الاضطرابات النفسية والدورة الشهرية

الاضطرابات النفسية المصاحبة للدورة الشهرية

الدورة الشهرية هي عملية بيولوجية طبيعية تحدث للنساء كل شهر، حيث تُفرز الهرمونات وتعمل على تهيئة الجسم للحمل. ولكن، ما لا يعرفه الكثيرون هو أن هذه العملية قد تكون مصحوبة بتغيرات نفسية وعاطفية قد تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للمرأة. قد تتراوح هذه التغيرات بين المشاعر المؤقتة والتقلبات العاطفية البسيطة، إلى الاضطرابات النفسية الأكثر تعقيداً التي تحتاج إلى تدخل علاجي. في هذا المقال، سيتم التطرق إلى الاضطرابات النفسية التي قد تصاحب الدورة الشهرية وكيفية التعامل معها.

1. اضطراب ما قبل الحيض (PMS)

اضطراب ما قبل الحيض هو مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية التي تحدث في الفترة التي تسبق الدورة الشهرية، وغالباً ما تكون هذه الأعراض أكثر وضوحاً في الأسبوعين اللذين يسبقان بداية الدورة الشهرية. تشمل الأعراض النفسية لهذا الاضطراب:

• التقلبات المزاجية: تشعر العديد من النساء بتقلبات في المزاج خلال هذه الفترة، حيث قد ينتابهن مشاعر حزن أو غضب أو حتى حالة من الاكتئاب الخفيف. يمكن أن تتحول هذه المشاعر من الفرح إلى الحزن في فترات قصيرة.

• القلق والتوتر: تزيد مستويات القلق والتوتر في فترة ما قبل الحيض بشكل ملحوظ. قد تشعر النساء بضغط نفسي غير مبرر، ويصاحب ذلك شعور عام بالضيق أو العصبية.

• الاضطرابات في النوم: من الأعراض الشائعة أيضاً اضطرابات النوم، حيث تزداد صعوبة النوم أو تصبح فترات النوم غير مريحة. قد يعاني البعض من الأرق أو من النوم المتقطع خلال هذه الفترة.

تؤثر هذه الأعراض النفسية بشكل مباشر على الحياة اليومية، وتؤدي إلى تراجع في الأداء الشخصي والمهني. في بعض الحالات، قد تتفاقم الأعراض لدرجة أن المرأة تجد صعوبة في القيام بالأنشطة اليومية.

2. اضطراب ما قبل الحيض الشديد (PMDD)

في حالات نادرة، قد تتطور الأعراض النفسية لما قبل الحيض إلى اضطراب ما قبل الحيض الشديد، الذي يعد حالة أكثر خطورة من الاضطراب العادي. يتميز هذا الاضطراب بالأعراض النفسية التي تتداخل مع قدرة المرأة على القيام بمهامها اليومية. الأعراض تشمل:

• الاكتئاب الشديد: تشعر المرأة في هذه الحالة بحالة اكتئاب عميقة قد تشمل مشاعر اليأس، العجز، أو فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تحبها.

• التهيج المستمر: تزداد مشاعر الغضب والتهيج بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى مشاحنات غير مبررة مع الأصدقاء أو العائلة.

• التغيرات السلوكية: قد تبدأ النساء المصابات بهذا الاضطراب في الانسحاب الاجتماعي أو تفادي الأنشطة التي كانت تُشعرهن بالمتعة، كما يمكن أن يتفاقم الشعور بالذنب أو الندم.

الاختلاف بين PMS وPMDD هو أن الأعراض في PMDD تكون أكثر شدة وتستمر لفترة أطول. يمكن أن تؤثر هذه الحالة بشكل كبير على جودة الحياة وتحتاج إلى العلاج الطبي لتخفيف الأعراض.

3. الاكتئاب المرتبط بالدورة الشهرية

الاكتئاب من بين الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً التي تصاحب الدورة الشهرية. على الرغم من أن الاكتئاب هو حالة نفسية قد تحدث في أي وقت من الشهر، إلا أن الهرمونات المرتبطة بالدورة الشهرية قد تزيد من حدته في بعض الحالات.

