أول من قال السلام عليكم

يُعتبر السلام من أعظم القيم التي أرسى عليها الدين الإسلامي قواعد التواصل بين الناس، وهو تعبير يعكس الرحمة، والاحترام، والتآخي بين البشر. عبارة “السلام عليكم” ليست مجرد تحية عابرة بل هي تعبير شامل عن الأمان والمحبة والبركة، وهو ما جعلها من أهم السنن النبوية التي أمر الله بها عباده. في هذا المقال المفصل سنتناول موضوع “أول من قال السلام عليكم”، من حيث أصله اللغوي، ومكانته الدينية، وتاريخ نشأته، وكيف كان استخدامه في مختلف الحضارات، ثم انتقاله إلى الإسلام وكيف أسس النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنة العظيمة التي يستفيد منها المسلمون حتى يومنا هذا.

معنى السلام وأصوله اللغوية

كلمة “السلام” مشتقة من الجذر الثلاثي (س-ل-م) في اللغة العربية، الذي يحمل معانٍ متعددة تدور كلها حول الطمأنينة، والهدوء، والأمان. السلام يعني الخلو من الخطر، ومنه السلامة، حيث يكون الإنسان في حالة من الطمأنينة والراحة النفسية. في السياق الاجتماعي، “السلام عليكم” تعني “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، وهي دعوة بالسلام والرحمة والبركة لمن توجه إليه التحية.

التحية بالسلام هي أقدم صور التحايا الإنسانية، وتوجد بأشكال مختلفة في معظم الحضارات القديمة، ولكن الصيغة الإسلامية “السلام عليكم” هي الأميز لما تحمله من معانٍ دينية وروحية عميقة.

السلام في الحضارات القديمة

قبل ظهور الإسلام، كانت الشعوب تتبادل التحيات بطرق مختلفة تتناسب مع ثقافاتهم ومعتقداتهم. ففي الحضارة الفينيقية، كانوا يستخدمون رموزاً تدل على السلام والمحبة في تحياتهم، وفي الحضارة الرومانية، كانت التحيات تعبر عن الاحترام الاجتماعي والسياسي. أما في الجزيرة العربية قبل الإسلام، فقد كانت التحيات تتنوع بين الناس على حسب القبائل والعادات، ومن بينها السلام، لكنه لم يكن بالصورة التي عرفها الإسلام.

في الجاهلية، كان الترحاب والتحية يتم في الغالب من خلال كلمات مثل “مرحبا” أو “هلا” أو تحيات أخرى ذات طابع قبلي. وكان للسلام كعبارة محددة ذات معنى روحي وثقافي كما في الإسلام دور محدود أو غير مؤطر في أغلب الأحيان.

أول من قال السلام عليكم في الإسلام

يُروى أن أول من بدأ باستخدام عبارة “السلام عليكم” كتحية إسلامية هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شرّفها وأكرمها بالدعوة إلى استخدامها بين المسلمين لما فيها من رسالة عظيمة في بناء الألفة والأخوة والمحبة.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالسلام عند اللقاء والوداع، وأكد على أن السلام من أعظم أسباب البركة والخير، ففي الحديث الشريف:

“تَبَادَلُوا السَّلَامَ تَبْرَؤُوا” (رواه مسلم).

كما أن النبي محمد كان أول من جعل من السلام تحية إسلامية موحدة تجمع بين أهل الإيمان، وكان يرددها بنفسه في مواقف كثيرة، مما رسخها كأحد السنن العظيمة التي اتبعها المسلمون عبر العصور.

يمكن القول إن السلام كان تحية مألوفة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو من أضفى عليها الطابع الديني الروحي، وأمر بأن تكون علامة من علامات الإيمان والتآخي بين المسلمين.

مكانة السلام في الإسلام وأهميته

السلام في الإسلام ليس مجرد كلمة بل هو عنوان أخلاقي وديني له دلالات عميقة في القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد جعل الله السلام من أسماءه الحسنى ومن صفات المؤمنين.

في القرآن الكريم:

ورد ذكر السلام في عدة آيات، منها قوله تعالى:

“وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” (النساء: 86).

وتدل هذه الآية على أهمية المبادرة بالسلام والرد عليه بأفضل منه، ما يبرز مكانة السلام كوسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية.

في السنة النبوية:

حث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على المبادرة بالسلام في كل الأوقات، وجعل السلام سبباً لزيادة المحبة والسلام بين الناس، وأمر كذلك بأن يكون السلام عنوان بداية اللقاء ونهايته.

ومن الأحاديث النبوية:

“أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ” (رواه مسلم).

أي أن السلام هو رسالة نشر محبة ورحمة بين القلوب.

