أول من ينشق عنه القبر

في العقيدة الإسلامية، مسألة البعث والنشور بعد الموت من أهم القضايا التي تناولها القرآن الكريم والسنة النبوية، إذ يشكل الإيمان بهذه المسألة ركنًا أساسيًا من أركان الإيمان. واحدة من الوقائع التي تحدث بعد الوفاة والتي ذُكرت في التراث الإسلامي هي انشقاق القبر عن صاحبها، وهي مرحلة هامة ضمن مراحل القيامة الكبرى والصغرى، حيث تبدأ النفس بالخروج من القبر استعدادًا للحساب. ومن بين هذه المراحل يطرح سؤال من يكون أول من ينشق عنه القبر؟ وهذا موضوع يستحق التوسع من ناحية الشرع، والعلوم الإسلامية، وكذلك من الناحية الفقهية والروحية.

مفهوم انشقاق القبر في الإسلام

انشقاق القبر في الإسلام يعني ظهور صدع أو انفصال في التراب الذي يحيط بجسد الميت داخل القبر، وهو علامة على بدء خروج الروح أو النفس من القبر تمهيدًا للبعث. وقد ورد في بعض الأحاديث النبوية والإشارات القرآنية ما يدل على هذه الحالة، وقد اعتبرها العلماء من علامات القبر التي تتبع الوفاة والانتقال إلى عالم البرزخ.

البرزخ هو مرحلة زمنية بين الموت والبعث، يعيش فيها الإنسان حياته بعد الموت في مكان غير مرئي للأحياء، ثم بعد ذلك يبعث الله الناس ليحاسبهم على أعمالهم. في هذه المرحلة يبدأ الإنسان يشعر بحالته في القبر، فيؤثر ذلك في انشقاق القبر كعلامة على ما ينتظره الإنسان بعد الموت.

من هو أول من ينشق عنه القبر؟

في التراث الإسلامي، وردت عدة أقوال تتعلق بمن يكون أول من يُنشق عنه القبر، والحديث عن ذلك يعود إلى النصوص النبوية التي ذُكرت في كتب السنة والتفسير. وأكثر ما يذكر في هذا السياق هو أن أول من ينشق عنه القبر هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تليه الأنبياء والصالحون.

1. النبي محمد صلى الله عليه وسلم

جاء في بعض المصادر الحديثية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر، وذلك لما له من مكانة عظيمة في الإسلام، وفضل عظيم عند الله، إذ هو خاتم الأنبياء والمرسلين. ويُعتقد أن انشقاق القبر عنه لا يعني فقط خروج روحه، بل إشارة إلى مكانته العالية بين خلق الله، وأنه أول من يبعث يوم القيامة.

وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “أول من يُبعث يوم القيامة أنا” (رواه البخاري ومسلم)، وهذا يدل على تقدمه في البعث. كما أن انشقاق القبر هو جزء من هذه العملية، حيث يكون هو أول من يتحرك من بين الأموات.

2. الأنبياء والمرسلون

بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يُعتقد أن الأنبياء والرسل هم الذين ينشق عنهم القبر أيضًا، وذلك لأنهم أصحاب رسالة الله المباشرة، وهم المكرمون في الدنيا والآخرة. الأنبياء من قبله، مثل إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، لهم مكانة عظيمة، ومن المتوقع أن يبدأ البعث لهم بعد النبي محمد.

3. الصالحون والأتقياء

بعد الأنبياء، يأتي دور الصالحين من المؤمنين الذين عاشوا حياة طاهرة ومستقيمة، وقد ثبت لهم أجرهم عند الله، ويكون لهم انشقاق في قبورهم يشير إلى قرب البعث والنشور. هذا الانشقاق يختلف في مظاهره من شخص لآخر حسب تقواه وأعماله.

دلالات انشقاق القبر

انشقاق القبر له عدة دلالات روحانية وعقائدية في الإسلام، منها:

• علامة على البعث والنشور: يدل انشقاق القبر على بداية رحلة الإنسان في العالم الآخر بعد الوفاة، وهو انتقال من حياة البرزخ إلى حياة الآخرة.

• تأكيد على الحقيقة الغيبية: انشقاق القبر يؤكد للإنسان حقيقة عالم البرزخ، وعالم الآخرة، وأن الموت ليس النهاية بل بداية لحياة جديدة.

