الإصغاء بقصد الرد بدلًا من الفهم: سبيلاً للفشل
يعد التواصل الفعّال من أهم العوامل التي تحدد جودة العلاقات الإنسانية، سواء كانت شخصية أو مهنية. التواصل ليس مجرد تبادل للكلمات أو الآراء، بل هو عملية تتطلب مهارات متعددة، من أهمها الإصغاء الجيد. ولكن، وعلى الرغم من أهمية الإصغاء، نجد أن الكثير من الناس يلجأون إلى ما يُعرف بـ “الإصغاء بقصد الرد” بدلاً من “الإصغاء بقصد الفهم”. هذه العادة الشائعة، التي تمثل أحد العوائق الكبرى في التواصل الفعّال، يمكن أن تؤدي إلى مشكلات عديدة تؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية، وتعيق النجاح المهني، وتؤدي إلى إخفاقات في العديد من المجالات الحياتية.
الفرق بين الإصغاء بقصد الرد والإصغاء بقصد الفهم
قبل أن نتناول الأسباب التي تجعل الإصغاء بقصد الرد سبيلاً للفشل، من الضروري أن نفهم الفرق بين الإصغاء بقصد الرد والإصغاء بقصد الفهم. الإصغاء بقصد الرد هو عندما يستمع الشخص إلى حديث الآخر ليس بهدف فهمه أو استيعابه، بل بهدف إيجاد الرد المناسب بسرعة. في هذا السياق، يكون الشخص مشغولًا بتحضير رده في ذهنه، ولا يولي اهتمامًا حقيقيًا لما يقوله المتحدث الآخر.
أما الإصغاء بقصد الفهم، فيعني أن الشخص يخصص انتباهه الكامل لما يقوله الآخر، محاولًا فهم مشاعره، أفكاره، ومواقفه. هذه الطريقة من الإصغاء تؤدي إلى اكتساب فهم أعمق لمحتوى الحديث، مما يمكن الشخص من الرد بطريقة مبنية على الفهم العميق، مما يساهم في تطوير التواصل ويعزز العلاقات.
أسباب تحوّل الإصغاء إلى وسيلة للرد وليس للفهم
-
الانشغال الذهني والتشتت
في عصر التكنولوجيا والمعلومات، أصبح الكثير من الناس يعيشون في حالة من الانشغال المستمر. يعد التشتت الذهني من الأسباب الرئيسية التي تحول دون الإصغاء الفعّال. عندما يتحدث شخص ما، قد يكون الآخر مشغولًا بالتفكير في أمور أخرى، أو حتى بتصفح الهاتف المحمول أو فحص البريد الإلكتروني. هذه الحالة من التشتت تؤدي إلى أن الإصغاء يتحول إلى مجرد انتظار لفترة التوقف في حديث المتحدث للرد عليه، بدلاً من محاولة فهم ما يقوله. -
الرغبة في إثبات الذات
في العديد من المواقف، يكون لدى الشخص رغبة قوية في إثبات نفسه وإظهار قدراته أو رأيه. هذه الرغبة قد تدفعه إلى التركيز على الرد على ما يقوله الآخر، بدلاً من الاستماع الفعلي لما يُقال. هذه الحاجة إلى الظهور بمظهر الشخص المطلع أو العارف قد تؤدي إلى تقليل فرص التفاعل الفعّال وتجاهل الفهم العميق لوجهات نظر الآخرين. -
الاستعجال وعدم الصبر
في ثقافات سريعة الوتيرة، قد يشعر البعض بأنهم لا يملكون الوقت الكافي للاستماع الكامل إلى الآخرين. الاستعجال في الرد والتسرع في الوصول إلى استنتاجات قد يؤدي إلى تراجع فعالية الإصغاء. هذا الاندفاع نحو الرد سريعًا يقود الشخص إلى تفسير ما يسمعه بطريقة غير دقيقة أو جزئية، مما يفقده العديد من العناصر المهمة التي قد تكون أساسية لفهم الموضوع بشكل صحيح. -
الافتراضات المسبقة والتوقعات
كثيرًا ما ندخل في محادثات ونحن نحمل في أذهاننا افتراضات مسبقة عن الشخص الآخر أو الموضوع الذي يتم التحدث عنه. هذه الافتراضات قد تقودنا إلى الاستماع فقط للأجزاء التي تدعم وجهات نظرنا أو توقعاتنا، مما يؤدي إلى فقدان التفاصيل المهمة أو التصورات المختلفة التي قد تقدمها المحادثة. هذه الطريقة في الإصغاء تؤدي إلى فشل التواصل، حيث لا يتم استيعاب الرسالة بالكامل. -
الافتقار إلى مهارات الإصغاء
إن فن الإصغاء ليس مهارة غريزية، بل هو مهارة تتطلب التدريب والممارسة. وفي غياب هذه المهارات، قد يتجاهل الشخص ما يُقال أو يهمل التفاصيل الدقيقة، مما يجعله يركز على الرد بشكل آلي دون التفاعل الفعلي مع محتوى الحديث.
