أيام التشريق

تُعدُّ أيام التشريق من أهم الأيام في مناسك الحج، وتحمل مكانة عظيمة في الإسلام، حيث يؤدي الحجاج خلالها العديد من الشعائر التي تكمّل مناسكهم وتُقربهم من الله تعالى. هذه الأيام تقع بعد يوم النحر، وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهي التي يُكمل فيها الحجاج مناسكهم، خاصة من وقفوا بعرفة وأدّوا رمي الجمرات، وأيضا لمن أدى الحج تمتع أو قران أو إفراد.

تعريف أيام التشريق وأهميتها في الحج

أيام التشريق هي ثلاثة أيام تبدأ من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة بعد عيد الأضحى، وتستمر إلى اليوم الثالث عشر من نفس الشهر. تسمى هذه الأيام بهذا الاسم نسبةً إلى “التشريق”، وهي عملية قطع اللحم إلى شرائح وتكويره على النار، إذ كان العرب قديماً يشرّقون لحوم الأضاحي في هذه الأيام ويأكلونها.

هذه الأيام ليست فقط فرصة لتناول لحم الأضاحي بعد ذبحها، بل هي أيام من العبادة والطاعة تتضمن مناسك خاصة مرتبطة بالحج، مثل رمي الجمرات التي تُعدّ من أركان الحج الأساسية.

موعد أيام التشريق وأحداثها الزمنية

تبدأ أيام التشريق بعد يوم النحر (العاشر من ذي الحجة) وهو يوم عيد الأضحى المبارك، حيث يتم ذبح الأضاحي كأحد الشعائر الكبرى التي تؤدى في هذا اليوم. بعد ذلك تأتي أيام التشريق في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.

الترتيب الزمني لأيام التشريق

يختلف أداؤها باختلاف نوع الحج، فقد يبيت الحاج في منى أو يرجع إلى مكة، حسب نوع الحج وما إذا كانت هذه هي آخر أيام الحج بالنسبة له.

شعائر وأعمال أيام التشريق

تتضمن أيام التشريق مجموعة من الشعائر التي يجب على الحاج أداؤها كاملاً، منها رمي الجمرات وذبح الأضاحي، وكذلك التهليل والتكبير والذكر المستمر. ويمتاز الحاج في هذه الأيام بالصبر والتحمل، إذ إن رمي الجمرات قد يكون مصحوباً بزحام شديد وظروف من الحرّ والتعب.

رمي الجمرات

يعتبر رمي الجمرات من أهم الأعمال في أيام التشريق، وهو رمي الحصيات على ثلاث ركامات تمثل رموز الشيطان: جمرة العقبة الكبرى، وجمرة الوسطى، وجمرة الصغرى.

• في اليوم الحادي عشر (أول أيام التشريق)، يرمي الحاج فقط جمرة العقبة الكبرى.

• في اليوم الثاني عشر، يرمي الحاج الثلاث جمرات: الصغرى، والوسطى، والعقبة الكبرى.

• في اليوم الثالث عشر، يستمر برمي الجمرات الثلاث، وإن ترك اليوم الثالث عشر وجب عليه أن يكمل رمي الجمرات في هذا اليوم.

يُشترط أن يكون رمي الجمرات بالحجارة الصغيرة، ومن ترك رمي جمرات أيام التشريق بغير عذر وجب عليه دم.

الذبح والتضحية

يأتي ذبح الأضاحي بعد صلاة عيد الأضحى (يوم النحر)، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، كما يُعتبر من أسباب قبول الحج وتكملة المناسك. وبعد ذبح الأضحية، تبدأ أيام التشريق بحل الإحرام وتحلل الحاج من بعض الممنوعات مثل حلق الشعر أو تقصيره، مع بقاء بعض أحكام الإحرام حتى إتمام رمي الجمرات.

التكبير والتهليل والذكر

تتميز أيام التشريق بكثرة التكبير والتهليل والذكر، حيث يُسنّ للحجاج أن يكثروا من التكبير بعد كل صلاة، ويقولوا: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.” كما يُسنّ ترديد التهليل والتسبيح بشكل دائم، وهو من الأعمال التي تزيد من تقرب العبد إلى ربه في هذه الأيام المباركة.

الأحكام الفقهية المتعلقة بأيام التشريق

تتحدد الأحكام الشرعية لأيام التشريق حسب نوعية الحج التي يؤديها الحاج (تمتع، قران، إفراد)، وتؤثر على مدة الإحرام ومتى يحل له التحلل من بعض المحظورات.

التمتع

في حج التمتع، يُحل للحاج التحلل من الإحرام بعد ذبح الهدي في يوم النحر (العاشر من ذي الحجة)، فيبدأ بعدها بأداء بقية مناسك الحج مثل الطواف والسعي. ويستمر في الإحرام حتى ينهي رمي الجمرات في أيام التشريق.

