استشعار عظمة الله في حياتنا

كيف استشعر عظمة الله

إنَّ عظمة الله سبحانه وتعالى تتجلى في كل شيء حولنا، في خلقه، في سمائه، في الأرض، وفي أنفسنا. ومن أجل أن نستشعر هذه العظمة بشكل حقيقي، يجب أن نعي أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون والمدبر له، وأنه لا إله إلا هو، الذي لا يحاط به علم ولا تُدرك عظمته العقول. من خلال هذه المقالة، سنحاول أن نغوص في طرق الاستشعار بعظمة الله، وكيف يمكننا التعرف على هذه العظمة في حياتنا اليومية، وفي التفكر والتأمل في آياته البينات.

أولاً: التأمل في الكون وحركاته

إن الكون بكامل عناصره هو أكبر شاهد على عظمة الله سبحانه وتعالى. السماء، النجوم، الكواكب، والأجرام السماوية، تتناغم في حركة محكمة بدقة بالغة. قال الله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات: 56)، فالكون بأسره، بما فيه من آيات عظيمة، يدل على عظمة الخالق، ومن خلال التأمل فيه يمكن للمؤمن أن يتفكر في عظمة الله ويسبح في ملكوت السماوات والأرض.

إذا تأملنا في الآية الكريمة “اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِلَا عَمَدٍ تَرَوْنَهَا” (الرعد: 2)، نجد أن الله سبحانه وتعالى رفع السموات دون عماد، وهو ما يعجز العقل البشري عن إدراكه بالكامل. فكيف يمكن للإنسان أن يستشعر عظمة الله في خلقه إذا استشعر هذا المشهد؟ إنَّ مجرد رفع السموات بهذه الطريقة دليل على قدرة الله اللامتناهية، التي لا تقتصر على السماوات فقط، بل تشمل جميع مخلوقاته.

ثانياً: التفكر في خلق الإنسان

إنَّ الإنسان نفسه، بما يحتويه من أجهزة وأعضاء معقدة، هو شاهد آخر على عظمة الله وقدرته. من خلال عملية التنفس، الدورة الدموية، وأجهزة الجسم المختلفة، يظهر تناغم لا يُصدق، وهو ما يشير إلى قدرة الله في تنظيم هذا الخلق بمهارة وحكمة. وقد وصف الله الإنسان في القرآن بقوله: “فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (المؤمنون: 14).

من خلال النظر في كيفية تكون الإنسان، بداية من نطفة صغيرة إلى جنين في رحم أمه، ثم إلى طفل يكبر ليصبح إنساناً كاملاً، يمكن للمؤمن أن يشعر بعظمة الله وقدرته الباهرة. إن هذا الانتقال من حالة إلى أخرى هو أعظم دليل على قدرة الله التي لا تضاهى.

ثالثاً: التفكير في رحمته وعدله

إنَّ عظمة الله تتجلى في رحمته وعدله اللذين لا مثيل لهما. قال الله تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156). فإذا تدبرنا في الحياة اليومية، نجد أن رحمة الله تشمل الجميع، حتى أولئك الذين لا يشكرونه. كل يوم يشرق فيه الشمس هو دليل على رحمة الله. وهو يمطر الأرض ليزرع فيها الحياة، كما قال تعالى: “وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا” (الفرقان: 48). إن رحمة الله لا تقتصر على البشر فقط، بل تشمل جميع المخلوقات من حيوانات ونباتات وأشياء.

أما عدله، فهو لا يتهاون في حسابه مع خلقه، حيث يتساوى الجميع أمامه، لا ظلم عنده، ولا محاباة، كما قال سبحانه وتعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ” (المائدة: 1). هذا العدل الإلهي يعطي الناس إحساسًا بالأمان والطمأنينة. فحتى في لحظات المصيبة والابتلاء، فإنَّ العبد المؤمن يثق في أن الله تعالى لا يظلم أحداً، وأن كل ما يحدث هو خيرٌ في طياته، وإن بدا عكس ذلك في الظاهر.

