صحة حديث “اغتنم خمسًا قبل خمس”
يُعد حديث “اغتنم خمسًا قبل خمس” من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحتوي على معانٍ عميقة، وتوجيهات تربوية وحياتية هامة للمسلمين، تتعلق بكيفية استغلال أوقات الفراغ في الحياة بشكل صحيح، وكذلك أهمية استغلال الفرص المتاحة قبل أن تُغلق. في هذا المقال، سوف نناقش هذا الحديث الشريف من جوانب مختلفة، بما في ذلك صحة الحديث، معانيه، وسبل تطبيقه في الحياة اليومية.
نص الحديث
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”.
(رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين)
هذا الحديث يعتبر من أحاديث الوعظ والتوجيه التي توجه المسلم إلى كيفية استثمار الوقت، وتنظيم الأولويات في حياته بشكل صحيح. وقد اشتمل هذا الحديث على خمس فرص ثمينة في حياة الإنسان، ينبغي له أن يغتنمها قبل أن يفوته الوقت.
صحة الحديث
قبل الخوض في تفسير هذا الحديث، من المهم التأكد من صحته. هذا الحديث ورد في كتب الحديث من رواية الحاكم في “المستدرك على الصحيحين”، وقد أشار الحاكم إلى أنه صحيح على شرط الشيخين (البخاري ومسلم)، لكن لم يذكره البخاري أو مسلم في صحيحيهما. ومع ذلك، فقد ثبت صحة الحديث بناءً على أقوال العلماء مثل الحافظ ابن حجر والعلامة الألباني، الذين أكدوا أن الحديث صحيح ومقبول.
من جهة أخرى، يتفق العلماء على أن صحة الحديث ليست محلاً للخلاف، بل التفسير والتطبيق هو ما يحتاج إلى تدقيق وتوضيح، حيث أن معانيه غنية بالتوجيهات التي يمكن أن تُغير حياة الإنسان إذا ما تم تطبيقها.
معاني الحديث
يتناول الحديث خمس فرص رئيسية أو نعمًا عظيمة، ويحث المسلم على اغتنامها قبل أن تصبح غير متاحة أو صعبة المنال. وهذه الفرص هي:
-
الشباب قبل الهرم
-
الشباب هو مرحلة القوة والطاقة والنشاط، وتعتبر من أوقات الحياة التي يمكن أن يستثمرها الإنسان لتحقيق الكثير من الإنجازات والطموحات. في مرحلة الشباب، يكون الإنسان في أوج قوته البدنية والعقلية، ويمكنه أن يعمل بجد لتحقيق أهدافه دون أن تكون هناك مشاغل أو قيد من المسؤوليات. أما الهرم فهو مرحلة تأتي بعد الشباب، حيث يضعف الجسد وتقل الطاقة، وبالتالي تقل القدرة على الإنجاز بالمقارنة مع مرحلة الشباب.
-
ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على استغلال هذه المرحلة في العمل الصالح، في تحصيل العلم، وفي بناء الشخصية على أسس قوية.
-
-
الصحة قبل السقم
-
الصحة نعمة كبيرة من نعم الله عز وجل، وبها يقدر الإنسان على القيام بأعماله اليومية والعبادة. لكن مع مرور الوقت، قد يصاب الإنسان بالأمراض التي قد تحد من قدراته الجسدية والعقلية. يشير الحديث هنا إلى ضرورة استغلال الصحة في القيام بالأعمال الصالحة، مثل أداء الواجبات الدينية والاجتماعية، والعناية بالجسد وتنمية المهارات الشخصية. في حال مرض الإنسان، يجد نفسه غير قادر على الاستمرار بنفس النشاط أو الجدوى.
-
لذا، يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بأن يستثمر الإنسان صحته قبل أن تُفقد، ويسعى إلى الحفاظ عليها.