تُظهر الدراسات أن مستويات هرمون الاستروجين والبروجسترون يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على المزاج. في بداية الدورة الشهرية، ينخفض مستوى الاستروجين، مما يسبب انخفاضاً في مستوى السيروتونين، الهرمون المسؤول عن الشعور بالسعادة. هذا الانخفاض في السيروتونين قد يساهم في زيادة مشاعر الاكتئاب لدى بعض النساء.

4. القلق والاضطرابات المرتبطة بالدورة الشهرية

تُعد مشاعر القلق واحدة من الأعراض النفسية التي تزداد حدة في فترة ما قبل الحيض. قد يكون القلق مصحوباً بمشاعر من التوتر المستمر، والارتباك، والخوف من الأشياء الصغيرة، والتي تبدو في غير محلها. وتُظهر الدراسات أن التغيرات الهرمونية قد تؤثر على مستويات النشاط العصبي في الدماغ، مما يساهم في هذه المشاعر.

5. اضطرابات الشهية والأكل

تعد التغيرات في الشهية واحدة من التأثيرات النفسية التي قد تصاحب الدورة الشهرية. تشعر العديد من النساء بحاجات ملحة لتناول أنواع معينة من الطعام، مثل الحلويات أو الأطعمة المالحة، وذلك بسبب التغيرات في مستويات الهرمونات. قد يؤدي هذا إلى تغيرات في العادات الغذائية، وهو ما يمكن أن ينعكس على الصحة النفسية.

6. العوامل النفسية الأخرى

إلى جانب الاضطرابات النفسية المرتبطة بالدورة الشهرية، هناك مجموعة من العوامل النفسية الأخرى التي قد تؤثر على النساء في هذه الفترة. من أبرزها الضغط الاجتماعي والمجتمعي الذي يمكن أن يتسبب في تعزيز مشاعر القلق والتوتر. المرأة التي تواجه صعوبة في التكيف مع التغيرات الهرمونية قد تجد صعوبة في التعامل مع متطلبات الحياة اليومية، مما يزيد من مستوى القلق والتوتر.

العلاج والتعامل مع الاضطرابات النفسية المرتبطة بالدورة الشهرية

في معظم الحالات، تكون التغيرات النفسية المرتبطة بالدورة الشهرية مؤقتة وتختفي بمجرد انتهاء الدورة الشهرية. ومع ذلك، في الحالات الأكثر شدة، مثل اضطراب ما قبل الحيض الشديد أو الاكتئاب المرتبط بالدورة الشهرية، قد يتطلب الأمر العلاج الطبي. هناك عدة خيارات علاجية يمكن أن تساعد في تقليل الأعراض النفسية المرتبطة بالدورة الشهرية:

• العلاج الدوائي: يمكن أن يتم استخدام مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق لتخفيف الأعراض النفسية. كما يمكن استخدام موانع الحمل الهرمونية للتحكم في تقلبات الهرمونات.

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُعد العلاج السلوكي المعرفي من العلاجات الفعالة في مواجهة التغيرات النفسية المرتبطة بالدورة الشهرية. يساعد هذا النوع من العلاج على معالجة الأنماط السلبية في التفكير.

• التغذية الجيدة والنشاط البدني: تساهم ممارسة الرياضة بانتظام في تقليل التوتر والقلق، وتساعد في تحسين المزاج. كما أن اتباع نظام غذائي متوازن يعزز الصحة النفسية بشكل عام.

• الاسترخاء والتأمل: تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل يمكن أن تساعد في تقليل مستويات القلق والتوتر.

الختام

الاضطرابات النفسية المصاحبة للدورة الشهرية هي ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة للتغيرات الهرمونية التي يتعرض لها جسم المرأة. بينما يعاني البعض من هذه التغيرات بشكل مؤقت وغير مؤذٍ، فإن هناك آخرين يواجهون أعراضًا نفسية شديدة قد تؤثر على حياتهم اليومية. لذلك، من الضروري توعية النساء حول هذه الاضطرابات، والتعامل معها بشكل مناسب من خلال العلاج الطبي والنفسي إذا لزم الأمر، فضلاً عن الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن.