اكتئاب الدورة الشهرية: الأسباب والعلاج

اكتئاب الدورة الشهرية: أسبابه، أعراضه، علاجاته وآثاره

تعتبر الدورة الشهرية جزءاً طبيعياً من الحياة البيولوجية للنساء، إذ تتكرر بشكل شهري وترافقها العديد من التغيرات الهرمونية التي تؤثر على مختلف جوانب الجسم والعقل. ومن بين هذه التأثيرات، يعتبر اكتئاب الدورة الشهرية أحد أبرز الاضطرابات النفسية التي قد تصيب النساء في فترة معينة من الدورة الشهرية، مما يؤثر بشكل كبير على حياتهن اليومية. يندرج اكتئاب الدورة الشهرية ضمن مجموعة من الاضطرابات المعروفة باسم اضطراب ما قبل الحيض أو اضطراب المزاج المرتبط بالدورة الشهرية.

ما هو اكتئاب الدورة الشهرية؟

يُعرف اكتئاب الدورة الشهرية عادةً بأنه اضطراب نفسي يحدث في النصف الثاني من الدورة الشهرية، ويصاحبه ظهور أعراض مشابهة للاكتئاب السريري. قد تكون هذه الأعراض شديدة بما يكفي لتؤثر على قدرة المرأة على ممارسة الأنشطة اليومية بشكل طبيعي. وعلى الرغم من أن العديد من النساء يعانين من تقلبات المزاج والضيق النفسي أثناء الدورة الشهرية، إلا أن الاكتئاب الشديد المرتبط بها قد يكون مؤشراً على وجود اضطراب يسمى اضطراب المزاج ما قبل الحيض (PMDD).

اضطراب المزاج ما قبل الحيض (PMDD):

يشمل اضطراب المزاج ما قبل الحيض (PMDD) مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية التي تحدث عادةً خلال الأسبوعين اللذين يسبقون الدورة الشهرية. على الرغم من أن هذه الأعراض قد تكون مشابهة لتلك التي يعاني منها الأشخاص المصابون بالاكتئاب، إلا أن PMDD يمتاز بشدة أعراضه التي تؤثر على جودة الحياة بشكل أكبر من الأعراض المعتادة للدورة الشهرية.

أسباب اكتئاب الدورة الشهرية

هناك عدة عوامل بيولوجية ونفسية تلعب دوراً في حدوث اكتئاب الدورة الشهرية. تشمل هذه العوامل:

1. التغيرات الهرمونية:
   تلعب التغيرات في مستويات الهرمونات مثل الاستروجين والبروجستيرون دوراً مهماً في تحفيز أو زيادة أعراض الاكتئاب. ففي النصف الثاني من الدورة الشهرية، ينخفض مستوى الاستروجين ويرتفع مستوى البروجستيرون، مما يمكن أن يؤثر على نشاط الدماغ والمزاج.

2. التقلبات في الناقلات العصبية:
   تشير الأبحاث إلى أن التغيرات في مستويات بعض الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين قد تلعب دوراً مهماً في اكتئاب الدورة الشهرية. عادةً ما يرتبط انخفاض مستويات السيروتونين بزيادة أعراض الاكتئاب، وهذه الزيادة في الأعراض قد تكون أكثر وضوحاً في مرحلة ما قبل الدورة الشهرية.

3. العوامل الوراثية:
   يمكن أن يكون الاكتئاب المرتبط بالدورة الشهرية موروثاً في بعض العائلات. إذا كانت إحدى النساء في العائلة قد عانت من أعراض مماثلة، فإن ذلك قد يزيد من احتمالية إصابة النساء الأخريات بالاكتئاب خلال هذه الفترة.

4. العوامل النفسية والبيئية:
   تشير الدراسات إلى أن العوامل النفسية مثل التوتر والقلق قد تسهم في تفاقم أعراض اكتئاب الدورة الشهرية. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الضغوط البيئية مثل مشاكل العمل أو العلاقات إلى زيادة حدة الأعراض.

الأعراض المصاحبة لاكتئاب الدورة الشهرية

تتفاوت الأعراض المصاحبة لاكتئاب الدورة الشهرية من امرأة إلى أخرى، ويمكن أن تتراوح من أعراض خفيفة إلى شديدة. بعض الأعراض الشائعة تشمل:

1. تغيرات المزاج:
   يشعر العديد من النساء بتقلبات مزاجية حادة، مثل الحزن الشديد، أو الاكتئاب، أو حتى الشعور باليأس. قد يشعر البعض بالاكتئاب المفرط ويشعرون بالعجز في مواجهة الأنشطة اليومية.

2. القلق والتوتر:
   قد يصاحب الاكتئاب زيادة في الشعور بالقلق والتوتر، مما يجعل من الصعب على المرأة الاسترخاء أو التعامل مع المواقف اليومية.

3. الإرهاق وفقدان الطاقة:
   يعاني الكثير من النساء من التعب الشديد خلال هذه الفترة، حتى وإن حصلن على قسط كافٍ من النوم.

