الأنوريكسيا العصبية: الأسباب والعلاج

الأنوريكسيا أو فقدان الشهيّة العصبي: تحليل شامل لمفهومه وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه

تعتبر الأنوريكسيا العصبية من الاضطرابات النفسية التي تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة للفرد، وتتميز بمفهوم فقدان الشهية المرضي، حيث يعاني المصاب من رغبة شديدة في فقدان الوزن ورفض تناول الطعام بشكل مستمر، مما يؤدي إلى خطر كبير على الصحة البدنية والنفسية. ومن خلال هذا المقال، سوف نستعرض جميع الجوانب المتعلقة بالأنوريكسيا العصبية، بدءًا من تعريفها وأسبابها وصولًا إلى العوامل المؤثرة في تشخيصها وعلاجها.

ما هي الأنوريكسيا العصبية؟

الأنوريكسيا العصبية هي اضطراب في تناول الطعام يتمثل في رفض الشخص تناول الطعام أو تقليل كمياته بشكل متعمد، وذلك خوفًا من زيادة الوزن أو بدانة غير مرغوبة. وعادة ما يصاحب هذا الاضطراب تغيرات في صورة الجسم لدى المصاب، حيث يعتقد الشخص أنه يعاني من الوزن الزائد بالرغم من أنه قد يكون في حالة نقص حاد في الوزن.

تعتبر الأنوريكسيا العصبية من أكثر اضطرابات الأكل شهرة في العالم، وهي تؤثر في الغالب على الشباب، وبشكل خاص على الفتيات والمراهقات، لكنها قد تصيب أيضًا الذكور. يتسم هذا الاضطراب بالقلق المفرط حول الشكل الجسماني والوزن، وهو يتداخل مع صورة الذات والنظرة العامة للفرد عن نفسه.

أسباب الأنوريكسيا العصبية

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالأنوريكسيا العصبية، وتجمع الدراسات الحديثة بين العوامل النفسية والبيئية والبيولوجية في تفسير هذا الاضطراب. يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية للأنوريكسيا العصبية في النقاط التالية:

1. العوامل النفسية

تعتبر العوامل النفسية من الأسباب البارزة التي تساهم في الإصابة بالأنوريكسيا العصبية. الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يرتبط الشعور بالنقص الشخصي وفقدان السيطرة على الحياة بالأنوريكسيا. يزداد القلق حول شكل الجسم ووزنه في حالات فقدان الثقة بالنفس، وهو ما قد يدفع الشخص إلى اتباع سلوكيات قاسية تجاه الطعام.

2. الضغوط الاجتماعية والثقافية

تتأثر الكثير من الحالات الاجتماعية بهذا الاضطراب، حيث تلعب معايير الجمال الغربية دورًا بارزًا في دفع الأفراد إلى البحث عن الوزن المثالي والشكل المثالي. ويعتبر الإعلام والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي من العوامل التي تساهم في نشر صور الجسم المثالي والمقاييس الجمالية التي تعزز من ثقافة “الرشاقة الزائدة”، مما يؤدي إلى ضغط نفسي يدفع الأفراد، وخاصة النساء، إلى اتخاذ خطوات قاسية لتحقيق هذه المعايير.

3. العوامل الوراثية

تشير بعض الدراسات إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في تزايد احتمال الإصابة بالأنوريكسيا العصبية. فقد أظهرت أبحاث أن بعض العائلات قد تحتوي على أفراد يعانون من اضطرابات الأكل، مما يشير إلى أن هناك استعدادًا وراثيًا لهذا الاضطراب. وهذا يشير إلى أن الأنوريكسيا قد تكون مرتبطة بتغيرات في الجينات المعنية بالشهية والوزن.

4. العوامل البيولوجية

العوامل البيولوجية قد تشمل التغيرات الكيميائية في الدماغ، مثل تذبذب مستويات الناقلات العصبية (مثل السيروتونين)، التي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم المشاعر والسلوكيات المتعلقة بالطعام. تشير بعض الدراسات إلى أن هناك خللًا في توازن هذه المواد الكيميائية في الدماغ قد يكون مرتبطًا بتطور الأنوريكسيا العصبية.

أعراض الأنوريكسيا العصبية

تظهر أعراض الأنوريكسيا العصبية على عدة مستويات، منها الجسدي والنفسي والسلوكي، وتتمثل هذه الأعراض في:

1. الأعراض الجسدية

• فقدان الوزن الشديد: يعاني المريض من فقدان غير طبيعي للوزن، وعادة ما يكون هذا الانخفاض ناتجًا عن تقليل كمية الطعام بشكل كبير أو اللجوء إلى سلوكيات غير صحية مثل التقيؤ أو استخدام المسهلات.

• الضعف العام والشعور بالتعب: بسبب نقص التغذية، يشعر المريض بالإرهاق الشديد وضعف عام في الجسم.

• شحوب الجلد وتساقط الشعر: بسبب نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الجسم.

• اضطرابات الدورة الشهرية: قد تتوقف الدورة الشهرية لدى النساء بسبب نقص الوزن الحاد.

