اختراع الرادار وتطوره

من اخترع الرادار؟

الرادار هو واحد من أعظم الاكتشافات التكنولوجية التي غيّرت مجرى التاريخ البشري في العديد من المجالات، من الدفاع إلى الملاحة الجوية، مروراً بالأبحاث البيئية. ولكن، على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا الاختراع، إلا أن تاريخ تطوير الرادار وتحديد من هو “مخترعه” هو مسألة معقدة تتداخل فيها العديد من الأبحاث والاكتشافات من قبل علماء مختلفين في دول متعددة. هذا المقال يقدم شرحاً مفصلاً حول تاريخ اختراع الرادار، مع تسليط الضوء على الأفراد الذين كان لهم الدور البارز في تطوير هذه التكنولوجيا.

المفهوم الأولي للرادار

الرادار هو اختصار لعبارة “Radio Detection and Ranging” (الكشف عن الأشياء باستخدام الموجات الراديوية). بشكل أساسي، يعتمد الرادار على إرسال موجات راديوية في الهواء، ثم استقبال الإشارات المرتدة عن الأجسام. من خلال قياس الوقت الذي تستغرقه الموجات للوصول إلى الهدف والعودة، يمكن تحديد المسافة إلى الهدف.

بدايات الفكر الراداري

في بداية القرن العشرين، كانت الأفكار المتعلقة باستخدام الموجات الراديوية للكشف عن الأجسام موجودة في الأبحاث العلمية النظرية. ففي عام 1886، كان العالم الألماني هنري هيرتز هو أول من أثبت وجود الموجات الكهرومغناطيسية وتحديد طريقة انتقالها عبر الفضاء. لكن لم يكن هناك بعد تطبيق عملي لهذه المعرفة في المجال العسكري أو المدني. في تلك الحقبة، كانت الموجات الكهرومغناطيسية تُستخدم فقط في بعض التطبيقات البسيطة، مثل البث اللاسلكي.

الاختراعات الأولية للرادار

في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، بدأ التفكير في استخدام الموجات الراديوية لأغراض أخرى، خاصة في المجالات العسكرية. حيث بدأ العلماء في التفكير في كيفية استخدام الموجات للكشف عن الطائرات والسفن.

التحقيقات في بريطانيا: كريستوفر باردن

في بريطانيا، بدأ العلماء يدرسون استخدام الموجات الكهرومغناطيسية للكشف عن الطائرات، وكان العالم البريطاني كريستوفر باردن من أوائل العلماء الذين قاموا بتجربة استخدام الموجات الراديوية لهذا الغرض في أوائل الثلاثينات. في عام 1935، قدم باردن تقارير تشير إلى أن الرادار قد يصبح أداة حيوية للكشف عن الطائرات القادمة. لكن هذا الاكتشاف لم يتحقق بالكامل حتى وقت لاحق.

الأعمال الأمريكية: روبرت واتسون وات

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ عالم الفيزياء روبرت واتسون وات في عام 1934 في إجراء تجارب على استخدام الموجات الراديوية لتحديد المواقع. مع ذلك، لم يكن هذا العمل مكتملًا إلا في وقت لاحق.

الاختراع الموازٍ في ألمانيا: هيرمان قويرينغ

في ألمانيا، كان العلماء يعملون على مشروع مشابه. في عام 1933، بدأ هيرمان قويرينغ بتجربة استخدام الموجات الراديوية للكشف عن الطائرات. وابتكر جهازاً يسمى “فينغوا” وكان يشبه في هيكله الأجهزة الحالية للرادار. إلا أن العمل الألماني على هذا الجهاز لم يكن قد وصل إلى المرحلة العملية الفعالة كما هو الحال في بريطانيا أو أمريكا.

التطورات البريطانية في الرادار: نظام “Chain Home”

في عام 1935، قام ماركوس تشاندلر وهو مهندس كهربائي في بريطانيا، بتطوير جهاز الرادار الأولي. وكان النظام الذي تم تطويره يعرف باسم “Chain Home”، والذي أطلق عليه لاحقاً اسم “الرادار.” وقد تم تصميمه بشكل أساسي للكشف عن الطائرات المعادية في الحرب العالمية الثانية. بدأ هذا النظام في العمل في عام 1937، وكان له دور حيوي في الدفاع عن المملكة المتحدة ضد الهجمات الجوية الألمانية.

كانت هذه الأنظمة تعتمد على إرسال إشارات راديوية يتم استقبالها بعد ارتدادها من الطائرات المهاجمة، مما يساعد على تحديد مسار الطائرة ونقاط الهجوم. وكان هذا الرادار قد ساهم بشكل كبير في تصدي بريطانيا لهجمات الطائرات الألمانية في معركة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية.

التطوير الأمريكي: الرادار في الحرب العالمية الثانية

في الولايات المتحدة، كانت هناك العديد من المحاولات المستقلة لتطوير الرادار. مع بداية الحرب العالمية الثانية، كان العلماء الأمريكيون قد بدأوا بتطوير جهاز رادار جديد أكثر تقدمًا يسمى “شنكسون” (Shackleton). وكان هذا النظام قادرًا على الكشف عن الطائرات والسفن على مسافات طويلة جدًا.

أما في اليابان، فقد بدأ العلماء هناك في تطوير الرادار في الثلاثينات، إلا أن النظام الذي ابتكروه لم يكن بنفس فعالية الأنظمة التي استخدمها الحلفاء.

تطوير الرادار بعد الحرب العالمية الثانية

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت تقنيات الرادار جزءًا أساسيًا من أنظمة الدفاع الوطنية حول العالم. كان الرادار قد تم استخدامه في العديد من التطبيقات المدنية والعسكرية، بما في ذلك الطيران، والبحرية، والملاحة، والفضاء.

خلاصة

لا يمكن نسب اختراع الرادار إلى شخص واحد فقط، بل هو نتيجة لعدة أبحاث متوازية في مختلف أنحاء العالم. يمكن القول إن كريستوفر باردن وماركوس تشاندلر في بريطانيا قد كانوا من الأوائل الذين عملوا على الرادار وطوروه بشكل متكامل لاستخدامه في تطبيقات دفاعية. كما لعب روبرت واتسون وات دورًا كبيرًا في تطوير تقنيات الرادار في الولايات المتحدة، بينما كانت هناك جهود مستقلة في ألمانيا واليابان أيضًا. ولكن يبقى أن كل من هؤلاء العلماء ساهم بشكل أساسي في جعل الرادار جزءًا أساسيًا من عالم التكنولوجيا الحديثة.

إذن، على الرغم من أن العديد من العلماء قد ساهموا في تطوير الرادار، إلا أن هذا الاختراع يبقى عملًا جماعيًا استلزم تعاون وتنافس بين علماء من مختلف البلدان.