتكاك.

• تراجع التفاهم: يصبح التواصل صعباً، وتتراكم الخلافات بسبب سوء الفهم وقلة الحوار.

• ضعف الدعم النفسي: يفقد كل طرف الشعور بالدعم العاطفي من الآخر، مما يزيد من شعور العزلة.

• الانجذاب إلى عوامل خارج العلاقة: في بعض الحالات، قد يبحث أحد الطرفين عن تعويض هذا الفراغ العاطفي في علاقات خارج الزواج.

• تأثير سلبي على الأسرة: الأطفال يشعرون بالتوتر عندما تكون العلاقة بين الوالدين متوترة أو باردة، مما يؤثر على النمو النفسي لهم.

كيف يمكن استعادة القرب والاهتمام بين الزوجين؟

رغم التحديات التي تواجه العلاقة الزوجية، فإن استعادة القرب العاطفي أمر ممكن بالعمل الجاد والتفاهم المتبادل. هناك عدة خطوات تساعد على تحقيق ذلك:

1. تعزيز التواصل المفتوح والصادق

يجب أن يكون هناك مساحة للحديث عن المشاعر والأفكار بدون حكم أو لوم. الحوار المفتوح يخلق جواً من الثقة ويفتح الأبواب لفهم احتياجات الطرف الآخر بشكل أفضل.

2. تخصيص وقت خاص للزوجين

الانشغال بالحياة اليومية لا يمنع تخصيص وقت أسبوعي أو يومي يُكرّس فقط للزوجين من دون انشغالات أخرى، كالعشاء معاً أو نزهة أو حتى قضاء وقت هادئ في المنزل. هذا الوقت يعيد إشعال الشرارة ويقوي الروابط.

3. التعبير عن الحب والاهتمام بطرق متنوعة

الكلمات الرقيقة، الإيماءات الصغيرة، والهدايا البسيطة يمكن أن تعيد الشعور بالاهتمام والاعتناء. الابتسامة، العناق، والمبادرة بالتواصل الجسدي تساهم في تقوية العلاقة.

4. التجديد والتغيير في الروتين الزوجي

إضافة أنشطة جديدة أو تجارب مشتركة تخلق لحظات جديدة ومميزة تشحن العلاقة بالطاقة الإيجابية. يمكن أن يكون ذلك من خلال السفر، ممارسة هواية مشتركة، أو حتى التحديات المشتركة التي تتطلب التعاون.

5. الاهتمام بالذات

الزوجة والزوج يجب أن يهتما بأنفسهما أيضاً، صحياً ونفسياً، لأن صحة كل منهما تؤثر بشكل مباشر على جودة العلاقة. هذا يشمل الاهتمام بالمظهر، الصحة النفسية، وتطوير الذات.

6. طلب الدعم والمساعدة المهنية عند الحاجة

إذا كان البعد العاطفي عميقاً جداً، أو ترافقه مشكلات أخرى كالخيانة أو سوء الفهم الحاد، قد يكون اللجوء إلى استشاري أسري أو معالج نفسي خطوة ضرورية للمساعدة في فك العقد وتحسين التواصل.

دور الزوجة في تعزيز القرب والاهتمام

تلعب الزوجة دوراً محورياً في تعزيز العلاقة، من خلال:

• المرونة والتفهّم: التعامل مع انشغالات الزوج بصبر وتفهّم، مع الحرص على التعبير عن الاحتياجات بشكل هادئ وواضح.

• المبادرة بالتغيير: لا تنتظر أن يبدأ الزوج دائماً، بل يمكن أن تكون المبادرة منك في تحسين العلاقة والتواصل.

• الاهتمام بالنفس وتطوير الذات: ما يعزز جاذبيتك وقوتك النفسية ويجذب زوجك إليك أكثر.

• بناء جو من المحبة والاحترام: لا يمكن لعلاقة أن تزدهر دون وجود قاعدة من الاحترام والتقدير المتبادل.

أهمية الصراحة والشفافية في العلاقة

عدم الصراحة يمكن أن يفاقم الشعور بالبعد، إذ أن الكتمان والتجاهل يزرعان بذور الشك والضيق. لذا يجب أن يكون هناك مناخ من الصراحة والشفافية في التعبير عن المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، بحيث تُعالج المشاكل في مهدها ولا تتراكم.

البعد العاطفي والجانب النفسي للزوجين

غالباً ما يرتبط البعد العاطفي بمشاكل نفسية أو ضغوط نفسية تعرض لها أحد الطرفين، كالاكتئاب، القلق، أو حتى التعب النفسي المزمن. هذه الحالات قد تجعل الشخص ينعزل عاطفياً حتى ولو كان يحب شريكه. لذلك، فهم الحالة النفسية للطرف الآخر، والدعم النفسي، يلعبان دوراً هاماً في تقليل الفجوة العاطفية.

أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل على العلاقة الزوجية

مع الانتشار الكبير للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، قد تزداد ظاهرة البعد العاطفي بسبب الإدمان على الهواتف والأجهزة الرقمية. إذ يمكن أن يصبح الشريك مشغولاً بشكل مستمر بأمور افتراضية على حساب العلاقة الواقعية، مما يسبب شعوراً بالإهمال والبعد.

أهمية إعادة بناء الثقة والاهتمام المتبادل

العلاقة الزوجية الناجحة لا تعتمد فقط على الحب، بل على الثقة والاحترام المتبادل، والاهتمام المستمر. يجب أن تكون هناك نية صادقة من كلا الطرفين للحفاظ على العلاقة، والعمل بشكل يومي على تغذيتها بالاهتمام والاحتواء.

جدول توضيحي لأهم أسباب البعد العاطفي وكيفية معالجتها

في الختام، الشعور بالبعد عن الزوج واهتماماته ليس أمراً محتوماً، بل هو مؤشر يحتاج إلى التوقف عنده والتعامل معه بحكمة. الحفاظ على العلاقة الزوجية يتطلب جهداً مستمراً من الطرفين، وفي حال وجود نية حقيقية، يمكن استعادة القرب العاطفي وتجديد الاهتمام بحيث تصبح العلاقة أكثر قوة واستقراراً مما كانت عليه في السابق.

المصادر

• كتاب “فن التعامل مع الزوج” للدكتور عائض القرني

• دراسة علمية منشورة في مجلة العلاقات الزوجية، جامعة هارفارد 2020