الاجتماعات التي يجب تخطيها عند العمل من المنزل: نحو إنتاجية أعلى وإدارة وقت فعالة

شهد نمط العمل من المنزل ازدهاراً غير مسبوق في السنوات الأخيرة، نتيجة للتحول الرقمي المتسارع وتطور البنية التحتية التقنية، إلى جانب تأثيرات الجائحة العالمية التي فرضت تغييراً جذرياً على أساليب العمل التقليدية. ومع هذا التحول، ظهرت تحديات جديدة تتعلق بكيفية إدارة الوقت والحفاظ على الإنتاجية والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية. من بين أبرز هذه التحديات، تأتي مسألة الاجتماعات الافتراضية، التي أصبحت سيفاً ذا حدين، قد تسهم في تحسين التنسيق والتعاون، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى عبء يعوق الإنجاز ويستهلك الوقت والطاقة بدون مبرر حقيقي.

تشير دراسات عديدة إلى أن الموظفين العاملين من المنزل يقضون وقتاً أطول في الاجتماعات مقارنة بزملائهم في بيئات العمل التقليدية، مما يؤدي إلى إرهاق ذهني، انخفاض في التركيز، وتآكل واضح في فترات العمل العميق. لذلك، من المهم تحديد نوعية الاجتماعات التي تستحق الحضور، وتلك التي يجب التخلي عنها أو إيجاد بدائل أكثر كفاءة لها.

أولاً: الاجتماعات التي تفتقر إلى جدول أعمال واضح

الاجتماعات التي تُعقد دون جدول أعمال محدد وواضح تعد من أبرز مصادر هدر الوقت. فعندما لا يعرف المشاركون ما هو المتوقع منهم، أو ما سيتم مناقشته بدقة، ينتهي الاجتماع غالباً إلى تبادل عام للأفكار دون نتائج ملموسة أو قرارات قابلة للتنفيذ. في بيئة العمل عن بُعد، حيث تتداخل المهام والضغوط، يصبح هذا النوع من الاجتماعات عبئاً إضافياً على الموظفين، مما يتطلب إما إعادة هيكلته أو إلغائه تماماً.

ثانياً: الاجتماعات التي يمكن استبدالها برسائل مكتوبة

العديد من الاجتماعات تُعقد فقط لتبادل تحديثات بسيطة أو تبليغات إدارية يمكن نقلها بسهولة عبر البريد الإلكتروني أو من خلال منصات التواصل الداخلية كـSlack أو Microsoft Teams. على سبيل المثال، تحديثات المشاريع الأسبوعية، أو إبلاغ بسياسات جديدة لا تتطلب نقاشاً جماعياً، يمكن استيعابها بفعالية عبر تقارير مكتوبة. الاعتماد على النص المكتوب في مثل هذه الحالات لا يوفر فقط الوقت، بل يمنح الجميع الفرصة للاطلاع على المعلومات في الوقت الذي يناسبهم، دون قطع لحظات التركيز أو فترات العمل العميق.

ثالثاً: الاجتماعات الدورية الروتينية بدون مراجعة قيمتها

الاجتماعات الأسبوعية أو اليومية الثابتة، كاجتماعات الفريق الصباحية أو اجتماعات حالة المشروع، قد تتحول إلى عادة متكررة يتم تنفيذها دون تقييم حقيقي للفائدة منها. في حال لم تتم إضافة قيمة حقيقية في كل مرة، أو إذا لم تكن هناك مستجدات تتطلب الاجتماع، فمن الأفضل إلغاؤها أو تقليل تواترها، وتحديد عقدها فقط عند وجود مبرر حقيقي يستدعي النقاش الجماعي.

رابعاً: الاجتماعات التي تضم عدداً كبيراً من المشاركين بدون دور واضح

الاجتماعات التي تشمل العديد من الأفراد دون تحديد دقيق لدور كل منهم تفتقر إلى الكفاءة، إذ ينتهي الأمر بأن يكون عدد كبير من المشاركين مجرد “حاضرين” لا “فاعلين”. في سياق العمل عن بُعد، هذا يعني قطع ساعات من العمل الفردي دون فائدة. من الضروري عند جدولة اجتماع، التأكد من أن جميع المدعوين لهم دور واضح ومساهمة محددة، وإلا فإنه من الأفضل إرسال ملخص لاحق للمخرجات بدلاً من دعوتهم لحضور مباشر.

خامساً: الاجتماعات التي تُعقد لحل مشكلات صغيرة أو فردية

تواجه فرق العمل الكثير من التحديات اليومية، منها ما يمكن حله بسرعة من خلال نقاش فردي مباشر أو عبر رسائل خاصة. ومع ذلك، يصر بعض المديرين أو الأعضاء على تحويل مثل هذه المسائل إلى اجتماعات جماعية، مما يضخم من حجم المشكلة ويوسع دائرة المشاركين دون حاجة حقيقية. في العمل من المنزل، حيث يُفضل تقليص المقاطعات قدر الإمكان، يجب تجنب هذا النوع من الاجتماعات التي لا تضيف قيمة جماعية واضحة.