-
-
الغنى قبل الفقر
-
المال يُعتبر من الوسائل التي يحقق بها الإنسان أهدافه في الحياة، سواء كان في تأمين احتياجاته الأساسية أو في القيام بأعمال الخير والإحسان. لكن مع الزمن قد يحدث ما يؤثر على الدخل المالي للإنسان، سواء نتيجة لظروف الحياة، أو بسبب التغيرات الاقتصادية. ولذلك، يكون من الحكمة أن يستغل الإنسان فترة الغنى في الأعمال التي تزيد من رصيده المالي وتدخر له مستقبله، ويستثمر في المشاريع المفيدة له ولغيره.
-
وقد جاء في الحديث الشريف تذكير بضرورة استغلال المال في الخير والإحسان، فلا يضيع الإنسان فرصته في إنفاقه في ما يرضي الله قبل أن يواجه الفقر.
-
-
الفراغ قبل الشغل
-
الفراغ هو الوقت الذي لا يكون فيه الإنسان مشغولًا بالعمل أو المهام اليومية، ويمكنه أن يستفيد منه في تعلم شيء جديد أو في تطوير مهاراته أو في قضاء وقت في العبادة. مع تقدم العمر أو كثرة المسؤوليات، قد يصبح الإنسان أكثر انشغالًا، وتقل الفرص المتاحة له للقيام بالأنشطة التي كان يمكن أن يستفيد منها.
-
على هذا النحو، يحث الحديث المسلم على اغتنام فترات الفراغ في حياته للقيام بالأمور المفيدة، سواء كانت تعلمًا أو تطورًا شخصيًا، أو في الأعمال التطوعية.
-
-
الحياة قبل الموت
-
الحياة هي الفترة التي يمتلك فيها الإنسان الفرصة للعمل والاجتهاد والقيام بالعبادات والأعمال الصالحة. ومع ذلك، يعلم المسلمون أن الموت قد يأتي في أي لحظة، فيجب أن يكون الإنسان على استعداد تام لهذا الحدث، وأن يستغل حياته بأقصى قدر ممكن.
-
يمكن أن يكون الموت نقطة تحول في حياة الإنسان، ولهذا، يُحث المسلم على اغتنام حياته بأعمال الخير، والعمل على تقوية العلاقة مع الله، وحسن الاستفادة من كل لحظة من حياته.
-
تطبيقات عملية للحديث
بعد فهم معاني الحديث الشريف، يُمكننا تطبيق هذه التوجيهات النبوية في حياتنا اليومية بطرق عملية. فكل جزء من الحديث يحمل رسالة هامة يجب أن يُعمل بها لتغيير الواقع إلى الأفضل.
-
في مرحلة الشباب: ينبغي على المسلم أن يعمل بجد لتحصيل العلم، وتكوين مهاراته العملية، والمساهمة في مجتمعه بما ينفع. كما يجب أن يسعى لتطوير شخصيته وتقوية علاقته بالله.
-
في مرحلة الصحة: يجب أن يُستغل الوقت في المحافظة على الصحة الجسدية، من خلال ممارسة الرياضة، واتباع نظام غذائي صحي، وكذلك الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية.
-
في مرحلة الغنى: ينصح أن يتم توجيه الأموال نحو الاستثمارات المفيدة، وتخصيص جزء منها للفقراء والمحتاجين، والعمل في المشاريع التي تعود بالفائدة على المجتمع.
-
في مرحلة الفراغ: يجب استثمار الوقت في تعلم المهارات الجديدة، وقراءة الكتب، والقيام بالأعمال التطوعية التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
-
في الحياة قبل الموت: يجب أن يعمل المسلم بجد في طاعة الله، ويُصلح من نفسه ليكون مستعدًا للموت بحسن الأعمال والنية الطيبة.
الخاتمة
إن حديث “اغتنم خمسًا قبل خمس” ليس مجرد كلمات نبوية تحمل في طياتها نصائح، بل هو توجيه شامل، يختصر الكثير من حكم الحياة في كلمات بسيطة، لكنها مليئة بالمعاني العميقة. ولقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى استثمار أوقاتنا ونعمنا قبل أن نواجه الظروف التي قد تحد من قدرتنا على الاستفادة منها. فالعمل بموجب هذا الحديث الشريف يضمن للإنسان حياة مليئة بالإنجازات والبركات، ويرشده إلى طرق العيش السعيد والمثمر.
