إنجازات الشيخ زايد في مجال الزراعة: رؤية خضراء من قلب الصحراء
مقدمة
يُعد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وأول رئيس لها، شخصية تاريخية فريدة في العالم العربي والعالمي، إذ لم يقتصر تأثيره على بناء دولة حديثة متكاملة البنية التحتية، بل تعدى ذلك إلى مجالات حيوية شكلت عماد التنمية المستدامة، وعلى رأسها الزراعة. ففي بيئة قاحلة وشحيحة المياه مثل بيئة الإمارات، كان التفكير في تحويل الرمال إلى أراضٍ خضراء ضربًا من الخيال. غير أن إرادة الشيخ زايد، وإيمانه بأن الصحراء يمكن أن تُزرع وتتحول إلى جنة خضراء، قادته إلى تنفيذ رؤية زراعية متكاملة وضعت الإمارات في مصاف الدول الرائدة في استصلاح الأراضي.
الخلفية البيئية والجغرافية لتحديات الزراعة في الإمارات
تقع الإمارات العربية المتحدة في نطاق مناخي صحراوي جاف يتميز بندرة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وملوحة التربة، وشح مصادر المياه الجوفية. وكانت هذه الظروف تشكل تحديًا كبيرًا أمام أي محاولة للزراعة أو تحقيق الأمن الغذائي. ومع ذلك، فقد نظر الشيخ زايد إلى هذه التحديات باعتبارها فرصًا للابتكار، وأطلق العنان لنهضة زراعية بدأت من نقطة الصفر.
الفلسفة الزراعية للشيخ زايد
لم تكن إنجازات الشيخ زايد في الزراعة مجرد مشاريع تنموية عابرة، بل كانت نابعة من فلسفة متكاملة تمحورت حول العلاقة بين الإنسان والأرض. اعتبر الشيخ زايد أن الزراعة تمثل عماد الاستقرار المجتمعي، وأداة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي، ووسيلة للحفاظ على البيئة. وقد قال في أكثر من مناسبة: “أعطوني زراعة، أضمن لكم حضارة”. هذه المقولة الشهيرة لخصت نظرته العميقة لأهمية الزراعة في بناء الحضارات واستمرارها.
الإنجازات الكبرى في القطاع الزراعي
1. التشجير ومكافحة التصحر
أولى الشيخ زايد اهتمامًا بالغًا بموضوع التشجير، كوسيلة لتحسين المناخ المحلي ومكافحة التصحر. أطلق مشاريع ضخمة لزراعة ملايين الأشجار، بما في ذلك أشجار الغاف والنخيل والسنط، التي تتحمل الجفاف وتساهم في تثبيت التربة. تم إنشاء أحزمة خضراء حول المدن والمزارع لحمايتها من العواصف الرملية.
وقد بلغ عدد الأشجار التي تم زرعها في الإمارات خلال فترة حكم الشيخ زايد أكثر من 100 مليون شجرة، وهو رقم مذهل بالنظر إلى طبيعة البيئة الصحراوية.
2. استصلاح الأراضي الجرداء
تضمنت رؤية الشيخ زايد العمل على استصلاح الأراضي الجرداء وزيادة الرقعة الزراعية. تم تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الصحراوية إلى مزارع منتجة باستخدام تقنيات حديثة في الري والتنقيط. أُنشئت مزارع نموذجية في مختلف إمارات الدولة، تمثل نماذج ناجحة للزراعة المستدامة في المناطق القاحلة.
وقد بلغ عدد المزارع في الدولة في نهاية فترة حكمه أكثر من 30 ألف مزرعة مقارنة بعدد محدود جدًا قبل قيام الاتحاد.
3. تطوير نظم الري المستدام
كانت مشكلة شح المياه من أكبر التحديات، وقد أدرك الشيخ زايد مبكرًا أن النجاح في الزراعة في بيئة الإمارات لا يمكن أن يتحقق دون أنظمة ري متطورة. لذلك، تبنّت الدولة، بتوجيه منه، أنظمة ري حديثة كالتنقيط والري بالرش، التي تقلل من فاقد المياه وتزيد من كفاءة استخدامها. كما تم إنشاء سدود لحجز مياه الأمطار وتحسين تغذية المياه الجوفية.
4. دعم المزارعين وتحفيز الإنتاج المحلي
حرص الشيخ زايد على دعم المزارعين المحليين، من خلال تقديم الأراضي مجانًا، وتوفير القروض والمعدات الزراعية دون فوائد، بالإضافة إلى إنشاء أسواق لتصريف المنتجات الزراعية. كما تم إنشاء مؤسسات متخصصة لدعم الزراعة مثل “جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية” و”بلدية العين الزراعية”، التي ساهمت في تنظيم القطاع الزراعي وتوفير الدعم الفني والإرشادي.
