تعريف البحث الإجرائي: المفهوم، الخصائص، الأهمية، والمجالات التطبيقية
يُعد البحث الإجرائي (Action Research) من المناهج البحثية التي اكتسبت أهمية متزايدة في العقود الأخيرة، خاصة في مجالات التعليم، والإدارة، والعمل المجتمعي، والتطوير المؤسسي. يتميز هذا النوع من البحوث بتركيزه على الممارسة العملية، وعلى معالجة المشكلات الواقعية التي يواجهها الأفراد داخل بيئاتهم المهنية. ولا يقتصر الأمر على مجرد جمع البيانات وتحليلها كما في البحوث التقليدية، بل يتعداه إلى إحداث تغيير فعلي وتطوير مستمر في بيئة العمل. يشكل البحث الإجرائي جسرًا بين النظرية والتطبيق، ويوفر نموذجًا تشاركيًا تفاعليًا يُمكّن الأفراد من تطوير أنفسهم ومؤسساتهم من خلال خطوات بحثية منظمة.
أولًا: تعريف البحث الإجرائي
البحث الإجرائي هو منهج بحثي تطبيقي يتم إجراؤه بغرض تحسين الممارسات العملية من خلال الملاحظة، والتخطيط، والتنفيذ، والتقييم، ثم التعديل، بطريقة دورية تشاركية. وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من البحث من قبل الممارسين مثل المعلمين، والمشرفين، والعاملين الاجتماعيين، والمديرين الذين يسعون إلى تحسين أدائهم المهني وفهمهم لمشكلات العمل التي يواجهونها.
ويُعرف البحث الإجرائي بأنه “بحث يتم من قبل الممارس ومن أجله”، حيث يكون الباحث هو الشخص نفسه الذي يواجه المشكلة، وهو من يسعى إلى حلها وتحسين الوضع المرتبط بها، ما يخلق علاقة وثيقة بين الباحث والظاهرة المدروسة.
ثانيًا: خصائص البحث الإجرائي
يتميز البحث الإجرائي بمجموعة من الخصائص التي تميّزه عن غيره من المناهج البحثية، ومن أبرزها:
1. التوجه العملي
يتمحور البحث الإجرائي حول الممارسة المهنية اليومية، إذ ينطلق من مشكلات واقعية نابعة من بيئة العمل، ويسعى إلى تحسينها وتطويرها عبر خطوات بحثية محددة.
2. الطابع التشاركي
يُعد التشارُك من السمات الأساسية للبحث الإجرائي، حيث غالبًا ما يُشرك الباحث الأفراد الآخرين المتأثرين بالمشكلة في عملية البحث، مثل الزملاء، أو المستفيدين، أو المجتمع المحيط، مما يعزز من فعالية الحلول المقترحة وواقعيتها.
3. المرونة والتكرار
يعتمد البحث الإجرائي على دورات متكررة من الخطوات البحثية، حيث يتم التخطيط لإجراء معين، ثم يُنفّذ، ويتم تقييمه، ثم يُعاد التخطيط بناءً على النتائج، ما يجعل البحث عملية مرنة وقابلة للتطوير المستمر.
4. التركيز على التغيير
الهدف الرئيسي من البحث الإجرائي ليس فقط فهم الواقع أو تفسيره، وإنما إحداث تغيير إيجابي وملموس في الممارسة أو البيئة التي يجري فيها البحث.
5. المشاركة الوجدانية والفكرية
يُسهم الممارسون في البحث الإجرائي ليس فقط بوصفهم أفرادًا موضوعيين، بل يشاركون بخبراتهم، وقيمهم، وتصوراتهم، مما يعمّق فهم الظواهر المدروسة ويجعل الحلول أكثر ارتباطًا بالسياق.
6. النطاق المحدود والواقعي
يركز البحث الإجرائي على مشكلات محددة ضمن بيئة معينة، فلا يسعى للتعميم الواسع، بل يركز على التحسين المحلي الذي يمكن تكراره أو توسيعه لاحقًا.