سادساً: الاجتماعات التي تُستخدم كأداة مراقبة

في بعض المؤسسات، يُستخدم الاجتماع اليومي أو الأسبوعي كوسيلة لمتابعة سير العمل أو كنوع من الرقابة المستمرة، وليس للتخطيط أو حل المشكلات. مثل هذه الاجتماعات تنم عن ثقافة إدارة تفتقر إلى الثقة، وتؤدي إلى إضعاف استقلالية الموظفين، وزيادة شعورهم بالضغط النفسي والرقابة. البديل الأفضل هو استخدام أدوات التتبع الذكية، والتقارير الذاتية التي توفر للموظف المساحة الكافية للعمل دون مقاطعة مستمرة.

سابعاً: الاجتماعات خارج أوقات العمل الرسمي

عند العمل من المنزل، تزداد أهمية احترام الحدود الزمنية بين الحياة العملية والحياة الشخصية. الاجتماعات التي تُعقد خارج أوقات الدوام الرسمية، حتى وإن كانت “مرنة”، تنتهك هذه الحدود وتؤثر على الصحة النفسية للموظف. ما لم تكن هناك حالة طارئة أو ظرف استثنائي، يجب تجنب مثل هذه الاجتماعات تماماً، والحرص على الالتزام بمواعيد محددة وواضحة تحترم وقت الجميع.

ثامناً: الاجتماعات الطويلة التي تتجاوز الساعة

تشير الدراسات إلى أن الاجتماعات التي تتجاوز 60 دقيقة نادراً ما تحافظ على التركيز الكامل للمشاركين، خصوصاً في بيئات العمل عن بُعد حيث يفتقر الفرد إلى محفزات التفاعل الجماعي المباشر. لذلك، فإن أي اجتماع طويل يجب أن يُعاد تقييمه: هل يمكن تقسيمه إلى جلسات أقصر؟ هل يمكن إرسال المواد كوثائق للاطلاع المسبق؟ التنظيم الفعال للاجتماع يبدأ من تقليص مدته لأقل وقت ممكن دون الإخلال بالهدف.

تاسعاً: الاجتماعات ذات الأجندة غير المحددة زمنيًا

حتى لو كان هناك جدول أعمال واضح، فإن عدم تحديد أوقات دقيقة لكل بند يُفقد الاجتماع تركيزه وفعاليته. يتفاقم الأمر في العمل عن بعد، حيث تتداخل الأولويات وتتغير جداول المهام بسرعة. الاجتماعات التي لا تلتزم بأجندة زمنية مضبوطة يجب إلغاؤها أو إعادة هيكلتها بشكل احترافي، بحيث يكون لكل نقطة زمن محدد، ولكل مداخلة وقت معلوم، مما يحمي وقت المشاركين ويضمن الوصول إلى نتائج حقيقية.

عاشراً: الاجتماعات التي لا تليها مخرجات أو خطوات عملية

من أكبر المشكلات التي يعاني منها الموظفون العاملون عن بعد هو حضور اجتماعات كثيرة لا تفضي إلى أي قرارات أو توجيهات ملموسة. الاجتماعات الفعالة يجب أن تنتهي دائماً بخطوات تنفيذية محددة، واضحة، وموزعة على المشاركين. غياب هذه المخرجات يُفقد الاجتماع معناه، ويجعله مضيعة للوقت والطاقة، وبالتالي فإن مثل هذه الاجتماعات يجب أن تكون مرشحة للإلغاء أو الاستبدال بطرق أكثر عملية.

الجدول التالي يلخّص أبرز أنواع الاجتماعات التي يُنصح بتجنبها عند العمل من المنزل:

نحو ثقافة اجتماعات أكثر كفاءة

التحول نحو ثقافة اجتماعات فعالة لا يعني إلغاء جميع الاجتماعات، بل يركز على تقييم جدوى كل اجتماع قبل عقده، وتحديد أهدافه، وفهم إذا كان هناك وسيلة أخرى لتحقيق نفس الغاية بطريقة أقل استهلاكاً للوقت والطاقة. العاملون من المنزل بحاجة إلى مساحات للعمل العميق، وإلى تقليل المقاطعات الرقمية التي تعيق التركيز، والحد من الاجتماعات غير الضرورية خطوة أساسية في هذا المسار.

تبني سياسات ذكية لإدارة الاجتماعات يسهم في تعزيز الإنتاجية، تحسين الصحة النفسية، ورفع مستوى الرضا الوظيفي، مما ينعكس إيجاباً على جودة العمل والنتائج النهائية. فالمطلوب ليس كثرة اللقاءات، بل نوعيتها ومدى قدرتها على دعم أهداف الفريق والمؤسسة. وفي زمن أصبحت فيه كل دقيقة ثمينة، فإن الاجتماعات الفعالة هي التي تُحدث الفرق، أما غيرها، فمكانها الإلغاء أو الاستبدال.

المصادر:

1. Harvard Business Review – “Stop the Meeting Madness”

2. Atlassian – “State of Meetings Report 2023”