اضطراب التآزر الحركي: الأسباب والعلاج

اضطراب التآزر الحركي: الأسباب، الأنواع، الأعراض، التشخيص، العلاج

يُعد اضطراب التآزر الحركي، المعروف طبيًا باسم اضطراب التناسق الحركي النمائي (Developmental Coordination Disorder – DCD)، أحد الاضطرابات العصبية النمائية التي تؤثر بشكل ملحوظ على قدرة الفرد في تنسيق الحركات الإرادية الدقيقة والكبيرة، مما يُصعّب تنفيذ الأنشطة اليومية أو المهارات الأكاديمية والحركية الأساسية. يُلاحظ هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة المبكرة، ويُلازم المصاب به غالبًا حتى البلوغ، مسببًا آثارًا اجتماعية ونفسية وتعليمية لا يُستهان بها.

يُعرف هذا الاضطراب أيضاً باسم “عسر الحركة” (Dyspraxia)، رغم أن بعض الباحثين يميزون بين المصطلحين، حيث يُعتبر عسر الحركة أوسع من اضطراب التآزر الحركي النمائي ويشمل أنماطاً عصبية أكثر تعقيدًا.

التعريف الطبي لاضطراب التآزر الحركي

اضطراب التآزر الحركي هو خلل وظيفي في القدرة على تخطيط وتنفيذ الأنماط الحركية المنسقة بالرغم من غياب أية إصابة عضوية أو عجز عصبي ظاهر. المصابون بهذا الاضطراب يعانون من صعوبات مستمرة في تنفيذ الحركات التي تتطلب التناسق بين العين واليد، أو التوازن، أو مهارات المشي، أو الكتابة، أو اللعب، أو ارتداء الملابس.

حسب التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، يُشخّص DCD فقط بعد التأكد من أن المهارات الحركية أقل بكثير مما يُتوقع بالنسبة للعمر الزمني للشخص، وأن هذه الصعوبات تؤثر بشكل سلبي على الأداء الأكاديمي أو المهني أو الحياة الاجتماعية اليومية.

الجدول التالي يوضح الفرق بين التآزر الحركي الطبيعي واضطرابه:

الأعراض السريرية لاضطراب التآزر الحركي

تختلف الأعراض في شدتها بين الأطفال والبالغين، ولكن تتضمن المظاهر العامة ما يلي:

في مرحلة الطفولة:

• تأخر ملحوظ في الجلوس أو الحبو أو المشي.

• صعوبة واضحة في التقاط الكرة أو ركوب الدراجة.

• صعوبة في ربط الحذاء أو ارتداء الملابس.

• ضعف الخط اليدوي وصعوبة في استخدام أدوات الكتابة.

• حركات غير منظمة أو خشنة وغير متوقعة.

• التلعثم أو فقدان التنسيق بين الحركات أثناء التحدث.

• تجنب الأنشطة الرياضية أو الجماعية.

• ضعف الثقة بالنفس والشعور بالعجز مقارنة بالأقران.

في مرحلة المراهقة والبلوغ:

• استمرار ضعف المهارات الحركية الدقيقة (مثل الحلاقة، الطهي).

• صعوبة في القيادة أو استخدام الأدوات التقنية.

• إرهاق سريع أثناء أداء المهام التي تتطلب جهداً حركياً.

• اضطرابات نفسية مصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب الناتج عن العزلة أو التنمر.

الأسباب والعوامل المرتبطة باضطراب التآزر الحركي

لا يزال السبب الدقيق وراء هذا الاضطراب غير مفهوم بشكل كامل، لكن الدراسات تشير إلى وجود عدة عوامل محتملة تلعب دورًا:

1. العوامل العصبية:

• خلل في تطور المناطق الدماغية المسؤولة عن التنسيق الحركي مثل المخيخ، القشرة الحركية، أو المسارات بينهما.

• ضعف في التكامل الحسي بين المستقبلات الحسية والبصرية والعضلية.

2. العوامل الوراثية:

• هناك أدلة على أن اضطراب التآزر الحركي قد يظهر بين أفراد الأسرة الواحدة، مما يدل على احتمال وجود أساس وراثي.

3. عوامل الحمل والولادة:

• الولادة المبكرة (قبل الأسبوع 37 من الحمل).

• انخفاض الوزن عند الولادة.

• نقص الأوكسجين أثناء الولادة.

• وجود إصابة دماغية أثناء الحمل أو الولادة.

4. العوامل البيئية:

• الفقر وسوء التغذية خلال فترة النمو المبكر.

• عدم الحصول على الرعاية الطبية والتربوية المبكرة.

