فيلم “البلوكس بوستر الأخير”: وثائقي يروي نهاية حقبة وذكريات السينما المنزلية
في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا وتتغير فيه وسائل الترفيه بسرعة، يأتي فيلم “البلوكس بوستر الأخير” (The Last Blockbuster) ليعكس لنا فترة من الزمن كانت مليئة بالذكريات، ويسلط الضوء على مكان أصبح رمزًا لحقبة سينمائية غابرة. هذا الوثائقي من إخراج تايلور موردن والذي عُرض في 15 مارس 2021، يروي قصة واحدة من أكبر شركات تأجير الأفلام في تاريخ السينما، وهي “بلوكس بوستر”، وينقلنا إلى آخر فرع باقٍ من هذه السلسلة الشهيرة في ولاية أوريغون الأمريكية، ويكشف لنا كيف نجت هذه الفروع في وجه التحديات، وكيف تبقى تلك الذكريات حية في القلوب.
بلوكس بوستر: قصة صعود وهبوط
عندما نتحدث عن “بلوكس بوستر”، لا بد لنا من العودة إلى التسعينات وأوائل الألفية الثانية. كانت “بلوكس بوستر” المكان المثالي لعشاق الأفلام، حيث كان بإمكانهم الذهاب إلى أقرب فرع وتأجير أحدث الأفلام أو حتى البحث عن أشرطة VHS نادرة. كانت تلك المتاجر بمثابة معابد للسينما المنزلية، تقدم خيارات لا حصر لها من الأفلام التي تعكس تنوع الأذواق السينمائية، من الأفلام الكلاسيكية إلى أحدث إصدارات هوليوود. وكانت زيارة فرع بلوكس بوستر تقليدًا ثقافيًا في العديد من العائلات.
لكن مع مرور الوقت، بدأت الشركات الرقمية مثل “نتفليكس” و”فيديوهات الإنترنت” في الهيمنة على سوق تأجير الأفلام. التحولات التكنولوجية جعلت من الذهاب إلى المتجر لاختيار شريط الفيديو أمرًا غير مريح. بينما كانت خدمات البث المباشر تقدم الراحة والسهولة، أصبح نموذج تأجير الأفلام في المحلات التجارية شيئًا من الماضي.
الفرع الأخير: حياة في ظل الذكريات
على الرغم من الانهيار الكبير الذي أصاب سلسلة “بلوكس بوستر”، لا يزال هناك فرع واحد فقط في العالم مستمر في تقديم هذه الخدمة التقليدية. يقع هذا الفرع في مدينة بنغور في ولاية أوريغون، وهو المكان الذي يحتفظ بجوهر تجارب تأجير الأفلام القديمة. الوثائقي “البلوكس بوستر الأخير” يركز بشكل خاص على هذا الفرع، حيث يظهر كيفية استمراره في العمل بالرغم من التحديات الاقتصادية والتكنولوجية التي أدت إلى إغلاق فروع أخرى في جميع أنحاء العالم.
يعتبر هذا الفرع بمثابة حافظة للذكريات القديمة في عصر تأجير الأفلام، ويحتفظ بمجموعات واسعة من الأفلام النادرة التي قد يصعب العثور عليها في أي مكان آخر. يضيف ذلك سحرًا خاصًا للمكان، حيث لا يزال بإمكان الزوار أن يستمتعوا بتجربة اختيار الأفلام بأنفسهم، ليختاروا ما يناسبهم من بين مجموعة واسعة من الأفلام القديمة والجديدة.
التحولات الثقافية ودور “بلوكس بوستر” في المجتمع
يستعرض الفيلم أيضًا كيف لعبت “بلوكس بوستر” دورًا في ثقافة المجتمع. في ذروتها، كانت شبكات “بلوكس بوستر” جزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من الأشخاص، حيث كان الذهاب إلى المتجر ليلا لاختيار فيلم مع الأصدقاء أو العائلة هو الروتين الأسبوعي للكثيرين. كان من الصعب تجاهل تأثير “بلوكس بوستر” على جوانب أخرى من الحياة الثقافية، مثل الأحداث الاجتماعية التي كان يمكن تنظيمها حول الأفلام التي تم استئجارها.
في الوثائقي، يتم التأكيد على أن “بلوكس بوستر” لم تكن مجرد شركة تأجير أفلام؛ كانت تجربة ثقافية فريدة من نوعها، وتجمع بين المحبين للأفلام بكل تفاصيلهم. تشير شهادات من موظفي الفرع الأخير إلى أنهم لا يزالون يحافظون على روح تلك التجربة القديمة ويعتزون بها، فالمكان لا يقدم فقط الأفلام بل الذكريات أيضًا.
الفيلم الوثائقي: تسليط الضوء على آخر “بلوكس بوستر”
على الرغم من أن فيلم “البلوكس بوستر الأخير” هو عبارة عن وثائقي، إلا أنه يقدم لمحة عن الكيفية التي يمكن من خلالها الحفاظ على روح الثقافة في ظل عصر سريع التحول. من خلال المقابلات مع الموظفين، والزوار، وأصحاب المكان، يقدم الفيلم منظورًا حميمًا عن كيفية تأثير التغيير التكنولوجي على صناعة السينما المنزلية، وكيف يمكن لموقع واحد أن يحافظ على بعض من هذه الذكريات.
يتميز الفيلم بجو من الحنين، حيث يلتقط لحظات من الترفيه البسيط، الذي فقده الكثيرون في عالم سريع الزمان والمكان. تسلط بعض المقاطع الضوء على الأشخاص الذين كانوا زبائن في فروع “بلوكس بوستر” الأخرى، وهم الآن يعودون إلى الفرع الأخير لاختيار أفلامهم المفضلة، ليشعروا بنكهة الماضي التي كانوا يفتقدونها.
دور الوثائقي في الحفاظ على الذكريات
أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذا الوثائقي هو كيف يعيد “البلوكس بوستر الأخير” تأكيد فكرة أن الذكريات يمكن أن تبقى حية حتى في وجه التقدم التكنولوجي. على الرغم من أنه من الواضح أن “بلوكس بوستر” قد أغلقت فروعها في جميع أنحاء العالم، إلا أن الوثائقي يبرز كيفية استمرار هذا الفرع في استحضار تلك اللحظات القديمة التي كانت تمثل رمزًا للجميع.
يوفر الفيلم أيضًا نظرة على التحديات التي تواجه الصناعات التقليدية في ظل الابتكارات الرقمية. على الرغم من كل هذه التحديات، فإن قدرة مكان واحد على البقاء حيا وتقديم شيء قيم للأجيال القادمة تعد شهادة على قوة الذكريات الثقافية.
ختامًا: وثائقي يعكس قلب السينما القديمة
يعد فيلم “البلوكس بوستر الأخير” أكثر من مجرد وثائقي عن نهاية عصر تأجير الأفلام؛ إنه شهادة على التحولات الثقافية التي مر بها العالم في عصر التكنولوجيا الرقمية. وبينما تواصل منصات مثل “نتفليكس” و”أمازون” هيمنتها على عالم الترفيه، يبقى هناك مكان واحد في ولاية أوريغون يحمل بداخل جدرانه ذكرى لتلك الأيام التي كانت فيها زيارة محل تأجير الأفلام تجربة فريدة لا تُنسى.