كيف أثبت ماجلان كروية الأرض؟
تُعد رحلة البحار البرتغالي فرناندو ماجلان واحدة من أروع الإنجازات التي حققتها البشرية في القرن السادس عشر. ففي وقتٍ كانت فيه العديد من المعتقدات السائدة تؤكد أن الأرض مسطحة، أثبت ماجلان أن الأرض كروية الشكل من خلال رحلته البحرية التاريخية التي قادها حول العالم. هذه الرحلة لم تكن مجرد مغامرة بحرية عادية، بل كانت بمثابة اختبار علمي هائل قاد إلى تغيير جذري في فهمنا للعالم ولشكل الأرض. في هذا المقال، سنستعرض كيف كانت رحلة ماجلان وطرق الإثبات التي اعتمد عليها في تأكيد كروية الأرض.
خلفية تاريخية
قبل انطلاق رحلة ماجلان، كان العالم في حالة من الانقسام حول طبيعة الأرض. على الرغم من أن الفلسفة الإغريقية القديمة قد أشارت إلى كروية الأرض منذ قرون، إلا أن المفاهيم السائدة في العصور الوسطى، خاصة في أوروبا، كانت تصوّر الأرض على أنها مسطحة. هذه الرؤية السائدة كانت تدعمها الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تروج لفكرة الأرض المسطحة، في حين أن العديد من العلماء مثل بطليموس وأرسطو كانوا قد قدموا أدلة على كروية الأرض منذ القدم.
ومع بداية عصر الاستكشافات في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بدأ الأوروبيون في البحث عن طرق للوصول إلى مناطق جديدة على الأرض، مما دفعهم إلى التفكير في إمكانية اكتشاف طرق جديدة حول الكوكب. في هذا السياق، جاء ماجلان، الذي كان طموحه الرئيسي هو إيجاد طريق بحري إلى جزر التوابل في الشرق.
بداية رحلة ماجلان
في عام 1519، قرر ماجلان، الذي كان في خدمة التاج البرتغالي ثم انضم إلى التاج الإسباني، أن يواجه تحدي اكتشاف طريق إلى جزر مالوكو (المعروفة الآن بإندونيسيا) عبر المحيط الغربي. هذه الرحلة كانت خطوة جريئة تتحدى المعتقدات السائدة في عصره حول المسافة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.
قاد ماجلان أسطولاً مكوناً من خمس سفن (سان أنطونيو، فيكتوريا، كونسيبسيون، سانتياغو، وريسولوتا) نحو الغرب. بعد شهور من الإبحار في المحيط الأطلسي، وصلوا إلى سواحل أمريكا الجنوبية في المنطقة التي تسمى الآن مضيق ماجلان، وهو الممر المائي الذي يفصل بين القارة الأمريكية الجنوبية والقطب الجنوبي.
الرحلة حول الأرض
من خلال عبور المحيط الهادئ، أصبح ماجلان وطاقمه أول من يبحر في هذه المنطقة غير المعروفة بالنسبة للعالم الغربي. الرحلة عبر المحيط الهادئ كانت طويلة وصعبة للغاية، حيث عانى الطاقم من نقص في الطعام والمياه. ومع ذلك، وصلوا في النهاية إلى جزر الفلبين، حيث توفي ماجلان خلال صراع مع السكان المحليين في 1521.
رغم وفاة ماجلان، استمرت الرحلة تحت قيادة الإسباني خوان سباستيان إلبان. السفينة الوحيدة التي نجت من الرحلة كانت “فيكتوريا”، التي أكملت الرحلة إلى أسبانيا في 1522. وبذلك أصبح إلبان والطاقم الآخر أول من أكمل دائرة حول الأرض، مما أثبت بشكل عملي أنه يمكن الإبحار حول كوكب الأرض. عادت السفينة إلى أسبانيا بعد ثلاث سنوات من انطلاقها، محققةً إنجازاً عظيماً.
الدلائل التي قدمتها رحلة ماجلان
رغم أن ماجلان لم يتمكن من العودة إلى أسبانيا بنفسه، فقد كانت رحلته أول دليل ملموس على كروية الأرض. فقد لُوحظ خلال هذه الرحلة العديد من الظواهر التي لا يمكن تفسيرها إلا إذا كانت الأرض كروية الشكل:
-
التغيير المستمر في موقع النجوم: أثناء الرحلة، اكتشف الطاقم أن النجوم التي كانت مرئية في السماء في نصف الكرة الأرضية الغربي لم تكن مرئية في نصف الكرة الشرقي. كان هذا التغيير دليلاً على أن السفن كانت تتحرك عبر سطح كروي.
-
الانتقال عبر خطوط العرض: كلما ابتعدوا عن خط الاستواء في اتجاه الشمال أو الجنوب، كان موقع النجوم يختلف. كانت هذه الملاحظة مهمة للغاية، حيث كانت تدل على أن الأرض ليست مسطحة، بل كروية.
-
العودة إلى النقطة التي انطلقوا منها: عندما أكمل طاقم ماجلان دورته حول الأرض وعاد إلى النقطة التي بدأوا منها، كان هذا الدليل القوي على أن الأرض ليست مسطحة. فكرة العودة إلى نفس المكان بعد السفر حول سطح كروي كانت من أرقى الأدلة التي قدمها ماجلان.
الرحلة والتأثير على العلم
لم تكن رحلة ماجلان مجرد رحلة بحرية عادية، بل كانت بمثابة اختبار لعدة أفكار علمية كانت سائدة في ذلك الوقت. قبل ماجلان، كانت العديد من النظريات حول الأرض قديمة وغير مدعومة بتجربة فعلية. لكن بعد إتمام الرحلة حول العالم، باتت الأدلة الواقعية تدعم الفكرة القائلة بكروية الأرض. بفضل هذه الرحلة، كانت فكرة كروية الأرض أكثر قبولاً في الأوساط العلمية، وقد ساهمت في إزالة الغموض عن الأرض وشكلها.
ما بعد الرحلة: ماجلان في الذاكرة العلمية
بعد عودة ماجلان والطاقم الذين أكملوا رحلته، بدأ العالم يتجه بشكل أكبر نحو قبول فكرة كروية الأرض. كانت هذه الرحلة بداية لتحولات كبيرة في العلم والجغرافيا، حيث أظهرت للناس أن الأرض ليست مسطحة كما كان يُعتقد. لكن رحلة ماجلان لم تكن نهاية المطاف، بل كانت نقطة انطلاق لمزيد من الاستكشافات والتجارب العلمية التي عمقت الفهم حول كوكبنا.
في الختام، يمكن القول إن ماجلان قد أسهم بشكل كبير في تغيير المعتقدات الجغرافية السائدة في عصره. من خلال رحلته الاستكشافية التي حولت فهم البشرية لكوكب الأرض، أصبح ماجلان واحداً من أعظم الرحّالة الذين ساعدوا في تثبيت حقيقة كروية الأرض على مر العصور.
