مبادرة الإنترنت المجاني (Internet.org): مشروع طموح لتحسين الوصول إلى الإنترنت حول العالم

في عالم يتسارع فيه التطور الرقمي وتزداد أهمية الاتصال بالإنترنت، برزت مبادرة الإنترنت المجاني (Internet.org) كأحد المشاريع الرائدة التي تهدف إلى توسيع نطاق وصول خدمات الإنترنت إلى شرائح أكبر من سكان العالم، لا سيما في المناطق النامية والريفية التي تعاني من ضعف البنية التحتية الرقمية وارتفاع تكاليف الاشتراك. هذه المبادرة التي أطلقتها شركة فيسبوك (Facebook) عام 2013 تمثل خطوة استراتيجية تسعى لتقليل الفجوة الرقمية وتحقيق شمول رقمي أوسع، وذلك عبر توفير إمكانية الوصول إلى الإنترنت بطريقة مجانية أو منخفضة التكلفة لملايين الأشخاص الذين لا تتاح لهم هذه الفرصة بسهولة.

خلفية إطلاق مبادرة الإنترنت المجاني

نشأت مبادرة الإنترنت المجاني في سياق الحاجة الملحة إلى مواجهة التحديات التي تعترض انتشار الإنترنت في البلدان النامية، حيث يعاني العديد من السكان من عدم توفر شبكات اتصال متطورة أو القدرة على تحمل تكلفة الاشتراك بالإنترنت. كما أن عائق المعرفة والثقافة الرقمية يؤثران أيضاً على مدى انتشار خدمات الإنترنت. لذلك، جاء المشروع بمفهوم يركز على توفير اتصال مجاني محدد بالإنترنت من خلال شراكات مع شركات الاتصالات المحلية، بحيث تتيح للمستخدمين الدخول إلى عدد من المواقع والخدمات الأساسية دون الحاجة إلى دفع رسوم بيانات.

فكرة المشروع تقوم على توفير مجموعة مختارة من المواقع والخدمات التي تُعتبر أساسية للمستخدمين، مثل الأخبار، المعلومات الصحية، التعليم، الطقس، والمراسلات الفورية، بالإضافة إلى خدمات التواصل الاجتماعي، بحيث يتمكن المستخدمون من الوصول إليها دون الحاجة إلى بيانات مدفوعة. بذلك، يسعى المشروع لتشجيع المزيد من المستخدمين على الاعتماد على الإنترنت، مما يُمكن أن يفتح لهم الأبواب لاحقاً للاشتراك الكامل في الخدمات الرقمية.

الأهداف الرئيسية لمبادرة الإنترنت المجاني

تتمثل أهداف المبادرة في تحقيق نقلة نوعية في إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وتحديداً:

1. توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت: توفير اتصال إنترنت مجاني أو منخفض التكلفة للمناطق والمجتمعات التي تفتقر إلى البنية التحتية الرقمية الكافية.

2. تقديم خدمات أساسية مجانية: إتاحة خدمات ومحتويات رقمية حيوية مثل الأخبار، التعليم، الصحة، والمعلومات الحكومية مجاناً.

3. تعزيز الشمول الرقمي: تقليل الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية وبين المناطق الحضرية والريفية.

4. تشجيع الاستخدام الأولي للإنترنت: جذب المستخدمين الجدد الذين قد يكونون مترددين أو غير قادرين على الدفع مقابل خدمات الإنترنت، مما يدعم نمو الاقتصاد الرقمي.

5. خلق شراكات محلية وعالمية: التعاون مع شركات الاتصالات، الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني لضمان استدامة وتوسيع المشروع.

آلية عمل مبادرة الإنترنت المجاني

تعمل المبادرة عبر إنشاء شراكات بين شركة فيسبوك ومشغلي شبكات الهواتف المحمولة في مختلف الدول. يتم تخصيص نطاق من البيانات المجانية للوصول إلى خدمات معينة محددة عبر الإنترنت، حيث يمكن للمستخدمين في تلك المناطق تصفح هذه المواقع والتطبيقات دون استهلاك بيانات مدفوعة. عادةً ما تكون هذه الخدمات ذات طابع تعليمي، صحي، إخباري، وتواصل اجتماعي.

على سبيل المثال، يمكن للمستخدم أن يطلع على أخبار محلية وعالمية، أو يحصل على استشارات صحية عبر الإنترنت، أو يستخدم تطبيقات تعليمية، أو يرسل رسائل عبر منصات معينة مجاناً، بينما يتم فرض رسوم بيانات في حال رغب المستخدم في الوصول إلى خدمات أو مواقع خارج نطاق المبادرة.

في بعض الأحيان، توفر المبادرة إمكانية توسيع هذه الخدمة لتشمل تصفح مواقع الويب كاملة بدون تكلفة، اعتماداً على اتفاقيات وتراخيص محلية، ولكن بشكل عام تركز على تقديم باقة محدودة من الخدمات الأساسية لضمان التحكم في استهلاك البيانات وتحقيق استدامة المشروع.

إنجازات وتأثير المبادرة على المجتمعات النامية

منذ انطلاقها، حققت مبادرة الإنترنت المجاني نتائج ملموسة في عدد من البلدان خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث ساهمت في تمكين ملايين الأشخاص من تجربة الإنترنت للمرة الأولى، مما أدى إلى تحسين مستوى الوعي الرقمي والتعليم، وتوفير فرص اقتصادية واجتماعية جديدة. هذه المبادرة أسهمت في ردم الفجوة الرقمية التي تعاني منها المجتمعات الفقيرة، ووضعت الأساس لدمج أوسع في الاقتصاد الرقمي العالمي.