رابعاً: القرآن الكريم وبلاغته

إن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزل من عند الله سبحانه وتعالى، ويعد المصدر الأعظم للتفكر في عظمة الله. الآيات القرآنية، بصيغها المختلفة، تحمل معاني عميقة ودروسًا حياتية غنية، تدعو المسلم للتأمل في عظمة الله وقدرته. فإن القرآن الكريم لم يُحفظ في صدور المؤمنين وحسب، بل أُلقي في حياتهم بشكل دائم، ليكون مصدر الهداية والنور.

إن بلاغة القرآن وعجز البشر عن الإتيان بمثله يعد دليلاً قاطعًا على عظمة الله. قال الله تعالى: “قُل لَّوْ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ” (الإسراء: 88). وفي ذلك دعوة للمؤمنين للتأمل في معاني القرآن، لكي يستشعروا عظمة الله في كلماته.

خامساً: التأمل في أسماء الله الحسنى

من أفضل الطرق التي تساعد المؤمن على استشعار عظمة الله هو التأمل في أسماء الله الحسنى. إن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بأسماء وصفات تدل على عظمته وجلاله. فعندما نتدبر في أسماء الله مثل “الرحمن”، “الملك”، “العزيز”، “القدوس”، “القدير”، نجد أن كل اسم يحمل معاني كبيرة ودلالات توضح لنا جزءًا من عظمة الله سبحانه وتعالى.

إن ذكر هذه الأسماء والدعاء بها هو مصدر للطمأنينة، كما قال الله تعالى: “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” (الأعراف: 180). وعندما يذكر العبد أسماء الله الحسنى في عبادته، فإنه يشعر بالقرب من الله ويتذوق حلاوة هذه الأسماء في حياته.

سادساً: تأملات في أنعم الله على الإنسان

إنَّ الله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعم لا تحصى، هذه النعم هي التي يجب على المؤمن أن يتفكر فيها ليشعر بعظمة الله. فالنعمة التي نتمتع بها في كل لحظة من حياتنا، من الصحة، والأمان، والغذاء، والراحة، هي كلها من فضل الله ورحمته.

قال الله تعالى: “وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” (النحل: 18). وهذه دعوة واضحة للمؤمن لكي يتأمل في نعم الله ويشكر الله عليها. وفي التأمل في النعم شعور كبير بعظمة الله، حيث نعلم أن هذه النعم ليست بسبب جهدنا أو استحقاقنا، بل هي فضل من الله.

سابعاً: العبادة والتوجه إلى الله

إنَّ أسمى طرق الشعور بعظمة الله هي العبادة. ففي الصلاة، يتوجه المسلم إلى ربه بأسمائه الحسنى، ويعترف بعظمته، ويتذلل بين يديه. في لحظة السجود، يشعر المؤمن بعظمة الله وعبوديته لله وحده، وهو في أتم حالة من الخضوع.

قال الله تعالى: “فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ إِنَّا نَسِينَاكُمْ” (الجاثية: 34). إنَّ هذه الآية تذكرنا أن عبادة الله تعني التوجه الدائم إليه في كل وقت وحين، ليبقى القلب دائم الذكر، مما يعمق الشعور بعظمته ورحمته.

ثامناً: الاستشعار في مواجهة البلاء

قد يظن البعض أن البلاء والمصائب هي علامات على غضب الله، ولكن في الحقيقة، هي من أسمى وسائل الشعور بعظمة الله. فالله تعالى يقول: “إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح: 6). في أوقات الشدة والابتلاء، يشعر المسلم بعظمة الله في تسليته، وفي صبره الذي يمنحه له الله ليتحمل الصعاب. هذه المواقف تقوي إيمان المسلم وتجعل قلبه أقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

الخاتمة

إنَّ عظمة الله سبحانه وتعالى لا تُحَدُّ ولا تُقَاس. هي في كل شيء من حولنا، في الكون، في أنفسنا، في القرآن الكريم، وفي لحظات العبادة والتفكر. ولذلك، فإن استشعار عظمة الله هو رحلة مستمرة، تحتاج منا إلى التفكر في كل جانب من جوانب حياتنا، والاعتراف الدائم بفضل الله ونعمه.