إشعاعات جسم الإنسان وأثرها

إشعاعات جسم الإنسان: بين الحقيقة والخرافات

إشعاعات جسم الإنسان هي ظاهرة تثير فضول الكثير من الناس. على الرغم من أن غالبية الأفراد يعتبرون أن الإشعاع هو مجرد مظهر من مظاهر تكنولوجيا اليوم المتقدمة مثل الأشعة السينية أو الأشعة فوق البنفسجية، إلا أن جسم الإنسان نفسه ينبعث منه إشعاعات بمستويات صغيرة وغير مرئية. هذه الإشعاعات جزء من العمليات الطبيعية التي تحدث داخل جسم الإنسان. في هذا المقال، سنتناول بالتحليل هذه الإشعاعات، مصدرها، تأثيراتها، والعديد من المفاهيم الخاطئة التي ترتبط بها.

ما هي الإشعاعات؟

في البداية، يجب أن نفهم ماذا نعني بمصطلح “الإشعاع”. الإشعاع هو أي شكل من أشكال الطاقة التي تنتقل عبر الفضاء أو عبر مادة ما. تأتي الإشعاعات في أشكال متعددة، مثل الأشعة الكهرومغناطيسية (التي تتضمن الضوء، الأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية)، أو الإشعاعات الميكانيكية مثل الصوت.

يمكن تقسيم الإشعاع إلى نوعين رئيسيين:

1. الإشعاع المؤين (Ionizing Radiation): هو الإشعاع الذي يمتلك طاقة كافية لإزالة الإلكترونات من الذرات أو الجزيئات، مما يؤدي إلى تشكل الأيونات. من الأمثلة عليه الأشعة السينية، أشعة غاما، والأشعة ألفا.

2. الإشعاع غير المؤين (Non-Ionizing Radiation): هو الإشعاع الذي لا يمتلك طاقة كافية لإزالة الإلكترونات. وتشمل هذه الأشعة الضوء المرئي، الأشعة تحت الحمراء، والموجات اللاسلكية.

إشعاع الجسم البشري: كيف ينبعث؟

ينبعث من جسم الإنسان نوعان من الإشعاعات:

1. الإشعاع الحراري (Infrared Radiation): الجسم البشري بشكل طبيعي يبعث إشعاعًا في نطاق الأشعة تحت الحمراء، وهي إشعاع غير مؤين. جميع الكائنات الحية التي تتمتع بحرارة جسدية، مثل البشر، تبعث إشعاعًا في هذا الطيف. نتيجة للحرارة التي ينتجها الجسم نتيجة لعمليات الأيض والتفاعلات الكيميائية داخل الخلايا، يتم امتصاص جزء من هذه الحرارة ثم يتم إطلاقه على شكل إشعاع تحت الأحمر.

   هذه الإشعاعات تكون غير مرئية للعين البشرية ولكن يمكن للأجهزة الخاصة مثل كاميرات التصوير الحراري أن تلتقطها. والسبب في ذلك هو أن درجة حرارة الجسم البشري تقع ضمن نطاق الأشعة تحت الحمراء.

2. الإشعاع النووي الطبيعي (Natural Background Radiation): لا تقتصر الإشعاعات التي ينبعث منها الإنسان على الحرارية فقط، فهناك أيضًا إشعاعات نووية تحدث بشكل طبيعي. هذه الإشعاعات تأتي من العناصر المشعة التي توجد داخل الجسم مثل البوتاسيوم 40 (K-40) الذي يوجد بكميات صغيرة في جسم الإنسان. البوتاسيوم عنصر أساسي في الخلايا العصبية والعضلات، وحين يتحلل جزئيًا، يبعث إشعاعًا غاما وأشعة بيتا.

   من جهة أخرى، فإن بعض العناصر الطبيعية مثل الكربون 14 (C-14) ينبعث منها إشعاع عندما تتحلل في الجسم. ورغم أن هذه الإشعاعات تعتبر منخفضة للغاية في مستوى طاقتها، إلا أنها تمثل جزءًا من الإشعاعات الطبيعية التي يتعرض لها الإنسان في الحياة اليومية.

تأثير الإشعاعات على جسم الإنسان

على الرغم من أن الإنسان يبعث إشعاعات معينة، إلا أن تأثير هذه الإشعاعات على الجسم يظل محدودًا إذا كانت ضمن مستويات طبيعية وغير مؤينة. لكن الأمر يختلف عندما نتعرض لأنواع أخرى من الإشعاع، مثل الإشعاع المؤين، الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث أضرار صحية. وفي هذا السياق، فإن هناك فرقًا بين الإشعاعات التي نبثها نحن داخل أجسامنا والتي يمكن أن تؤثر في خلايا الجسم على المدى الطويل.