5. الزراعة العضوية والبيئية
من الإنجازات البارزة في فكر الشيخ زايد التوجه نحو الزراعة البيئية والعضوية قبل أن تصبح هذه المفاهيم شائعة عالميًا. شجع على الابتعاد عن المبيدات والمواد الكيميائية الضارة، وساهم في نشر ثقافة الزراعة النظيفة بيئيًا. كما دعم مشاريع زراعة النخيل والتمور العضوية، وتم تصدير العديد من منتجات الإمارات العضوية إلى الخارج.
دور الشيخ زايد في زراعة النخيل والتمور
حظيت زراعة النخيل باهتمام خاص من الشيخ زايد، لكونها ترمز إلى التراث العربي والإسلامي، ولما لها من قيمة اقتصادية وغذائية عالية. فقد تم زراعة ملايين أشجار النخيل، وتطوير أصناف محلية محسّنة من التمور. كما أنشأ مهرجان ليوا للتمور، ومراكز أبحاث متخصصة للنخيل مثل “جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر”، التي أصبحت من أبرز الجوائز في هذا المجال عالميًا.
جدول يوضح بعض الأرقام الدالة على جهود الشيخ زايد في الزراعة
| المجال | الإنجاز |
|---|---|
| عدد الأشجار المزروعة | أكثر من 100 مليون شجرة |
| عدد المزارع عند التأسيس | أقل من 5,000 مزرعة |
| عدد المزارع في التسعينات | أكثر من 30,000 مزرعة |
| مساحة الأراضي المستصلحة | أكثر من 300,000 هكتار |
| دعم الدولة للمزارعين | أراضٍ مجانية، قروض بلا فوائد، دعم تقني |
| أساليب الري | التنقيط، الري بالرش، إنشاء السدود |
استراتيجيات الاستدامة في رؤية الشيخ زايد
تميزت مشاريع الشيخ زايد الزراعية بعدة جوانب جعلتها مستدامة وذات أثر طويل الأمد:
-
دمج التنمية البيئية بالاقتصادية: لم يكن الهدف من الزراعة فقط الإنتاج الغذائي، بل الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي.
-
استخدام تقنيات مبتكرة: دعم المشاريع التي تبنت الطاقة الشمسية والري الذكي لتحسين كفاءة الموارد.
-
نشر ثقافة الزراعة في المجتمع: ساهم في رفع الوعي العام بأهمية الزراعة من خلال المدارس، والمسابقات الزراعية، ودعم المزارعين الصغار.
إشادة المنظمات الدولية بجهود الشيخ زايد
نال الشيخ زايد تقديرًا عالميًا لجهوده في مكافحة التصحر وتنمية الزراعة. ففي عام 1995، مُنح جائزة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تكريمًا لإسهاماته المتميزة في التنمية الزراعية ومكافحة التصحر. كما اعتبره برنامج الأمم المتحدة للبيئة أحد رواد العمل البيئي في العالم.
الإرث الزراعي المستمر بعد الشيخ زايد
استمرت الرؤية الزراعية التي أرسى دعائمها الشيخ زايد في التأثير على سياسات دولة الإمارات حتى اليوم. فقد تم تعزيز الاستثمارات في الزراعة الذكية، والتوسع في مشاريع الأمن الغذائي، وتعزيز الشراكات الدولية في مجالات الزراعة المستدامة. وتواصل الإمارات حصد ثمار هذه الرؤية، إذ تحتل مراكز متقدمة في مؤشرات الأمن الغذائي رغم الظروف البيئية الصعبة.
خاتمة
شكّل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان نموذجًا فريدًا لقائد أدرك أهمية الزراعة في بناء الأوطان. فبفضل رؤيته الثاقبة، تحولت الإمارات من صحراء قاحلة إلى واحة زراعية مزدهرة. لم تكن تلك الإنجازات محض صدفة أو مشاريع محدودة الأثر، بل كانت ثمرة تخطيط إستراتيجي عميق ورؤية بيئية واقتصادية وإنسانية متكاملة. إن الإرث الزراعي الذي تركه الشيخ زايد لا يزال يلهم الأجيال الجديدة، ويؤكد أن الإرادة والعزيمة قادرتان على تحدي المستحيل، حتى في قلب الصحراء.
المراجع:
-
كتاب “زايد رجل بنى أمة” – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
-
تقارير منظمة الأغذية والزراعة FAO بشأن جهود الإمارات في مكافحة التصحر والزراعة المستدامة.
