أولادنا والألعاب النارية في رمضان: خطر خفي يهدد أرواحهم وسلامة المجتمع

مقدمة

يُعد شهر رمضان المبارك مناسبة روحية عظيمة تحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين، حيث تتجلى فيه مشاعر الإيمان والتقوى والتراحم والتكافل الاجتماعي. وفي الوقت ذاته، يمثل هذا الشهر فرصة للتقرب من الله تعالى وتربية النفس على الصبر والانضباط. إلا أن المظاهر الاحتفالية في رمضان، خصوصًا في المجتمعات العربية، تشهد بعض السلوكيات التي لا تمت إلى روحانية الشهر بصلة، ومن أبرزها انتشار ظاهرة الألعاب النارية بين الأطفال والمراهقين، والتي تحوّلت من مجرد وسيلة للفرح إلى خطر داهم يهدد السلامة الجسدية والنفسية لأبنائنا، ويؤثر سلبًا على أمن المجتمع وهدوئه.

الألعاب النارية: من الفرح إلى الفزع

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في استخدام الألعاب النارية في الأحياء السكنية خلال شهر رمضان، خاصة بعد الإفطار وحتى ساعات متأخرة من الليل. وتنتشر هذه الظاهرة بين الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص، حيث يتم شراء هذه الألعاب من الأسواق الشعبية أو عبر شبكات غير مرخصة، ليبدأ مسلسل الإزعاج والتهديدات اليومية لحياة الأبرياء. وتتنوع الألعاب النارية ما بين المفرقعات الصغيرة والقنابل الصوتية القوية والصواريخ الطائرة التي تصدر ضجيجًا هائلًا وقد تتسبب في حرائق أو إصابات بالغة.

في هذا السياق، تتحول الأجواء الرمضانية الهادئة إلى ساحة ضوضاء وتوتر، وتتحول الأحياء الآمنة إلى بيئة محفوفة بالمخاطر، خاصة للأطفال الأصغر سنًا أو المرضى أو كبار السن الذين لا يتحملون هذه الأصوات المفاجئة.

المخاطر الجسدية والنفسية للألعاب النارية

إصابات جسدية خطيرة

تشكل الألعاب النارية خطرًا مباشرًا على الجسد، وقد تسببت في عدد لا يُحصى من الإصابات الخطيرة حول العالم، خصوصًا في الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة في المناسبات الدينية. وتشمل هذه الإصابات:

• الحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، وغالبًا ما تصيب اليدين والوجه والعينين، وهي المناطق الأكثر عرضة عند استخدام هذه الألعاب.

• بتر الأصابع أو فقدان أحد الأطراف نتيجة لانفجار قوي ومباشر للألعاب.

• الإصابات العينية التي قد تصل إلى فقدان البصر الكامل، وهو من أكثر الإصابات شيوعًا.

• الكسور والتمزقات العضلية الناتجة عن السقوط أو الهروب المفاجئ من الألعاب المتفجرة.

آثار نفسية طويلة الأمد

لا تقتصر أضرار الألعاب النارية على الجانب الجسدي فقط، بل تتعداها إلى آثار نفسية عميقة، خاصة بين الأطفال:

• حالات الهلع والخوف الشديد، التي تظهر على الأطفال الأصغر سنًا، وقد تؤدي إلى مشاكل في النوم واضطرابات في المزاج.

• الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) في حال تعرض الطفل لإصابة أو شاهد إصابة أحد أصدقائه أو أفراد عائلته.

• فقدان الإحساس بالأمان في المنزل أو الحي السكني، بسبب انتشار الأصوات المرعبة والانفجارات المتكررة.

الأبعاد الاجتماعية والقانونية للظاهرة

تتعدى هذه الظاهرة الأبعاد الشخصية لتصبح قضية مجتمعية ذات أبعاد قانونية وأمنية واقتصادية. إذ أن:

• الألعاب النارية تؤدي إلى حرائق، خصوصًا عند إطلاقها بالقرب من المحال أو السيارات أو المنازل المبنية من مواد قابلة للاشتعال، ما يؤدي إلى خسائر مادية جسيمة.

• تشكل مصدر قلق للمرضى وكبار السن الذين يعانون من أمراض القلب أو ضغط الدم أو اضطرابات نفسية.

• تساهم في نشر الفوضى والعنف بين المراهقين، حيث تتحول في بعض الأحيان إلى وسيلة للتحدي أو الاعتداء المتعمد على الآخرين.

• تعد مخالفة قانونية في العديد من الدول التي تحظر بيع أو استخدام الألعاب النارية بدون ترخيص، وتفرض غرامات مالية أو عقوبات بالسجن على المخالفين.