آليات التشخيص

يُشخّص اضطراب التآزر الحركي بناءً على تقييم دقيق يشمل:

1. التقييم السريري:

• مراجعة التاريخ الطبي الكامل للطفل، بما في ذلك الحمل والولادة والتطور الحركي.

• استبعاد الأسباب الأخرى مثل الشلل الدماغي، الحثل العضلي، أو اضطراب طيف التوحد.

2. التقييم العصبي والنفسي:

• اختبار الذكاء واستبعاد التأخر العقلي.

• فحوصات حركية مثل اختبار الحركة التكييفية أو مقياس تقييم التنسيق الحركي.

• تقييم الأداء في المدرسة من خلال المعلمين والأهل.

3. التصوير الطبي:

• في بعض الحالات، يمكن استخدام الرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي للتأكد من سلامة الجهاز العصبي.

المضاعفات والآثار النفسية والاجتماعية

اضطراب التآزر الحركي لا يقتصر على التأثيرات الجسدية فحسب، بل يمتد إلى التأثير على الصحة النفسية والاجتماعية، خاصةً إذا لم يُشخّص ويُعالج في وقت مبكر. من بين المضاعفات الشائعة:

• انخفاض الثقة بالنفس.

• العزلة الاجتماعية بسبب ضعف المشاركة في الأنشطة الجماعية.

• صعوبات أكاديمية في القراءة والكتابة والرياضيات.

• زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب أو اضطرابات القلق.

• الفشل في تطوير الاستقلالية الشخصية والمهنية في البلوغ.

أساليب العلاج والتأهيل

رغم أن اضطراب التآزر الحركي لا يُشفى بشكل نهائي، فإن التدخل المبكر والدعم المستمر يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين جودة حياة المصاب.

1. العلاج الوظيفي:

يُركّز على تحسين قدرة الطفل على تنفيذ الأنشطة اليومية مثل الأكل، ارتداء الملابس، الكتابة. يقوم الأخصائي بتصميم برامج تدريبية فردية تُساعد على تطوير المهارات الحركية الدقيقة.

2. العلاج الطبيعي:

يهدف إلى تحسين التوازن، التنسيق، التحكم بالجسم، ويُستخدم لتقوية العضلات وتطوير المهارات الحركية الكبرى.

3. التدريب الحسي الحركي:

يتضمن تقنيات لتحفيز الدماغ على تحسين التكامل بين الحواس والحركة.

4. الدعم التعليمي:

• برامج تعليمية متخصصة.

• تعديل البيئة المدرسية لتسهيل التعلم.

• استخدام أدوات تكنولوجية مثل الأقلام الإلكترونية أو الأجهزة اللوحية.

5. الدعم النفسي:

يُساعد في معالجة تداعيات القلق، ضعف الثقة بالنفس، أو الاكتئاب، وغالباً ما يُوصى بالعلاج السلوكي المعرفي.

التكيف الأسري والاجتماعي

دور الأسرة بالغ الأهمية في مساعدة الطفل المصاب بهذا الاضطراب، ويتطلب ذلك:

• فهم طبيعة الاضطراب وتجنب المقارنة مع الأطفال الآخرين.

• تشجيع الطفل على المشاركة في أنشطة يحبها.

• إتاحة بيئة منزلية آمنة تعزز من ثقته في قدراته.

• التعاون مع المدرسة لتوفير التعديلات اللازمة.

الوقاية والرصد المبكر

لا توجد طرق محددة للوقاية من اضطراب التآزر الحركي، ولكن يمكن تقليل آثاره من خلال:

• المتابعة الدورية لنمو الطفل منذ الأشهر الأولى.

• التقييم الطبي المبكر في حال وجود تأخر حركي.

• الدعم الغذائي والنفسي للأم خلال فترة الحمل.

• توفير بيئة تعليمية وصحية محفزة للحركة والتفاعل.

الخلاصة

اضطراب التآزر الحركي هو اضطراب نمائي عصبي يُؤثر بشكل كبير على جودة حياة الفرد منذ الطفولة. تشخيصه المبكر وتقديم الدعم العلاجي المتكامل، من خلال العلاج الوظيفي والفيزيائي والتربوي والنفسي، يُمكن أن يُقلّل من آثاره الطويلة الأمد. يحتاج المصابون بهذا الاضطراب إلى التفهّم والدعم من الأسرة والمجتمع لتحفيزهم على الاندماج وتحقيق استقلاليتهم.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5®). American Psychiatric Pub.

2. Zwicker, J. G., & Missiuna, C. (2012). Developmental coordination disorder: Occupational therapy interventions. Canadian Journal of Occupational Therapy, 79(1), 11-20.