4. اضطرابات النوم:
   قد يعاني البعض من الأرق أو النوم المفرط، مما يؤثر على جودة الحياة اليومية.

5. التغيرات الجسدية:
   مثل الانتفاخ، آلام في البطن، وتورم الثديين، والتي قد تزيد من الشعور بالضيق وعدم الراحة.

6. انخفاض الاهتمام بالأنشطة المعتادة:
   قد يفقد الشخص الاهتمام بالأنشطة اليومية التي كانت في السابق ممتعة، مثل ممارسة الرياضة أو الهوايات.

7. صعوبة في التركيز:
   يعاني البعض من صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات خلال هذه الفترة.

8. التهيج والعصبية:
   شعور بالتهيج أو الانفعال الزائد قد يصاحب العديد من النساء في هذه المرحلة.

تشخيص اكتئاب الدورة الشهرية

نظرًا لأن أعراض اكتئاب الدورة الشهرية قد تكون مشابهة لأعراض الاكتئاب العادي أو اضطرابات المزاج الأخرى، فإن التشخيص الدقيق يعتمد على تقييم الأعراض عبر عدة دورات شهرية. يمكن للطبيب تشخيص الحالة بعد مراقبة نمط الأعراض وتحديد ما إذا كانت تتزامن مع الدورة الشهرية. وفي بعض الحالات، قد يُطلب من النساء الاحتفاظ بسجل للأعراض لتحديد ما إذا كانت تحدث بشكل منتظم مع بداية الدورة الشهرية.

علاج اكتئاب الدورة الشهرية

تختلف العلاجات المتاحة لاكتئاب الدورة الشهرية حسب شدة الأعراض ومدى تأثيرها على الحياة اليومية. تشمل خيارات العلاج:

1. العلاج الدوائي:

   • مضادات الاكتئاب: غالبًا ما تُستخدم مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs) في علاج اكتئاب الدورة الشهرية. تساعد هذه الأدوية في زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ، مما قد يساعد في تحسين المزاج وتقليل الأعراض.

   • الأدوية الهرمونية: في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية هرمونية مثل حبوب منع الحمل أو العلاج الهرموني البديل (HRT) لتنظيم التغيرات الهرمونية التي تحدث في الدورة الشهرية.

   • مدرات البول: في بعض الحالات، يمكن استخدام مدرات البول للتقليل من الانتفاخ والاحتباس المائي الذي يصاحب اكتئاب الدورة الشهرية.

2. العلاج النفسي:

   • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد العلاج المعرفي السلوكي النساء على تعلم كيفية التعامل مع التوتر والضغوط النفسية خلال الدورة الشهرية.

   • العلاج الجماعي: قد يساعد العلاج الجماعي النساء في تبادل الخبرات والاستراتيجيات للتعامل مع الاكتئاب المرتبط بالدورة الشهرية.

3. التغيرات في نمط الحياة:

   • ممارسة الرياضة: تعتبر التمارين الرياضية من الطرق الفعالة لتحسين المزاج، حيث تساعد على إفراز مواد كيميائية تحسن من الشعور بالسعادة مثل الإندورفين.

   • التغذية السليمة: تناول نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة قد يساعد في تقليل الأعراض.

   • التقنيات الاسترخائية: مثل اليوغا، التأمل، والتدليك، التي تساعد في تقليل التوتر وتحسين الحالة النفسية.

4. العلاجات البديلة:

   • المكملات الغذائية: بعض المكملات مثل فيتامين ب6، الكالسيوم، والأحماض الدهنية أوميغا-3 قد تساعد في تخفيف الأعراض المرتبطة باكتئاب الدورة الشهرية.

   • الأعشاب: بعض الأعشاب مثل زهرة الربيع المسائية والبابونج قد يكون لها تأثير مهدئ وتساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب.

الوقاية والتعامل مع اكتئاب الدورة الشهرية

لا يمكن الوقاية بشكل كامل من اكتئاب الدورة الشهرية، لكن هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التخفيف من الأعراض:

1. التعرف على الأعراض: يساعد التعرف المبكر على الأعراض في التعامل معها بشكل أسرع.

2. التخطيط لمواعيد الدورة الشهرية: يمكن للنساء اللواتي يعانين من أعراض شديدة التخطيط لمهامهن اليومية بشكل يتوافق مع دورتهن الشهرية.

3. الدعم الاجتماعي: التواصل مع الأصدقاء والعائلة يمكن أن يساعد في تقليل الشعور بالوحدة والضيق.

الخلاصة

يعتبر اكتئاب الدورة الشهرية اضطراباً يؤثر بشكل كبير على حياة العديد من النساء. وبينما تختلف الأعراض من امرأة لأخرى، فإنه يمكن التحكم في هذا الاضطراب من خلال العلاجات المتاحة مثل الأدوية والعلاج النفسي وتغيير نمط الحياة. من خلال التشخيص المبكر والمتابعة، يمكن للنساء أن يجدن طرقًا للتعامل مع هذا الاضطراب وتحسين نوعية حياتهن.