آثار الإصغاء بقصد الرد على التواصل
-
فقدان الفهم العميق
عندما يتحول الإصغاء إلى مجرد انتظار الرد، يفقد الشخص الفرصة لفهم ما يقوله المتحدث الآخر على مستوى أعمق. هذا يعنى أن المعلومات التي يتم تبادلها لا يتم استيعابها بشكل كامل. ومن ثم، فإن الردود التي تترتب على هذا النوع من الإصغاء قد تكون سطحية أو غير ذات صلة. -
تقويض الثقة والاحترام
في العلاقات الشخصية أو المهنية، يعتبر الاستماع الجيد علامة على الاحترام. وعندما يشعر الشخص الآخر أن حديثه غير مسموع، أو أن ردود الطرف الآخر غير متوافقة مع ما يقول، قد يتسبب ذلك في تقويض الثقة بين الطرفين. إذا لم يشعر الشخص بأن رأيه يتم الاستماع إليه بجدية، فقد يفقد الرغبة في التواصل أو حتى يتوقف عن المشاركة في المحادثات المستقبلية. -
تفاقم الصراعات
عندما يقتصر الإصغاء على الردود السريعة، قد يصبح التواصل أكثر عرضة لتفاقم الصراعات. في غياب الفهم العميق، قد يخطئ الشخص في تفسير نوايا الآخر أو مشاعره، مما يؤدي إلى سوء التفاهم وزيادة التوترات. هذا النوع من التواصل يكون مضللًا، وقد يخلق بيئة غير مثمرة للصراع والمواجهة. -
تدهور الإنتاجية في بيئات العمل
في بيئات العمل، يعد التواصل الجيد أساسيًا لتحقيق الإنتاجية العالية. ولكن إذا كان الموظفون أو الفرق في العمل لا يستمعون لبعضهم البعض بهدف الفهم، فقد يتسبب ذلك في ضياع المعلومات الهامة وفشل التعاون الفعّال. إذا لم يتمكن الجميع من فهم أولويات ومتطلبات الآخرين، فإن النتائج ستكون فوضوية، مما يضر بالعمل الجماعي ويقلل من الإنتاجية. -
الردود غير المواتية
في العديد من الحالات، تكون الردود الناتجة عن الإصغاء بهدف الرد غير مواتية أو غير فعالة. قد يكون الشخص قد أعطى إجابة تعتمد على تخمين أو استنتاجات غير دقيقة، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة. هذه الردود غالبًا ما تكون خالية من الحلول البناءة أو الاستراتيجيات المفيدة، مما يؤدي إلى الفشل في معالجة المشكلة المطروحة.
كيف يمكن تجنب الإصغاء بقصد الرد؟
-
التدرب على الإصغاء الفعّال
التدريب على مهارات الإصغاء الفعّال يتطلب الانتباه التام لما يُقال. من خلال التركيز على المتحدث ومراعاة توقيت الحديث، يمكن للشخص أن يتجنب التفكير في الرد أثناء الاستماع، مما يتيح له فرصة لمعالجة المعلومات بشكل أعمق. -
التحلي بالصبر والهدوء
إن تطوير مهارات الصبر والهدوء أثناء المحادثات يساعد على منع التسرع في الرد. من خلال إعطاء الوقت الكافي للتفكير في ما يُقال، يستطيع الشخص بناء ردود أكثر عقلانية وأكثر توافقًا مع المتحدث الآخر. -
إعادة صياغة ما يُقال
إحدى الطرق الفعالة للتأكد من أننا نستمع للفهم وليس للرد هو إعادة صياغة ما يقوله الشخص الآخر. هذه الطريقة تساعد على التأكد من أننا قد فهمنا ما يُقال بشكل صحيح، وتسمح للطرف الآخر بأن يشعر بأنه قد تم الاستماع إليه بشكل جاد. -
الابتعاد عن الافتراضات المسبقة
محاولة التعامل مع كل محادثة من دون فرض افتراضات مسبقة يساعد على الاستماع بشكل أعمق. يجب أن يكون الشخص مستعدًا لتقبل وجهات نظر جديدة تمامًا، مما يمنحه الفرصة لفهم الموضوع من جميع جوانبه.
الخاتمة
إن الإصغاء بقصد الرد بدلًا من الفهم لا يعوق فقط جودة التواصل، بل يساهم بشكل كبير في الفشل على الصعيدين الشخصي والمهني. من خلال التحسين المستمر لمهارات الإصغاء، يمكن للفرد أن يعزز علاقاته الشخصية، يحسن إنتاجيته في بيئة العمل، ويحقق نجاحات أكبر في مختلف مجالات حياته.
