كيف تستفيد من طاقتك النفسية في ظل جائحة كورونا؟
عاش العالم منذ عام 2019 تحديات غير مسبوقة تمثلت في جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، التي أحدثت تغيرات جذرية في حياتنا اليومية على كافة الأصعدة. لم تقتصر تأثيرات الجائحة على الجوانب الصحية فحسب، بل طال أثرها أيضاً الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. من أبرز ما شهدناه خلال هذه الأزمة هو التأثير العميق على صحتنا النفسية، حيث أفرزت الضغوطات اليومية والمخاوف من الإصابة بالفيروس العديد من التحديات النفسية التي كانت تتطلب منا كيفية التعامل معها بشكل سليم.
ولكن مع هذه التحديات، يمكننا أيضاً أن نجد فرصة للاستفادة من طاقتنا النفسية، التي قد تكون أقوى من أي وقت مضى إذا استطعنا توجيهها بشكل صحيح. في هذا المقال، سنتناول كيفية استخدام طاقتنا النفسية بشكل فعال وناجح للتعامل مع الجائحة.
1. التعامل مع القلق والتوتر
أحد أبرز التأثيرات النفسية التي عاشها الكثيرون في ظل جائحة كورونا هو القلق المستمر. بين الأخبار المتواردة حول عدد الإصابات، والإجراءات الحكومية المتغيرة، والخوف من العدوى، أصبح التوتر حالة مزمنة في حياة الكثيرين. رغم أن القلق قد يكون ردة فعل طبيعية تجاه الأزمات، إلا أنه يمكن أن يستهلك طاقتنا النفسية بشكل غير مبرر.
لمكافحة هذا القلق، يمكننا تبني تقنيات التنفس العميق والتأمل، التي تعد من أساليب الاسترخاء الفعّالة التي تساعد في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل مستوى التوتر. كما يمكن ممارسة تمارين اليقظة الذهنية أو ما يعرف بالـ”مراقبة الواعية” التي تساعد على التخفيف من الأفكار السلبية والتمسك باللحظة الحالية.
2. إعادة تحديد الأهداف والطموحات الشخصية
تسبب التوقفات المفاجئة في الأعمال أو الدراسة بسبب الجائحة في تعطيل كثير من خطط الحياة. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه فترة مناسبة لإعادة النظر في أهدافنا وطموحاتنا الشخصية. كثيراً ما نجد أن الجائحة قد فرضت علينا تجنب بعض الأنشطة التي كنا نعتبرها ضرورية، مما قد يفتح لنا المجال لاستكشاف اهتمامات جديدة قد تكون أكثر توافقاً مع الوضع الحالي.
إعادة تحديد الأهداف النفسية والمهنية يمكن أن تكون خطوة ضرورية للاستفادة من طاقتنا في فترة التحديات. من المهم وضع أهداف صغيرة ومحددة يمكن تحقيقها تدريجياً، بدلاً من التطلع إلى أهداف كبيرة قد تكون محبطة في ظل الظروف الراهنة. هذا النوع من الأهداف يساعد في خلق شعور بالإنجاز، مما يعزز من ثقتنا في أنفسنا وقدرتنا على التكيف.
3. تنمية مهارات التأقلم والمقاومة النفسية
من أهم الطرق التي يمكن من خلالها الاستفادة من طاقتنا النفسية هي بناء مهارات التأقلم. فعندما نواجه أوقاتاً عصيبة مثل جائحة كورونا، يكون من الضروري أن نتعلم كيفية التكيف مع الظروف الصعبة بشكل إيجابي. يتطلب هذا النوع من التأقلم القبول بالوضع الراهن والتكيف مع التحديات بدلاً من مقاومته بشكل سلبي.
من أبرز المهارات التي يمكن اكتسابها في هذه الفترة هي القدرة على التعامل مع الشعور بالعزلة، سواء كانت اجتماعية أو عاطفية. يمكننا تطوير هذه المهارات من خلال البحث عن طرق للتواصل مع الأصدقاء والعائلة عن بُعد، وكذلك استكشاف الهوايات التي تساعدنا في الاستمتاع بالوقت. علاوة على ذلك، يمكن للقراءة أو تعلم مهارات جديدة أن تشغل العقل وتوفر لنا الفرصة للاستفادة من طاقتنا بشكل بناء.
4. الاستفادة من العزلة الشخصية للتركيز على الذات
في ظل الجائحة، فرضت إجراءات التباعد الاجتماعي على الكثير من الأشخاص العزلة التامة أو شبه التامة، وهو أمر قد يكون صعباً للكثيرين. ولكن يمكننا استخدام هذه الفترة لصالحنا من خلال التركيز على تطوير الذات. العزلة لا تعني بالضرورة الانفصال عن العالم، بل يمكن أن تكون فرصة لفهم أعمق لاحتياجاتنا النفسية.
تعد ممارسة التأمل الذاتي وكتابة اليوميات من الأدوات القوية التي تساعد في استكشاف مشاعرنا وتوجيه طاقتنا بشكل إيجابي. من خلال كتابة ما نشعر به يومياً، يمكننا أن نصبح أكثر وعيًا بمشاعرنا وأفكارنا، مما يساعدنا في تقليل التوتر النفسي. كما يمكن أن تكون هذه الفترة فرصة لاكتشاف جوانب من شخصياتنا لم نكن ندركها من قبل.
