إدريس البصري: قوة السياسة المغربية

إدريس البصري: مسيرة سياسية وحياة مليئة بالتحديات في المغرب

يعتبر إدريس البصري من أبرز الشخصيات السياسية المغربية التي لعبت أدواراً محورية في تاريخ المغرب الحديث، خاصة خلال فترة حكم الملك الحسن الثاني. كان البصري شخصية معقدة تجمع بين قوة الحضور والذكاء السياسي، مما جعله من الأسماء التي لا تُنسى في المشهد السياسي المغربي، رغم الجدل الذي رافق مسيرته.

النشأة والبدايات

ولد إدريس البصري في مدينة فاس عام 1933، في بيئة محافظة وتقاليد عريقة، حيث تلقى تعليماً جيداً مكنه من الانخراط في الحياة السياسية بسرعة. تأثر البصري في شبابه بالحركات الوطنية التي نادت بالاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وشارك في العديد من الأنشطة الوطنية التي كان لها دور في إنهاء الاستعمار في المغرب عام 1956.

مع استقلال المغرب، بدأ إدريس البصري مسيرته المهنية في الإدارة الحكومية، حيث التحق بوزارة الداخلية، التي كانت آنذاك مركزاً قوياً للسلطة في البلاد، وكان ذلك بداية انطلاقته السياسية.

الصعود السياسي

شهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي صعود إدريس البصري في المناصب السياسية، حيث شغل مناصب هامة في وزارة الداخلية، وكان معروفاً بأنه اليد اليمنى للملك الحسن الثاني في ملفات الأمن والسياسة الداخلية. من خلال عمله في الوزارة، تمكن من بناء شبكة واسعة من العلاقات مع كبار المسؤولين والمخابرات، مما ساعده على تعزيز نفوذه بشكل كبير.

كان إدريس البصري أحد أهم الوجوه التي ساهمت في مكافحة المعارضة السياسية، وخاصة الأحزاب والمنظمات التي كانت تطالب بإصلاحات ديمقراطية أو حقوق إنسان أوسع، وهو الأمر الذي جعله محل نقد كبير من طرف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

دوره في ملفات الأمن والسياسة الداخلية

تولى البصري ملفات حساسة في الدولة، مثل الأمن الداخلي ومراقبة التيارات السياسية المختلفة، خاصة في فترة شهدت محاولات انقلاب ضد الملك الحسن الثاني في السبعينيات. كان دوره محورياً في إفشال هذه المحاولات، وأثبت نفسه كضابط أمن مخضرم يمتلك قدرات استخباراتية عالية.

من أبرز الملفات التي ارتبط اسمه بها ملف “المخزن” المغربي، وهو نظام الحكم المركزي الذي يعتمد على جهاز أمني قوي للسيطرة على الشأن الداخلي، إذ كان البصري من أبرز المدافعين عنه وممارسيه. وتميزت هذه المرحلة بسياسة أمنية صارمة، قمع خلالها أي محاولة معارضة، مما أكسبه سمعة قوية لدى السلطة، وسمعة سلبية لدى معارضيه.

فترة وزارة الداخلية

في عام 1985، تم تعيين إدريس البصري وزيراً للداخلية، وهو المنصب الذي جعله يتحكم في السياسة الداخلية للمغرب بشكل مباشر. تحت إشرافه، استمرت الدولة في فرض قبضتها على المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، وواصلت السلطات سياسة مراقبة المواطنين والسيطرة على الأحداث السياسية والاجتماعية.

تميزت فترة ولايته بسيطرة أمنية مشددة، لكنه في الوقت نفسه شهدت بعض المحاولات الإصلاحية الجزئية التي جرت بتوجيهات من الملك الحسن الثاني، والتي تهدف إلى تجنب الانفجارات الاجتماعية والسياسية التي كانت تهدد استقرار البلاد.

التحديات والجدل

أثارت شخصية إدريس البصري جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث يعتبره البعض رمزاً للسلطة الأمنية القمعية التي اتبعت أساليب قاسية في إدارة الشأن الداخلي، فيما يراه آخرون رجل دولة حافظ على الاستقرار في ظروف صعبة للغاية.

ومن أبرز التحديات التي واجهها إدريس البصري كانت أزمته الصحية التي تعرض لها في أواخر التسعينيات، والتي أدت إلى تقليل حضوره السياسي تدريجياً، وفتح المجال لوجوه جديدة داخل السياسة المغربية.

كما اتُهم البصري في أوقات مختلفة بتورطه في قضايا فساد وسوء استغلال للسلطة، إلا أن هذه الاتهامات لم تثبت بشكل رسمي، وظلت جزءاً من صورة معقدة عن رجل سياسي يمزج بين الكفاءة والجدل.

الإرث السياسي

يبقى إدريس البصري شخصية محورية لفهم السياسة المغربية في القرن العشرين، فهو يمثل نموذجاً من رجال السلطة الذين أسسوا قواعد النظام السياسي المغربي الحديث. يمكن النظر إلى البصري على أنه من صانعي الاستقرار في دولة عرفت العديد من الأزمات السياسية، ولكنه في الوقت نفسه مثال على الأجهزة الأمنية التي استخدمت أساليب صارمة وأحياناً غير قانونية في مواجهة المعارضين.

يرتبط اسم إدريس البصري بالعديد من القضايا السياسية والأمنية التي شكلت مسار المغرب الحديث، ويعتبر جزءاً من تاريخ سياسي لا يمكن تجاهله عند دراسة تطور النظام السياسي المغربي، خاصة في ظل التحولات التي عرفها المغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني وتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم.

الجدول التالي يوضح أبرز محطات إدريس البصري السياسية:

مصادر ومراجع

• عبد الله العروي، “السلطة والسياسة في المغرب”، دار النشر المغربية، 2008.

• محمد بنحمو، “تاريخ المغرب الحديث: من الاستقلال إلى الحاضر”، المركز العربي للدراسات، 2014.

في المجمل، يعكس إدريس البصري صورة رجل دولة مغربي قاد ملفات الأمن والسياسة الداخلية في أوقات صعبة، حيث فرضت عليه الظروف أن يتخذ قرارات صعبة شكلت جزءاً من معادلة الاستقرار السياسي في المغرب لعقود. وعلى الرغم من الجدل الذي يحيط به، فإن دراسة مسيرته تكشف الكثير عن طبيعة السياسة المغربية خلال القرن العشرين.