القران

في حج القران، لا يخرج الحاج من الإحرام إلا بعد إتمام رمي الجمرات في يوم الثالث عشر من ذي الحجة، ولا يجوز له التحلل قبل ذلك. ويُبقى على الإحرام حتى الانتهاء من جميع أعمال الحج.

الإفراد

في الإفراد، يُحرم الحاج من مكة فقط للحج، ويستمر في الإحرام حتى الانتهاء من رمي الجمرات، ولا يحل له التحلل حتى ذلك الوقت.

دم الإفاضة

إذا ترك الحاج رمي الجمرات في أي من أيام التشريق، فلا بد له من ذبح دم (كبش أو ما يُعادل ذلك) تعويضاً عن التقصير.

الحكمة من تشريع أيام التشريق

تُعد أيام التشريق فترة للعبادة والتقرب إلى الله بعد إتمام ركن الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة، فهي أيام تحمل دلالات روحية عميقة تمثل الصبر، والطاعة، والتضحية، والتكبير. كذلك، تمثل هذه الأيام فترة لاستكمال مناسك الحج وأداء ما فُرض من أفعال لازمة حتى إتمام الحج.

كما أن تسمية “التشريق” تحمل دلالة اجتماعية كانت تتمثل في اجتماع الناس على الأضحية وتقاسمها، مما يعزز قيم التعاون والتكافل بين المسلمين.

المعاناة والتحديات خلال أيام التشريق

تتميز هذه الأيام بزحمة كبيرة نظراً لتواجد أعداد هائلة من الحجاج، مما يسبب ضغطاً شديداً على الخدمات والمرافق. كما أن الرمي في منى وسط الزحام والحرارة العالية يحتاج إلى جهد بدني كبير، مما يتطلب من الحجاج الصبر والتحمل مع الحفاظ على التركيز وعدم الانشغال.

توفر السلطات السعودية تنظيمات متقدمة لضمان سلامة الحجاج وتقليل مخاطر الازدحام، منها تخصيص ممرات ومواعيد محددة للرمي، واستخدام تقنيات حديثة في المراقبة.

اختلاف آراء العلماء حول أيام التشريق

على الرغم من الاتفاق العام على أركان ومناسك أيام التشريق، إلا أن هناك بعض الاختلافات الفقهية بين المذاهب الإسلامية فيما يتعلق بتفاصيل معينة:

• بعض العلماء يرون أنه لا يجوز للمحرم أن يقصر شعره أو يحلقه قبل الانتهاء من رمي الجمرات.

• بعض الفقهاء يجيزون بعض أنواع التحلل في أيام التشريق حسب نوع الحج.

• المسألة المتعلقة بدم الإفاضة تختلف في التفصيلات بين الحنفي والشافعي والحنبلي، لكنها متفق عليها في المبدأ.

ومع ذلك فإن جوهر الأحكام واضح ولا خلاف عليه في وجوب رمي الجمرات، والتكبير، وذبح الأضحية، والتمسك بأحكام الإحرام حتى انتهاء المناسك.

جدول يوضح أهم مناسك أيام التشريق

الخلاصة

تُشكل أيام التشريق جزءاً لا يتجزأ من مناسك الحج، تحوي الكثير من الشعائر والأعمال التي تُثبت الإيمان وتُعبّر عن طاعة الله والتزام الحاج بأوامره. في هذه الأيام، يتعلم المسلمون الصبر، والتضحية، والعبادة المستمرة، وسط ظروف من التعب والضغط، ليكملوا مناسكهم في جوّ روحي إيماني عميق. معرفة تفاصيل هذه الأيام وأحكامها ضرورية لكل حاج أو معتمر يريد أداء مناسك الحج على الوجه الصحيح.

تأتي أهمية أيام التشريق في كونها أيام إكمال المناسك التي تبدأ من الوقوف بعرفة وحتى الانتهاء من رمي الجمرات، وتمثل توثيقاً عملياً لمسيرة الحج التي تبدأ بالإحرام وتنتهي بالتحلل الكامل بعد استكمال الشعائر. هذه الأيام هي أيضاً تذكير بقيم التضحية والتكبير التي توحد قلوب المسلمين حول شعيرة الحج المقدسة، وهي التي تربط المسلمين برسالة النبي إبراهيم عليه السلام وأبنائه في طاعة الله سبحانه وتعالى.

المراجع:

1. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، الطبعة 15، 2013.

2. موسوعة مناسك الحج والعمرة، مركز الفقه الإسلامي، المملكة العربية السعودية، 2020.