• تفاوت الأحوال بين الناس: اختلاف انشقاق القبور وطرقها دلالة على اختلاف أحوال الناس وأعمالهم، فالصالحون ينشق قبرهم انشقاقًا جميلاً، والظالمون قد يكون انشقاق قبرهم مؤلمًا.

انشقاق القبر في القرآن الكريم والسنة النبوية

لا يوجد نص قرآني صريح يذكر عبارة “انشقاق القبر” بشكل مباشر، لكن هناك آيات تصف حالة الموت والبعث والانتقال من هذه الحياة إلى الآخرة، والتي تدل ضمنيًا على هذه الظاهرة.

في السنة النبوية، وردت إشارات كثيرة عن مراحل الموت والقيامة، منها ما جاء في الحديث عن ملك الموت، وطرائق خروج الروح، وظهور علامات الساعة.

من الأحاديث التي تلمح إلى انشقاق القبر وأحداث ما بعد الموت:

• حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن المؤمن إذا وضع في قبره وتلاه الناس حتى ينصرفوا، أتته ملائكة بيض الوجوه، طيبو الريح، فيقعدوه فيقولون له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد بدل الله به مقعدًا من الجنة” (رواه الترمذي والنسائي).

هذا الحديث يشير إلى أن ثمة تغييرات وتفاعلات تحصل في القبر بعد وفاة الإنسان، قد يكون انشقاق القبر أحد مظاهرها التي تحدث أثناء هذا اللقاء.

الجانب الروحي والفلسفي لانشقاق القبر

انشقاق القبر لا يُفهم فقط كحالة فيزيائية مادية، بل يحمل رمزية عميقة في الفكر الإسلامي، فهو يشير إلى انفصال الروح عن الجسد، وبدء مرحلة جديدة في حياة الإنسان، وهي مرحلة البرزخ التي تكون مرحلة انتظار الحساب.

الانشقاق هنا رمز للبداية الجديدة، حيث يغلق الإنسان صفحة الدنيا ويبدأ صفحة الآخرة، وهو أيضًا بمثابة تحذير للبشر للتمعن في حقيقة الموت وأثر أعمالهم.

مظاهر انشقاق القبر وتأثيرها على الميت

العلم الحديث لم يثبت وجود ظاهرة انشقاق القبر كما توصف في النصوص الدينية، لأن هذا الأمر مرتبط بعالم الغيب الذي لا يدركه العلم المادي، لكن النصوص الدينية تذكر أن انشقاق القبر هو من العلامات الغيبية التي تخص الحياة بعد الموت.

الانشقاق يُقال إنه قد يكون ظاهرًا لبعض الناس في رؤى أو في عالم البرزخ، أما على الأرض فلا يشاهد بشكل مادي، لكنه حقيقة غيبية تدل على رحيل الروح.

جدول يوضح أول من ينشق عن قبره بحسب الفئات

أهمية الإيمان بالبعث وانشقاق القبر

الإيمان بأن القبر ينشق لأول مرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم عن الأنبياء والصالحين يعزز الإيمان بالآخرة والجزاء، ويدعو الإنسان إلى الاستعداد للقاء الله بأعمال صالحة. هذه العقيدة تزرع الخشية والرجاء في نفس المؤمن، وتجعله يعيش حياة مبنية على القيم الأخلاقية والدينية.

كما أن الاعتقاد بهذه الحقيقة يطمئن النفس إلى أن الموت ليس النهاية، بل مرحلة انتقالية إلى حياة أبدية، مما يخفف من رهاب الموت ويعزز الصبر والرضا.

مصادر ومراجع

• كتاب “المنتقى من الفتن” لابن الجوزي

• تفسير الطبري، الطبعة الحديثة

• صحيح البخاري ومسلم، الأحاديث المتعلقة بالموت والبعث

• “الميزان في تفسير القرآن” للسيد الطباطبائي

يُظهر هذا المقال جانباً عميقاً من العقيدة الإسلامية حول موضوع انشقاق القبر وأول من ينشق عنه، حيث تبرز هذه الظاهرة كجزء أساسي من الإيمان بالغيب، وبداية رحلة الإنسان نحو الحساب والجزاء في الآخرة، مع التأكيد على مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كأول من يُبعث وينشق عنه قبره.