1. الإشعاع المؤين وتأثيراته الصحية

في حين أن الجسم البشري يولد إشعاعات غير مؤينة مثل الأشعة تحت الحمراء، إلا أن الأنواع الأخرى من الإشعاعات مثل الأشعة السينية وأشعة غاما يمكن أن تكون مؤينة، بمعنى أنها تمتلك الطاقة الكافية لتدمير الأنسجة أو تغيير بنية الحمض النووي (DNA). يمكن أن يؤدي هذا النوع من الإشعاع إلى حدوث طفرات جينية قد تكون سببًا في الإصابة بأمراض مثل السرطان.

الجدير بالذكر أن تأثير الإشعاع المؤين يعتمد على الجرعة المتلقاة. في الجرعات المنخفضة، تكون تأثيرات الإشعاع ضئيلة، ولكن مع التعرض المستمر أو الجرعات العالية، تزداد المخاطر الصحية.

2. الإشعاع في الطبيعة وتأثيراته

الإشعاع الذي ينبعث من المواد المشعة الطبيعية داخل أجسامنا مثل البوتاسيوم والكربون 14، على الرغم من كونه منخفض المستوى، فإنه يعكس حقيقة أن جسم الإنسان لا يعيش في فراغ، بل هو جزء من بيئة مملوءة بالإشعاعات الطبيعية. ومع ذلك، فإن التأثيرات الصحية لهذه الإشعاعات تعتبر ضئيلة وغير مؤثرة بشكل ملحوظ.

الخرافات والمفاهيم الخاطئة حول إشعاع جسم الإنسان

يجب أن نكون حذرين من المفاهيم الخاطئة التي قد تنتشر حول إشعاع جسم الإنسان. واحدة من أكثر الخرافات شيوعًا هي أن الجسم البشري يعرض إشعاعًا ضارًا. الواقع هو أن الإنسان يبعث فقط إشعاعات في حدود مستويات غير ضارة. لا يتم “تشعيع” الجسم البشري بشكل يؤدي إلى خطر على الصحة إلا في حالات معينة مثل التعرض لإشعاع مؤين في بيئات مثل المستشفيات أو أماكن العمل التي تحتوي على معدات إشعاعية.

كما أن هناك من يربط بين إشعاعات الجسم البشري وبين قوى خارقة للطبيعة، مثل استخدام “الإشعاع” في العلاجات البديلة أو الأساليب الروحية. هذه الاعتقادات لا أساس لها علمياً ولا تعتمد على بيانات دقيقة أو تجارب قابلة للتحقق.

إدارة التأثيرات السلبية للإشعاع

على الرغم من أن الإشعاع الطبيعي الذي ينبعث من الجسم ليس له تأثير سلبي، إلا أن الإنسان يتعرض في حياته اليومية للكثير من الإشعاعات الأخرى مثل الأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية. من المهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل التعرض لهذه الأنواع من الإشعاع، خاصة في الأماكن الطبية أو البيئات التي تحتوي على مواد مشعة.

من بين التدابير الوقائية التي يمكن اتباعها:

1. الحد من التعرض للأشعة السينية: في البيئات الطبية، يجب أن تكون الفحوصات الإشعاعية مثل الأشعة السينية مقيدة بالحاجة الماسة فقط.

2. حماية البشرة من الأشعة فوق البنفسجية: استخدم واقيات الشمس لحماية البشرة من الأشعة فوق البنفسجية التي قد تؤدي إلى سرطان الجلد.

3. المتابعة الدورية في البيئات الملوثة إشعاعياً: في حال كان الشخص يعمل في بيئات تحتوي على إشعاع، يجب عليه استخدام المعدات الواقية مثل الملابس الواقية والخوذات.

خلاصة

إشعاع الجسم البشري هو ظاهرة طبيعية لا تشكل خطراً على الصحة طالما أن مستوى هذا الإشعاع يظل ضمن الحدود الطبيعية وغير المؤينة. معظم المخاوف المرتبطة بالإشعاع تنبع من الجهل أو المفاهيم الخاطئة حول هذا الموضوع. بما أن الإنسان يبعث إشعاعات غير مرئية مثل الأشعة تحت الحمراء نتيجة للحرارة الناتجة عن العمليات البيولوجية، فإن هذه الإشعاعات لا تشكل تهديداً.

إلا أن هناك حاجة لفهم دقيق للتأثيرات المحتملة للإشعاعات المؤينة وكيفية التحكم فيها في حياتنا اليومية، سواء في البيئات الطبية أو أثناء التعرض لعوامل بيئية تحتوي على مواد مشعة.