ثالثًا: أهداف البحث الإجرائي
تمتد أهداف البحث الإجرائي إلى مجالات متعددة، يمكن تلخيصها فيما يلي:
-
تحسين الأداء المهني من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف في العمل.
-
فهم الظواهر المرتبطة بالممارسة اليومية بطريقة علمية ومنظمة.
-
إيجاد حلول إبداعية وفعالة للمشكلات الواقعية.
-
تعزيز ثقافة التعلُّم المستمر والتفكير النقدي داخل المؤسسات.
-
إحداث تغيير إيجابي ومستدام في بيئة العمل أو المجتمع.
رابعًا: مراحل وخطوات البحث الإجرائي
يمر البحث الإجرائي عادة بعدة مراحل مترابطة تُنفذ بشكل دوري حلقي. يمكن تلخيص هذه المراحل كما يلي:
-
تحديد المشكلة أو الموقف القائم: يتم البدء برصد الموقف العملي الذي يحتاج إلى تطوير أو مشكلة تعيق الأداء المهني.
-
جمع البيانات وتحليلها: تُستخدم أساليب كمية أو نوعية لجمع المعلومات الضرورية لفهم أبعاد المشكلة.
-
التخطيط للعمل: يُخطط الباحث أو الفريق البحثي لإجراء معين أو تدخل محدد لمعالجة المشكلة.
-
تنفيذ خطة العمل: يتم تطبيق الإجراء المخطط له في البيئة العملية.
-
مراقبة النتائج والتقييم: تُجرى عملية تقويم دقيقة لنتائج التنفيذ بهدف معرفة مدى فعالية التدخل وتأثيره.
-
التفكير والتحليل: تُدرس البيانات الناتجة من التقييم وتُحلل لتحسين الفهم واتخاذ قرارات بشأن الخطوة التالية.
-
التعديل وإعادة الدورة: بناءً على نتائج التحليل، يتم تعديل خطة العمل وتكرار الدورة لتحقيق تحسين مستمر.
خامسًا: أنواع البحث الإجرائي
يمكن تصنيف البحث الإجرائي إلى عدة أنواع وفقًا للسياق والغرض:
| النوع | الوصف |
|---|---|
| بحث إجرائي فردي | يُجريه فرد واحد – غالبًا معلم أو مدير – لحل مشكلة محددة في بيئة عمله. |
| بحث إجرائي تعاوني | يقوم به مجموعة من الأفراد (مثلاً فريق معلمين) بصورة جماعية لمواجهة مشكلة مشتركة. |
| بحث إجرائي مجتمعي | يُستخدم في التنمية المجتمعية ويهدف إلى إشراك السكان المحليين في تحسين ظروفهم. |
| بحث إجرائي مؤسسي | يُستخدم داخل مؤسسات أو منظمات لتحسين أداء الأنظمة والخدمات والإجراءات. |
سادسًا: أهمية البحث الإجرائي
تكمن أهمية البحث الإجرائي في دوره الفعال في تطوير الأداء المهني، وبناء بيئات عمل تعلّمية، وتعزيز الممارسات القائمة على الأدلة والتقييم. وتظهر فوائده بشكل خاص في الميادين التالية:
1. في التعليم
يُعتبر البحث الإجرائي أداة فعّالة لتحسين جودة التدريس، من خلال قيام المعلمين بتحليل ممارساتهم التعليمية وتطويرها بناءً على نتائج البحث. كما يتيح هذا النوع من البحث تصميم استراتيجيات تدريس مبتكرة، وتحسين التفاعل داخل الصفوف، ورفع التحصيل الدراسي للطلاب.
2. في الإدارة
يُستخدم لتحليل أساليب القيادة، وتحسين عملية اتخاذ القرار، وتطوير بيئات العمل المؤسسي، وتعزيز ثقافة التنظيم والتخطيط.
