حددي نوع عطستك لتتعرفي على شخصيتك: دراسة نفسية وسلوكية موسعة

في عالم النفس والسلوك البشري، كثيراً ما يتم ربط السلوكيات اليومية البسيطة بسمات الشخصية الأعمق، وقد تكون “العطسة” إحدى تلك الظواهر التي تبدو عفوية وبلا معنى عند النظرة الأولى، لكنها تحمل دلالات نفسية وشخصية ذات أهمية إذا ما تم تحليلها في سياق علمي ومنهجي. يرى بعض الباحثين أن طريقة العطس، صوته، تكراره، وحدته قد تعكس جوانب من شخصية الإنسان، وأن هذا الفعل الفسيولوجي البسيط يمكن أن يُستخدم كمرآة لقراءة السمات النفسية والاجتماعية الكامنة لدى الأفراد.

العطسة: أكثر من مجرد استجابة فيزيولوجية

العطسة عبارة عن انعكاس لا إرادي للجسم، يهدف إلى طرد الجسيمات الغريبة أو المهيجات من الأنف أو الحنجرة، وغالباً ما تكون نتيجة استجابة من الجهاز التنفسي لمؤثرات مثل الغبار، العطور، الفلفل، أو حتى التغير المفاجئ في درجة الحرارة. ولكن على الرغم من كون العطس وظيفة جسدية، إلا أن التعبير عنها يختلف من شخص لآخر من حيث الشكل، التوقيت، الأسلوب، وردة الفعل المحيطة بها. هذا الاختلاف هو ما أثار اهتمام علماء النفس الاجتماعيين لدراسة ما إذا كانت هناك علاقة وثيقة بين نمط العطسة والسمات الشخصية المختلفة.

تصنيف أنواع العطسة

قام العديد من الباحثين بتقسيم أنماط العطاس إلى فئات ترتبط بسلوكيات وأنماط تواصل مختلفة، وقد استُخدم في هذا السياق منهج تحليل السلوك اللفظي وغير اللفظي. وتالياً عرض لأنواع العطاس الأكثر شيوعاً، مع تحليل للسمات الشخصية المرتبطة بكل نوع:

1. العطسة الهادئة أو المكتومة

غالباً ما يقوم بها الأفراد الذين يحاولون كتم صوت عطستهم، سواء بوضع يدهم أو منديل على الأنف والفم، أو حتى بكتم العطسة بشكل كامل دون صوت واضح.

السمات الشخصية المرتبطة:

• الحذر والانضباط العالي

• الميل إلى التحفظ والخصوصية

• حساسية مفرطة تجاه الانطباع الذي يتركونه لدى الآخرين

• احترام القواعد والسياقات الاجتماعية

• شخصية دقيقة، منظمة، تميل إلى إخفاء مشاعرها

2. العطسة العالية الصاخبة

عطسة تتميز بصوت مرتفع وواضح، دون محاولة للكتمان أو التخفيف من صوتها، وغالباً ما تُلفت الانتباه.

السمات الشخصية المرتبطة:

• شخصية جريئة ومنفتحة

• حب الظهور ولفت الأنظار

• ثقة بالنفس وميل إلى التعبير عن الذات بلا خجل

• نزعة إلى الحماس والانفعالات السريعة

• الميل إلى القيادة والمبادرة

3. العطسة المتكررة والمتسلسلة

عطسة تأتي على شكل سلسلة متتالية بدون توقف سريع، وعادة ما يعجز الشخص عن السيطرة عليها.

السمات الشخصية المرتبطة:

• مزاجية وعدم استقرار عاطفي نسبي

• اندفاع عاطفي

• حساسية عالية تجاه البيئة والمثيرات الخارجية

• شخصية ديناميكية وصعبة التوقع

• ردود فعل عفوية في المواقف المختلفة

4. العطسة المنسقة أو “الأنثوية”

هي عطسة ناعمة تُعبر عنها بطريقة منمقة، غالباً لدى النساء، وتُراعي الشكل الاجتماعي أو الإتيكيت عند إطلاق العطسة.

السمات الشخصية المرتبطة:

• شخصية أنيقة تحرص على المظهر والانطباع العام

• وعي اجتماعي عالٍ

• ميل إلى المثالية والسعي للكمال

• دقة في التصرفات وتنسيق حركي محسوب

• شخصية محبة للتنظيم والروتين

5. العطسة المفاجئة والعفوية

هي عطسة تأتي بغتة دون أي تحضير، وغالباً ما تكون غير متوقعة حتى للشخص نفسه.

السمات الشخصية المرتبطة:

• عفوية وتلقائية

• شخصيات مرنة وسريعة التكيف

• تعبيرات غير مصطنعة

• سهولة في الانسجام مع الآخرين

• فكر حر وغير نمطي

خلفية علمية: رابط السلوكيات اللاواعية بالسمات النفسية

يشير علم النفس السلوكي والاجتماعي إلى أن كثيراً من ردود الفعل التلقائية واللاواعية ترتبط بأسلوب الشخصية، إذ تعكس طريقة تعامل الفرد مع المواقف المفاجئة طبيعته النفسية العميقة. العطسة، كحركة لا إرادية، تخضع لمؤثرات فسيولوجية لكنها لا تنفصل عن التعبير الخارجي المرتبط بالشخصية. فهي تختلف مثلاً بين شخص يبالغ في التعبير عند العطاس، وآخر يكتمها بخجل، وثالث يتعامل معها بهدوء متزن.