5. تعزيز المرونة النفسية من خلال ممارسة الرياضة
تلعب الرياضة دوراً مهماً في تحسين الحالة النفسية، حيث تساعد على إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين والسيروتونين. وقد أصبحت ممارسة الرياضة أكثر أهمية في فترة الجائحة، خاصة مع الإغلاق والقيود المفروضة على الأنشطة الخارجية.
يمكن الاستفادة من طاقتنا النفسية من خلال تحويل الرياضة إلى روتين يومي. لا يتطلب الأمر ممارسة الرياضات الشاقة، بل يمكن بدء اليوم برياضة خفيفة مثل المشي أو اليوغا أو تمارين التمدد. هذه الأنشطة تعزز من المزاج العام وتساهم في تقوية النظام العصبي، مما يزيد من قدرتنا على مواجهة ضغوط الحياة.
6. الاهتمام بالصحة النفسية من خلال التواصل الاجتماعي الافتراضي
رغم أن الجائحة قد فرضت التباعد الاجتماعي، إلا أن التكنولوجيا أتاح لنا الفرصة للاستمرار في التواصل مع الآخرين. يمكن استغلال هذه التكنولوجيا بشكل صحيح لتعزيز علاقاتنا الاجتماعية والنفسية. يمكن للأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أن يجدوا في المحادثات الافتراضية وسيلة للتخفيف من مشاعر العزلة.
التواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر التطبيقات أو وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يخفف من الضغوط النفسية، كما أن الأنشطة المشتركة عبر الإنترنت، مثل الألعاب أو مشاهدة الأفلام سوياً، يمكن أن تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية. إلى جانب ذلك، يمكن الانضمام إلى مجموعات دعم أو مجموعات مناقشة عبر الإنترنت التي تتيح تبادل الخبرات والتجارب مع الآخرين.
7. ممارسة الامتنان والتركيز على الجوانب الإيجابية
من العوامل التي تساعد على تعزيز صحتنا النفسية في ظل الجائحة هو التمرن على الامتنان والتركيز على الجوانب الإيجابية في حياتنا. في خضم التحديات، قد يكون من السهل أن نغفل عن النعم التي نمتلكها. يمكن أن يساعدنا الامتنان على تحويل طاقتنا النفسية نحو ما هو إيجابي، بدلاً من الاستغراق في مشاعر الندم أو القلق.
يمكن بدء كل يوم بتحديد ثلاثة أشياء نكون ممتنين لها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. هذا التمرين يساعد في إعادة توجيه أفكارنا نحو الجوانب الإيجابية في حياتنا، ويعزز من قدرتنا على التحمل والتكيف مع الظروف الصعبة.
8. البحث عن الدعم المهني عند الحاجة
في بعض الأحيان، لا تكون التقنيات الذاتية كافية للتعامل مع الضغوط النفسية. قد يحتاج البعض منا إلى دعم متخصص للتعامل مع مشاعر القلق والاكتئاب التي قد تكون قد تفاقمت نتيجة الجائحة. في مثل هذه الحالات، يمكن استشارة مختصين في الصحة النفسية مثل الأطباء النفسيين أو المعالجين النفسيين عبر الإنترنت.
توفر العديد من التطبيقات والبرامج الصحية النفسية طرقاً مبتكرة للحصول على الدعم في الوقت المناسب، مما يتيح لنا مساعدة فورية ومهنية دون الحاجة لمغادرة المنزل. لا يجب الاستهانة بأهمية هذا الدعم، فالتحدث مع شخص مختص يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير في مساعدتنا على استعادة توازننا النفسي.
9. التكيف مع التغيرات في نمط الحياة
أدى انتشار الجائحة إلى تغيرات كبيرة في الأنماط اليومية التي اعتدنا عليها. الكثير من الأشخاص فقدوا وظائفهم أو تعرضوا لتغييرات كبيرة في نمط حياتهم. رغم هذه التغيرات، يمكننا استخدام طاقتنا النفسية لتبني أساليب حياة جديدة تتناسب مع الوضع الراهن.
التكيف مع العمل عن بعد، وإيجاد توازن بين الحياة الشخصية والعمل، وتحقيق أقصى استفادة من وقت الفراغ يمكن أن يساعدنا في الحفاظ على نشاطنا النفسي والعاطفي. من خلال تنظيم الوقت، يمكننا تخصيص فترات للراحة والاسترخاء، ما يساعد على تجنب الشعور بالإرهاق.
10. التفكير في الآخرين ومساعدتهم
أثناء الجائحة، كان الكثير من الناس يعانون من الضغوط والمشاعر السلبية. يمكن أن يكون العمل على مساعدة الآخرين وسيلة رائعة للتغلب على تحدياتنا النفسية. عندما نركز على احتياجات الآخرين، نشعر بأننا نحقق تأثيرًا إيجابيًا في العالم من حولنا، مما يعزز من مشاعرنا بالرضا الداخلي.
قد يشمل ذلك مساعدتهم في مهام بسيطة مثل التسوق للأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة، أو حتى التطوع في الجمعيات الخيرية. هذه الأنشطة تساعد في توجيه طاقتنا النفسية نحو فعل الخير، وهو ما يعزز من شعورنا بالقيمة الذاتية.
الخلاصة
في ظل جائحة كورونا، أصبح من الضروري