3. في العمل المجتمعي
يُمكن أن يُسهم في تطوير الخدمات المجتمعية، وتمكين الفئات المهمشة من المشاركة في صياغة حلول لمشكلاتهم، مما يعزز التنمية المستدامة.
4. في الخدمات الصحية
يُساعد الكوادر الطبية والإدارية على تحسين جودة الرعاية الصحية، وتطوير بروتوكولات العمل، ومعالجة التحديات التي تؤثر على المرضى والموظفين.
سابعًا: أدوات البحث الإجرائي
تتنوع أدوات البحث الإجرائي بحسب طبيعة المشكلة وطبيعة البيانات المراد جمعها، ومن بين أبرز هذه الأدوات:
-
الملاحظة المباشرة: لرصد الظواهر السلوكية داخل بيئة العمل.
-
المقابلات: للحصول على معلومات معمقة من المشاركين أو المستفيدين.
-
الاستبيانات: لقياس الاتجاهات والانطباعات حول قضايا معينة.
-
تحليل الوثائق: لفحص السياسات، والتقارير، والمستندات المرتبطة بالمشكلة.
-
التقارير الذاتية واليوميات المهنية: لتوثيق الخبرات والانعكاسات اليومية للممارسين.
ثامنًا: معوقات البحث الإجرائي
رغم ما يتمتع به البحث الإجرائي من مزايا عديدة، إلا أن هناك عددًا من التحديات التي قد تواجه القائمين عليه، ومنها:
-
ضيق الوقت: حيث يتطلب تنفيذ البحث الإجرائي وقتًا وجهدًا، مما قد يكون عبئًا إضافيًا على الممارسين.
-
قلة التدريب: قد يفتقر بعض المهنيين للخبرة أو المعرفة الكافية بالمنهجية البحثية.
-
ضعف الدعم المؤسسي: مثل عدم توفر الموارد أو التشجيع من إدارة المؤسسة.
-
التحيز الذاتي: نظرًا لأن الباحث يشارك في العملية، فقد يتأثر تحليل البيانات بآرائه وتوقعاته المسبقة.
-
الخصوصية والحساسيات المهنية: خاصة في حالات تتطلب كشف معلومات عن أداء أفراد أو أقسام داخل المؤسسة.
تاسعًا: الفرق بين البحث الإجرائي والبحث العلمي التقليدي
| وجه المقارنة | البحث الإجرائي | البحث العلمي التقليدي |
|---|---|---|
| الغرض | تحسين الممارسة والتطوير المحلي | توسيع المعرفة والتعميم النظري |
| دور الباحث | الممارس الذي يعيش الظاهرة ويشارك في التغيير | المراقب الخارجي أو الأكاديمي |
| التعميم | محدود بالسياق ومخصص | يسعى للتعميم إلى مجتمعات أوسع |
| المنهجية | مرنة وتراكمية وتكرارية | صارمة وغالبًا خطية |
| الجمهور المستهدف | أفراد المؤسسة أو المجتمع المحلي | المجتمع الأكاديمي أو الباحثون |
| نوع البيانات | نوعية غالبًا (مع إمكانية تضمين بيانات كمية) | نوعية أو كمية وفقًا للفرضيات |
عاشرًا: التوثيق ونشر نتائج البحث الإجرائي
لا يُشترط في البحث الإجرائي أن يُنشر في المجلات العلمية الأكاديمية كما في البحوث التقليدية، بل غالبًا ما يتم توثيقه من خلال تقارير مهنية داخلية، أو تقديم عروض تقديمية، أو ضمن برامج التطوير المهني. ومع ذلك، فإن توثيق الخطوات والنتائج بشكل منهجي يُعد عنصرًا أساسيًا في نجاح هذا النوع من البحوث، إذ يسمح بإعادة التجربة أو مشاركتها مع ممارسين آخرين.
المراجع
-
McNiff, J., & Whitehead, J. (2011). All You Need to Know About Action Research. SAGE Publications.
-
Kemmis, S., & McTaggart, R. (1988). The Action Research Planner. Deakin University Press.