كما أن سلوك العطاس يمكن أن يكون انعكاساً للثقافة، البيئة، وطريقة التنشئة، إذ تختلف عادات العطس بين الثقافات الشرقية والغربية، وبين البيئات الرسمية وغير الرسمية. هذه العوامل تشكل شخصية الفرد من حيث التحكم في الانفعالات والتعبير عنها.

الدراسات النفسية حول العطاس والشخصية

في إحدى الدراسات التي أُجريت من قبل الباحثة “باتي وود” المتخصصة في لغة الجسد والسلوكيات غير اللفظية، تم تصنيف العطس كأداة للكشف عن السمات الشخصية. وقد توصلت إلى أن العطاس، كغيره من السلوكيات التلقائية مثل الضحك أو السير، يمكن تحليله لفهم أنماط الشخصية مثل الانبساط والانطواء، العصبية، الانضباط الذاتي، والميل للسيطرة.

وقد ذكرت في دراستها أن الذين يعطسون بطريقة عالية وصاخبة يميلون إلى الشخصية القيادية، بينما الذين يكتمون عطستهم يكونون أكثر تحفظاً وخجلاً، ويُفضلون الأمان والتخطيط الدقيق في حياتهم. أما أصحاب العطس المتكرر فهم عادة أشخاص مرهفي الإحساس، سريعو التأثر، وقد يعانون من اضطرابات بسيطة في تنظيم الاستجابات الانفعالية.

العوامل البيئية والتربوية وتأثيرها على نمط العطس

إلى جانب السمات النفسية، تلعب البيئة دوراً محورياً في تشكيل طريقة العطس. فعلى سبيل المثال، الأفراد الذين نشأوا في بيئات صارمة ومقيدة اجتماعياً قد يُظهرون ميلاً إلى كبت العطسة والالتزام بالإتيكيت الصارم، بينما أولئك الذين ترعرعوا في بيئات منفتحة ومرنة قد لا يجدون حرجاً في العطس بصوت عالٍ أو غير متكلف.

كذلك، تؤثر العوامل الصحية مثل التحسس المزمن، التهاب الجيوب الأنفية، أو التغيرات الهرمونية، في شكل العطسة وتكرارها، مما قد يعقّد من التحليل السلوكي الدقيق ويستلزم التمييز بين العوامل العضوية والنفسية.

تحليل سوسيولوجي: ماذا تقول عطستك عن علاقاتك الاجتماعية؟

العطسة لا تُفسَّر فقط من منظور فردي، بل لها أبعاد اجتماعية واضحة. فبعض الأشخاص يعتذرون مباشرة بعد العطاس، والبعض الآخر يطلب التبريك تلقائيًا، بينما آخرون يعطسون دون أي تفاعل مع من حولهم. هذه الفروقات السلوكية تُشير إلى مستوى حساسية الشخص تجاه الأعراف الاجتماعية، ومدى رغبته في الحفاظ على صورته العامة، أو مستوى تأثره بثقافة الجماعة.

في المجتمعات الشرقية، تُعطى العطسة دلالة شبه روحية، حيث يُعتقد أنها مؤشر على صحة الجسد وصفاء النفس، وغالباً ما يُقال للشخص “يرحمكم الله” أو “صحة” كرد اجتماعي معتاد. أما في المجتمعات الغربية، فالعطسة غالباً ما يُنظر إليها بشكل عملي وصحي بحت، ويكتفى بعبارات مثل “bless you” دون دلالات روحية.

جدول تصنيفي لنمط العطسة والسمات الشخصية المرتبطة بها

أهمية فهم الذات من خلال الإشارات الصغيرة

على الرغم من بساطة فعل العطاس، إلا أن تأمله وتحليله من منظور نفسي وسلوكي يوفر مدخلاً لفهم الذات والتواصل الاجتماعي بشكل أعمق. السلوكيات الصغيرة قد تكون أكثر صدقاً من الكلمات لأنها غالباً لا تخضع للتمثيل أو التصنع، بل تنبع من طبيعة الشخصية وتعبّر عن مكنونات الإنسان الداخلية بطريقة تلقائية.

الخلاصة

يبقى سلوك العطس فعلاً غريزياً لا يمكن التحكم الكامل فيه، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على دلائل نفسية وسلوكية تستحق الدراسة. بين المكتوم والصاخب، المتسلسل والمفاجئ، يحمل كل نمط عطس رسالة غير مباشرة عن طبيعة الشخصية التي تقف خلفه. وبالتمعن في هذه الإشارات الصغيرة، يمكن الوصول إلى فهم أعمق للذات والآخرين على حد سواء، وهو ما يشكل خطوة مهمة نحو الوعي النفسي والاجتماعي.

المراجع:

• Wood, Patti. Snap: Making the Most of First Impressions, Body Language & Charisma. New World Library, 2012.

• Ekman, Paul. Emotions Revealed: Recognizing Faces and Feelings to Improve Communication and Emotional Life. Times Books, 2003.