اتق المحارم تكن أعبد الناس
لطالما كان الإسلام حريصًا على تقوية علاقة الفرد بربه، وأحد أسمى طرق هذه التقوى تكمن في الابتعاد عن المحارم، التي تمثل الخطيئة والمعصية التي يتنزه عنها المؤمن. فقول النبي صلى الله عليه وسلم “اتق المحارم تكن أعبد الناس”، هو توجيه عميق يحتوي على معاني عظيمة تدل على أهمية اجتناب المحارم في الإسلام وكيفية تأثير ذلك على علاقة الفرد بالله تعالى. في هذا المقال، سنتناول تفسير هذا الحديث الشريف من خلال تسليط الضوء على معنى “المحرّمات” في الإسلام، كيف يمكن أن يكون تجنبها سببًا لتقوى الفرد وزيادة عبادته، وكيف يؤثر ذلك على شخصيته وعلاقته بالمجتمع.
المحارم في الإسلام: معنى وتفسير
المحارم هي كل ما حرمه الله تعالى على عباده من أعمال أو أقوال أو أشياء تضر بالنفس أو بالآخرين، أو تتنافى مع الأخلاق الإسلامية السامية. يشمل ذلك مجموعة واسعة من الأفعال، مثل الكبائر التي تشمل الزنا، السرقة، القتل، وأيضًا الشرك بالله، بالإضافة إلى المحرمات في التعامل مع الآخرين مثل الكذب، الغيبة، النميمة، وغيرها من الأفعال التي تؤدي إلى فساد المجتمع وتشويه العلاقات الإنسانية.
وقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الآيات والأحاديث التي تحذر من الوقوع في المحارم وتحث على تجنبها. فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” (الإسراء: 32)، أي أن الله سبحانه وتعالى نهى عن الاقتراب من المحرمات، واعتبرها طريقًا يؤدي إلى الفساد الاجتماعي والمخاطر النفسية.
الحديث الشريف: “اتق المحارم تكن أعبد الناس”
عند النظر في هذا الحديث النبوي الشريف، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب المسلمين بوصية عظيمة، وهي تجنب المحارم ليكون الإنسان أكثر تقوى وأقرب إلى الله. فالتقوى هنا ليست مجرد أداء العبادات الظاهرة كالصلاة والصيام، بل هي أيضًا تجنب المحارم والابتعاد عن كل ما يفسد العلاقة مع الله تعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى أن نجعل الابتعاد عن المحارم أساسًا من أسس عبوديتنا لله، فالشخص الذي يمتنع عن فعل المحرمات، سواء كانت في حق الله أو في حق الناس، يكون قد سلك الطريق الأقرب إلى العبادة الكاملة. إذ لا يمكن أن تكون عبادة الإنسان لله حقيقية ما لم تكن خالية من الذنوب والمحرمات.
تفسير وتأصيل الفكرة: كيف يصبح المسلم أعبد الناس بتقوى المحارم؟
لنفهم أعمق معنى لهذه المقولة، لا بد أن نتناول جوانب عدة تتعلق بالعلاقة بين تقوى المحارم والعبادة:
-
الطهارة الروحية:
الشخص الذي يبتعد عن المحارم يعيش حياة طاهرة، حيث يصفو قلبه من الآثام والأوزار. الطهارة ليست مقتصرة على النظافة الجسدية، بل تشمل أيضًا الطهارة الروحية التي تساهم في تقوية العلاقة بين العبد وربه. عندما يتجنب المسلم المحارم ويصون نفسه من المعاصي، يتنقى قلبه ويصبح أكثر استعدادًا للخشوع في العبادة. -
الابتعاد عن الفتن:
المحارم غالبًا ما تكون مصدراً للفتن التي تشغل القلب والعقل. فمثلًا، إذا ارتكب المسلم معصية مثل الزنا أو الخمر أو الكذب، فإنه يعرض نفسه للفواحش التي تلهيه عن ذكر الله وعن أداء العبادات كما ينبغي. لذلك، فإن الابتعاد عن المحارم يسهم في حماية الشخص من الوقوع في هذه الفتن، مما يجعله أكثر قدرة على العبادة والخشوع. -