• الشعور بالبرد: يعاني المصاب من الشعور بالبرد بشكل مستمر بسبب انخفاض نسبة الدهون في الجسم.

2. الأعراض النفسية

• القلق والاكتئاب: يشعر المصاب بحالة من القلق المستمر بشأن وزنه وشكل جسده، كما قد يعاني من مشاعر اكتئاب وعزلة اجتماعية.

• الخوف من زيادة الوزن: يعد الخوف المفرط من زيادة الوزن أحد الأعراض الرئيسية لهذا الاضطراب، حيث يعاني المريض من هوس دائم بشأن الرقم الموجود على ميزان الوزن.

• تشوه صورة الجسم: يعتقد الشخص المصاب بالأنوريكسيا أن جسده يعاني من الوزن الزائد رغم أن الحقيقة هي العكس، حيث يكون جسمه في حالة نقص حاد في الوزن.

3. الأعراض السلوكية

• الامتناع عن تناول الطعام: يتجنب الشخص المصاب بالأنوريكسيا تناول الطعام أو يتبع نظامًا غذائيًا صارمًا جدًا.

• استخدام العوامل المساعدة على فقدان الوزن: قد يلجأ المصاب إلى استخدام الأدوية المسهلة أو القيء المتعمد أو ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط من أجل التخلص من السعرات الحرارية.

• الانعزال الاجتماعي: غالبًا ما يتجنب المصاب المناسبات الاجتماعية التي تتضمن تناول الطعام، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة.

تشخيص الأنوريكسيا العصبية

يتطلب تشخيص الأنوريكسيا العصبية تقييمًا دقيقًا من قبل مختص في الصحة النفسية أو أخصائي تغذية معتمد. يتضمن التشخيص عادة استعراضًا للتاريخ الطبي والنفسي للمريض، بالإضافة إلى إجراء بعض الفحوصات الجسدية للتحقق من التأثيرات الصحية الناتجة عن اضطراب الأكل. لا يوجد اختبار مخصص لتشخيص الأنوريكسيا العصبية، ولكن يتم الاعتماد على معايير معينة تم وضعها في دليل التشخيص والإحصاء للاضطرابات النفسية (DSM-5).

علاج الأنوريكسيا العصبية

يعتبر علاج الأنوريكسيا العصبية عملية معقدة وطويلة الأمد، تتطلب تدخلًا متعدد التخصصات يتضمن العلاج النفسي والعلاج الطبي والتغذوي. هناك العديد من الطرق العلاجية المتاحة، وأهمها:

1. العلاج النفسي

• العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يُعد العلاج المعرفي السلوكي من أكثر العلاجات النفسية فعالية في معالجة الأنوريكسيا العصبية. يهدف هذا العلاج إلى تغيير أنماط التفكير السلبية والسلوكيات غير الصحية المتعلقة بالطعام والوزن.

• العلاج الأسري: يعد العلاج الأسري أيضًا جزءًا مهمًا في علاج الأنوريكسيا العصبية، حيث يتم إشراك أفراد الأسرة في العلاج لمساعدة المريض على التعامل مع مشاعره وأفكاره المتعلقة بالطعام.

2. العلاج التغذوي

• استعادة الوزن الصحي: يتطلب العلاج التغذوي عادةً استعادة الوزن المفقود تدريجيًا عن طريق تناول طعام صحي ومتوازن. يولي أخصائيو التغذية اهتمامًا خاصًا لضمان أن المريض يحصل على العناصر الغذائية اللازمة.

• التثقيف الغذائي: من خلال هذا النوع من العلاج، يتعلم المريض كيفية تناول الطعام بشكل صحيح ومتوازن، كما يتم توفير الدعم النفسي للتعامل مع ضغوط الطعام.

3. العلاج الطبي

• العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يتم استخدام أدوية لعلاج الاكتئاب أو القلق المرتبط بالأنوريكسيا العصبية. تعمل هذه الأدوية على تحسين الحالة النفسية للمريض ودعمه في عملية التعافي.

التحديات في علاج الأنوريكسيا العصبية

إحدى أبرز التحديات في علاج الأنوريكسيا العصبية هي أن المريض غالبًا ما يرفض الاعتراف بمشكلته أو عدم إدراك خطورة حالته. قد يشعر المصاب بأنه بحاجة إلى الاستمرار في فقدان الوزن، مما يجعل العلاج صعبًا ويؤخر الشفاء. أيضًا، قد تحتاج عملية العلاج إلى وقت طويل بسبب تداخل الجوانب النفسية والجسدية للمرض.

خاتمة

الأنوريكسيا العصبية هي اضطراب خطير يؤثر على الأفراد بشكل جسدي وعاطفي، ويتطلب معالجة شاملة تتضمن جوانب نفسية وطبية وتغذوية. من خلال الفهم العميق لهذا الاضطراب وطرق العلاج المختلفة، يمكن تقديم الدعم اللازم للمصابين بهذا المرض النفسي والعمل على مساعدتهم في الشفاء والعودة إلى حياة صحية ومتوازنة.