فعلى سبيل المثال، في دول مثل الهند ونيجيريا، وفرت المبادرة الوصول المجاني إلى خدمات الإنترنت عبر هواتف محمولة منخفضة التكلفة، مما ساعد المستخدمين في المناطق الريفية على متابعة الأخبار، تعلم مهارات جديدة، والتواصل مع العائلة والأصدقاء، وتلقي النصائح الطبية، وهي أمور كان من الصعب الوصول إليها من قبل.

علاوة على ذلك، أظهرت الدراسات أن تقديم الإنترنت المجاني يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية، إذ يمكن للناس عبر الوصول إلى المعلومات والخدمات الرقمية أن يعززوا من فرص العمل والتعلم وتحسين حياة الأسرة بشكل عام.

التحديات والانتقادات التي واجهتها المبادرة

على الرغم من الإنجازات، تعرضت مبادرة الإنترنت المجاني لعدة انتقادات ووجهت لها تحديات عدة، منها:

• مبدأ الحياد في الإنترنت (Net Neutrality): اتُهمت المبادرة بانتهاك مبدأ الحياد في الإنترنت الذي يدعو إلى معاملة جميع البيانات بشكل متساوٍ دون تفضيل بعض المواقع أو الخدمات على حساب أخرى. حيث أن التركيز على مجموعة محددة من المواقع والخدمات مجاناً يشكل انتقاصاً من حرية الوصول الكامل للإنترنت.

• تقييد حرية المستخدمين: بسبب حدود الخدمات التي يقدمها المشروع مجاناً، قد يُجبر المستخدمون على استخدام تطبيقات ومواقع معينة دون وجود خيارات أخرى، مما يحد من حرية الاختيار ويُقيد تجربة التصفح.

• التحديات التقنية والبنية التحتية: في بعض المناطق، تعاني البنية التحتية لشبكات الاتصالات من ضعف وعدم قدرة على دعم المشروع بشكل فعال، مما يحد من استفادة المستخدمين بشكل كامل.

• الجدوى الاقتصادية: يرى بعض المحللين أن المشروع يعتمد على نموذج غير مستدام اقتصادياً، حيث أن توفير الإنترنت المجاني قد لا يؤدي إلى تحويل عدد كبير من المستخدمين إلى اشتراكات مدفوعة مستقبلاً.

• الخصوصية والأمان: مخاوف تتعلق بجمع البيانات واستخدامها من قبل الشركات التي تدير المبادرة، والتي قد تؤثر على خصوصية المستخدمين، خاصة في ظل القيود والتشريعات المختلفة في البلدان النامية.

التوسع المستقبلي للمبادرة وأهميتها في عالم اليوم

تظل الحاجة إلى الإنترنت المجاني أو منخفض التكلفة من أهم أولويات التنمية الرقمية في العالم، خصوصاً مع استمرار زيادة الاعتماد على الخدمات الرقمية في التعليم، الصحة، التجارة، والحكومات الإلكترونية. لذلك، تسعى المبادرة إلى تطوير وتوسيع نطاق خدماتها، وتوسيع شراكاتها مع مشغلي الاتصالات والحكومات والمؤسسات غير الربحية، بالإضافة إلى تحسين التكنولوجيا المستخدمة لرفع كفاءة الوصول وجودة الخدمة.

تعمل المبادرة على تطوير برامج تعليمية وتوعوية متكاملة تركز على بناء القدرات الرقمية للمستخدمين الجدد، مما يساعد على تحقيق الاستفادة القصوى من الإنترنت وتعزيز الاستخدام الآمن والمسؤول.

كما أن التوجهات العالمية نحو رقمنة الاقتصاد والخدمات العامة تجعل من الإنترنت ضرورة ملحة للجميع، وليس فقط للكثيرين، مما يعزز من أهمية المبادرات التي تهدف إلى توفير وصول مجاني أو ميسر كجزء من الحلول التنموية الشاملة.

مقارنة بين Internet.org ومبادرات أخرى للإنترنت المجاني

في إطار الجهود العالمية لتوسيع الوصول إلى الإنترنت، توجد عدة مبادرات ومشاريع تسعى إلى تحقيق أهداف مشابهة لمبادرة الإنترنت المجاني، منها:

كل من هذه المبادرات يختلف في النطاق والتقنيات المستخدمة، لكنها جميعاً تسعى إلى هدف واحد وهو جسر الفجوة الرقمية وتحسين فرص الوصول إلى الإنترنت لملايين الأشخاص حول العالم.

الخلاصة

تمثل مبادرة الإنترنت المجاني (Internet.org) خطوة محورية في سبيل تحقيق شمول رقمي أوسع وتقليل الفجوة الرقمية التي تعيق التنمية في كثير من الدول والمجتمعات. من خلال توفير وصول مجاني ومحدود إلى خدمات الإنترنت الأساسية، تمكنت هذه المبادرة من فتح آفاق جديدة لملايين المستخدمين حول العالم، خاصة في المناطق النائية والفقيرة. ومع ذلك، لا تزال المبادرة تواجه تحديات عدة تتعلق بالحياد الرقمي، حرية المستخدم، والجدوى الاقتصادية، مما يستدعي تطوير حلول مبتكرة توازن بين تحقيق أهداف الشمول والالتزام بمبادئ الإنترنت المفتوح.

تتجه المبادرة اليوم نحو مزيد من التطوير والتعاون لإحداث تأثير أعمق وأكثر استدامة، مع أهمية الاستمرار في رفع مستوى الوعي الرقمي وبناء القدرات لتأهيل المستخدمين الجدد للمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الرقمي العالمي. في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم الرقمي، تبقى مبادرة الإنترنت المجاني نموذجاً مهماً في مسيرة تحقيق اتصال رقمي شامل وعادل للجميع.

المراجع:

• موقع Internet.org الرسمي (https://internet.org)

• تقرير الاتصالات العالمية، الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) 2023