كيف انتشر السلام وتحول إلى تحية عالمية

انتشر الإسلام في شتى بقاع الأرض، ومعه انتشرت تحية السلام “السلام عليكم” كأحد أهم مظاهر الهوية الإسلامية. أصبح المسلمون في كل مكان يستخدمون هذه العبارة في تحياتهم اليومية، مما جعلها تحية إسلامية عالمية تعكس القيم التي جاء بها الإسلام.

خارج المسلمين، بدأ الناس بالتعرف على تحية السلام ومعناها، وأصبح كثير من غير المسلمين يرددونها احتراماً للمسلمين ولثقافتهم. كما أن معاني السلام كقيمة عالمية جعلتها تحية تتجاوز حدود الدين لتصل إلى عالم الإنسانية.

السلام والتآخي بين المسلمين

يعمل السلام على تعزيز التآخي بين المسلمين ويزيد من أواصر المحبة بينهم، فهو من أبرز وسائل التواصل الاجتماعي في الإسلام التي تجعل العلاقة بين المسلمين علاقة أخوة وتراحم.

وقد أجمع العلماء على أن السلام من الأمور التي تقرب الإنسان إلى الله، وتجلب له المحبة في الأرض.

السلام في الفقه الإسلامي

ينظر الفقهاء إلى السلام على أنه واجب ومندوب في كثير من الحالات، ويعد من آداب الإسلام التي ينبغي على كل مسلم مراعاتها. كما أن التحية بالسلام تدخل في باب الأدب الإسلامي والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

هناك أحكام خاصة بالسلام في الإسلام، منها:

• وجوب رد السلام: حيث يجب على المسلم أن يرد التحية إذا سلمه الآخر.

• مبادرة السلام: يُستحب أن يبادر المسلم بالسلام على الآخرين.

• تحية الجيران والأقارب: يُوصى بالإكثار من السلام بينهم.

• السلام في المساجد: له أوقات وأحكام خاصة، يُستحب أن يُقال السلام عند دخول المسجد وخروجه.

أهمية السلام في بناء المجتمعات الإسلامية

يساعد السلام في بناء مجتمع إسلامي متماسك ومتعاون، حيث تعمل التحية بالسلام على إزالة الحواجز النفسية بين الناس، وتوطيد الثقة بينهم، والحد من النزاعات والصراعات. فهي تبدأ العلاقة بين الناس بقيم الإحسان والرحمة.

هذا يجعل السلام أكثر من مجرد كلمة، بل هو أسلوب حياة يمارسه المسلمون في كل تعاملاتهم الاجتماعية.

جدول يوضح أهمية السلام وأحكامه في الإسلام

السلام في الحضارة الإسلامية عبر العصور

خلال العصور الإسلامية المختلفة، كانت تحية السلام من أهم مظاهر السلوك الاجتماعي بين المسلمين، وامتدت لتشمل رجال الدين والعلماء، والملوك والحكام، والناس العاديين.

في العصور الوسطى، كانت كلمة السلام معروفة في الرسائل والمكاتبات الرسمية، وكانت تعبر عن الأمن والأمان بين الدول والإمبراطوريات الإسلامية. كما أن السلام كان جزءاً من الأخلاق التي تُعلم في المدارس الإسلامية.

مع انتشار الإسلام في مناطق شتى من آسيا وأفريقيا وأوروبا، حافظ المسلمون على تحية السلام كرمز ديني واجتماعي، مما ساهم في توحيدهم بالرغم من اختلاف اللغات والثقافات.

السلام في الفكر الإسلامي الحديث

في العصر الحديث، أصبحت تحية السلام وسيلة من وسائل الحوار بين الأديان والثقافات، حيث يعبر المسلمون بها عن هويتهم وسلوكهم في محافل دولية.

كما أن السلام هو أحد أهم مبادئ الإسلام التي يدعو إليها في مواجهة العنف والكراهية، ولذلك استُخدمت تحية السلام كرمز للسلام العالمي والحوار بين الشعوب.

خلاصة

عبارة “السلام عليكم” ليست مجرد كلمة اعتدنا سماعها يومياً، بل هي أعظم تحية تحمل بين كلماتها رسالة روحية وأخلاقية واجتماعية. أول من قال السلام عليكم في معناها الإسلامي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعله عنواناً لأخلاق المسلم الحقيقية، ووسيلة لتحقيق التواصل والتراحم والمحبة بين الناس.

يرتبط السلام في الإسلام بقيم الرحمة والتسامح والتآخي، وهو من أساسيات العلاقة بين المسلمين، وله مكانة عظيمة في القرآن والسنة. بفضل هذا التحية، أصبح السلام أحد أهم أركان التواصل في المجتمع الإسلامي وفي العالم أجمع، لا سيما مع انتشار الإسلام وتلاقح الثقافات.

لذا فإن تحية السلام تمثل رمزاً خالدًا في التراث الإسلامي، تُعلم الأجيال على قيم المحبة والتسامح، وتبقى مفتاحًا لكل علاقة إنسانية سليمة تستند إلى الطمأنينة والأمان والبركة.