جدول يوضح بعض الإصابات الشائعة الناتجة عن الألعاب النارية:

دور الأسرة في الوقاية

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء وعي الطفل وتوجيه سلوكه، ومن هنا تنبع مسؤوليتها في منع الأبناء من استخدام أو حتى الاقتراب من الألعاب النارية، من خلال:

• الرقابة المباشرة على سلوك الأبناء خلال شهر رمضان، خاصة في أوقات ما بعد الإفطار.

• توعية الأطفال بمخاطر هذه الألعاب عبر الحوار الإيجابي والقصص الواقعية التي تبين نتائج استخدامها.

• تشجيع الأطفال على أنشطة بديلة تعزز روح رمضان وتوفر متعة صحية وآمنة، كالمشاركة في تزيين الحي أو المسابقات الرمضانية أو التمثيليات الثقافية.

• التواصل مع المدارس والمساجد لتقديم حملات توعوية مجتمعية شاملة.

• منع إعطاء المال للأطفال بشكل عشوائي دون معرفة أوجه صرفه، حيث أن كثيرًا من هذه الألعاب تُشترى من مصروف الطفل نفسه.

دور الجهات الحكومية والتعليمية والدينية

لا يكفي الدور الأسري وحده لاحتواء هذه الظاهرة، بل يجب أن يكون هناك تكامل بين مختلف مؤسسات الدولة، ومنها:

• وزارة التعليم عبر إدراج موضوعات توعوية حول السلامة والأخطار المنزلية في المناهج الدراسية.

• الجهات الأمنية من خلال مراقبة الأسواق وضبط عمليات بيع الألعاب النارية ومحاسبة المخالفين.

• وزارة الصحة التي يجب أن تقدم بيانات دقيقة حول الإصابات وتدعم الحملات الوقائية.

• الخطاب الديني الذي ينبغي أن يسلط الضوء على أن استخدام الألعاب النارية لا يمت لفرحة رمضان بصلة، بل ينافي مقاصد الشريعة في الحفاظ على النفس والمال.

• وسائل الإعلام التي تتحمل مسؤولية كبيرة في توجيه الرأي العام وإبراز النماذج الإيجابية وتشجيع البدائل الآمنة.

الاقتصاد الأسود للألعاب النارية

تمثل تجارة الألعاب النارية مصدر ربح سريع ومربح بالنسبة للباعة غير القانونيين، حيث يتم استيرادها غالبًا بطرق غير شرعية وتُباع بأسعار مرتفعة في السوق المحلية. وتتمثل خطورة هذه التجارة في:

• غياب معايير السلامة في تصنيع وتغليف المنتجات.

• عدم وجود رقابة صحية أو فنية على المواد الكيميائية المستخدمة.

• إمكانية استخدامها لأغراض تخريبية، نظرًا لقوة بعض الأنواع المنتشرة والتي تشبه في آثارها المواد المتفجرة.

• استغلال الأطفال والمراهقين كأداة تسويقية من خلال بيعها في الأماكن القريبة من المدارس أو الأحياء الشعبية.

البدائل الآمنة: كيف نُعيد لرمضان بهجته الحقيقية

لا يمكن منع الطفل من اللهو والفرح، فذلك جزء من طبيعته النفسية وتكوينه الاجتماعي. ولكن من الممكن توجيه هذا الفرح نحو خيارات أكثر أمنًا وتربية، مثل:

• ألعاب الضوء الملونة (LED)، التي تمنح الأطفال بهجة دون أي أذى.

• ورش العمل اليدوية الرمضانية، مثل صناعة الفوانيس أو تلوين الزينة.

• الأنشطة الثقافية والترفيهية الجماعية التي تنظمها المدارس أو الجمعيات.

• المشاركة في إفطارات جماعية وأنشطة تطوعية تغرس قيم العطاء والمشاركة في نفوس الأطفال.

• تقديم الهدايا الرمضانية الرمزية كبديل للألعاب النارية، مما يعزز مفهوم المكافأة السليمة والفرحة المسؤولة.

خاتمة

تشكل الألعاب النارية خطرًا حقيقيًا يتخفى وراء ستار الفرح والاحتفال، وتتحول إلى أداة هدم بدلاً من أن تكون وسيلة بهجة. وفي ظل تزايد استخدامها خلال شهر رمضان، أصبح من الضروري أن يتكاتف الجميع – الأسرة، المدرسة، الدولة، والمسجد – لوقف هذه الظاهرة قبل أن تتفاقم نتائجها أكثر. فسلامة أولادنا ليست موضع نقاش، بل مسؤولية جماعية تبدأ من وعينا وتنتهي بحزمنا في التطبيق.

المصادر:

1. منظمة الصحة العالمية – تقارير عن إصابات الأطفال بالألعاب النارية.

2. وزارة الصحة السعودية – إحصائيات الحوادث المنزلية خلال رمضان.