تحقيق العبودية الحقيقية:
العبودية لله تعالى لا تتحقق فقط من خلال أداء الشعائر الظاهرة، مثل الصلاة والصيام، بل أيضًا من خلال استقامة السلوك. فالمسلم الذي يتجنب المحارم هو في الواقع يعبر عن عبودية حقيقية لله، حيث يتجنب ما نهى الله عنه ويسعى لتحقيق مرضاته في كل شؤونه. بذلك يكون أكثر عبودية لله من أولئك الذين يؤدون العبادات الشكلية فقط دون أن يراعوا سلوكهم. -
حماية المجتمع:
من خلال الامتناع عن المحارم، يسهم المسلم في الحفاظ على مجتمع طاهر ونقي. فالمجتمعات التي تكثر فيها المحارم مثل الفواحش والكذب تتعرض للفساد الاجتماعي وتتفكك الروابط بينها. أما المجتمعات التي يلتزم أفرادها بتقوى المحارم، فإنها تشهد استقرارًا وسلامًا اجتماعيًا، حيث يسود الاحترام المتبادل والتعاون بين الناس. -
القرب من الله:
عندما يبتعد الإنسان عن المحارم، فإنه يقرب نفسه من الله تعالى. إذ أن الله يحب المؤمنين الذين يتجنبون المحرمات ويراعيهم في سلوكهم، ويعدهم بمغفرته ورضاه. ولذلك، فإن تقوى المحارم تفتح أبواب رحمة الله على العبد، وتجعل له مكانًا أقرب إلى الله في الدنيا والآخرة.
أثر تقوى المحارم على العبادة:
لا يمكن لأحد أن ينكر أن العبادة الحقيقية هي التي تصاحبها النية الخالصة والإخلاص لله، ولكن العبادة لا تقتصر فقط على العبادات الظاهرة مثل الصلاة والصيام. فهي تشمل أيضًا اجتناب المحارم، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من العبادة في الإسلام. فالمؤمن الذي يلتزم بتقوى المحارم تكون عبادته أكثر إخلاصًا وأقرب إلى الله، حيث يبتعد عن المعاصي التي تمنع قبول الأعمال الصالحة.
العديد من النصوص الدينية أكدت على أهمية طهارة القلب والسلوك في قبول الأعمال. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ” (المائدة: 27)، وهذا يتضمن تقوى الله في كل شيء، ومن ذلك تجنب المحارم والابتعاد عنها.
المحرّمات التي يجب على المسلم تجنبها
تتنوع المحارم التي يجب على المسلم أن يتجنبها، سواء كانت في المجال العقائدي، الأخلاقي، الاجتماعي، أو الشخصي. من أبرز هذه المحارم:
-
الشرك بالله: يعد أكبر المحارم وأشدها خطرًا على الإيمان. فالشرك بالله يناقض التوحيد ويفسد العبادة.
-
الزنا: من أكبر المحارم التي حرمها الإسلام، وهو يسبب فسادًا في المجتمع ويحطم كرامة الإنسان.
-
السرقة: تعبير عن جريمة اجتماعية تضر بالأفراد والمجتمع. كما أن السارق يقطع روابط الثقة بين الناس.
-
الكذب: يعتبر من المحارم التي تزعزع العلاقات الإنسانية وتدمرها، وهي محرم في الإسلام بأي شكل من الأشكال.
-
الربا: من الكبائر التي نهى عنها الإسلام لما لها من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع.
خاتمة:
“اتق المحارم تكن أعبد الناس” هو حديث نبوي شريف يحمل في طياته دعوة عظيمة نحو السلوك القويم. بتجنب المحارم، يصبح الفرد أكثر صفاءً وعبادة، ويبتعد عن الفتن التي قد تلوث قلبه وروحه. إن تجنب المحارم ليس فقط وسيلة لزيادة العبادة، بل هو طريق للوصول إلى رضا الله تعالى والتقرب إليه.
