أول ما خلقه الله

أول شيء خلقه الله: دراسة عميقة عن خلق الكون ونشأته

منذ بداية الفكر البشري، حاول الإنسان فهم أصل الكون ومصدره. بين الأساطير والمعتقدات الدينية والعلمية، تباينت القصص والرويات حول بداية الخلق. في الإسلام، يتجسد معنى الخلق في مفهوم عميق، حيث يعتبر أن الله هو خالق كل شيء، ومن ذلك يتساءل الكثيرون: ما هو أول شيء خلقه الله؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من فهم بعض المبادئ العميقة في الفكر الإسلامي والعلوم المتعلقة بتفسير الخلق.

مفهوم الخلق في الإسلام

قبل الخوض في تفاصيل ما هو أول شيء خلقه الله، من المهم تحديد المفهوم العام للخلق في الإسلام. في القرآن الكريم، تُعَرف الخلقة بأنها عملية بدء الوجود والتكوين من عدم. كل شيء في الكون، بما فيه السماوات والأرض وكل ما فيهما، هو مخلوق من قبل الله سبحانه وتعالى. وتقول الآية الكريمة: “اللّهُ خَارِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِرُ عَلَىٰ إِنشَاءِ مَا يَشَاءُ” (الأنعام: 101).

ويظهر في العديد من الآيات القرآنية أن الله قد بدأ الخلق من شيء غير مادي، ثم تطور إلى الموجودات التي نراها اليوم. لكن ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان والمعتقدات هو أن الخلق في الإسلام هو تجلٍّ لرحمة الله وحكمته.

أول شيء خلقه الله وفقًا للأحاديث النبوية

تُوَضِّح بعض الأحاديث النبوية الشريفة بداية الخلق، حيث يعتبر الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن أول ما خلقه الله هو “القلم”. وقد ورد في الحديث:

“أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.” (رواه مسلم)

هذا الحديث يدل على أهمية القلم في تدبير وتسيير الأمور، حيث إن الله سبحانه وتعالى أمره بكتابة جميع المقادير التي تخص الخلق. وبالتالي، يشير القلم إلى بداية الخلق كما هو مدون في اللوح المحفوظ، الذي يحمل مقادير كل ما هو كائن في هذا الكون.

القلم في القرآن والسنة

عندما نبحث في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، نجد أن القلم يُعتبر من أعظم المخلوقات وأهمها، لدرجة أن الله سبحانه وتعالى اختاره لكتابة جميع المقادير. في القرآن، يأتي ذكر القلم في قوله تعالى: “ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” (الطور: 1). هذه الآية تضع القلم في مكانة عظيمة، إذ يقسم الله عز وجل به، مما يدل على مكانته الرفيعة.

القلم هنا ليس مجرد أداة مادية، بل هو رمز للعلم والقدرة الإلهية على كتابة وتحديد المصير. وهذا يتماشى مع الحديث النبوي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن القلم بأنه أول شيء خلقه الله وأمره بكتابة ما سيحدث في الكون إلى يوم القيامة.

دور القلم في الكون

في الإسلام، القلم ليس مجرد أداة للكتابة، بل هو أداة لتنظيم الخلق وتحديد مصير كل شيء في الوجود. فالكون بأسره يُكتب في “اللوح المحفوظ”، الذي لا يخفى عليه شيء من شؤون الخلق، ويُؤكد في القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: “وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الطور: 32).

القلم يمثل الإرادة الإلهية التي تضع قوانين ونظام الكون، حيث يقوم بكتابة مقادير الأشياء وفقًا لما يشاء الله. واللوح المحفوظ هو السجل الذي يشمل كل ما سيحدث في الكون بدءًا من خلق السماوات والأرض، مرورًا بمراحل تطور الحياة، وصولًا إلى مصير كل إنسان.

التأصيل الفلسفي للخلق الأول في الإسلام

تتعدد الروايات حول أول شيء خلقه الله، وقد تكون فكرة “القلم” هي الفهم الأقرب والأعمق للمفهوم الإسلامي. ومع ذلك، يمكن ربط هذه الفكرة بجوهر الخلق الكوني، إذ إن القلم يمثل “الوسيلة” التي يتم بها تدبير الكون بشكل شامل. يرمز القلم إلى البداية التي انطلق منها التكوين، كما يمثل النمط الذي يعكس العلاقة بين قدرة الله الشاملة وخلقه.

في الفلسفة الإسلامية، يربط بعض العلماء بين القلم والحكمة الإلهية. فيقولون إن القلم يمثل بداية العقل الكوني، الذي بموجبه يتم تنظيم جميع الأشياء في الكون. وبذلك، يعتبر القلم رمزًا للعلم الإلهي الذي يحكم سير الأمور من البداية إلى النهاية. هذه الحكمة الكونية التي تبدأ بالقلم ستشمل جميع المخلوقات الكونية التي تندرج تحت النظام الإلهي، بدءًا من الكواكب والمجرات، وصولاً إلى الكائنات الدقيقة.

الخلق وفقًا للترتيب الزمني

إن السؤال عن أول شيء خلقه الله لا يقتصر على القلم فقط. في بعض التفاسير الأخرى، يُذكر أن الله سبحانه وتعالى قد خلق النور أولاً. ففي حديث قدسي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: “كنت كنزًا مخفيًا فَأَحببتُ أن أُعرف فخلقتُ الخلق ليعرفوني”، حيث يُفهم من هذا الحديث أن الله تعالى في بداية الخلق كان يُرغب في إظهار ذاته ووجوده، ومن هنا خلق النور.

خلق السماوات والأرض

بعد القلم والنور، خلق الله السماوات والأرض، كما ورد في القرآن الكريم. يقول الله تعالى في سورة الفتح: “إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (الفتح: 3). وقد أكد العلماء في التفاسير أن خلق السماوات والأرض قد جاء بعد هذه المراحل الأساسية.

الخلق الأول يبدأ بحكمة الله ورغبة في وضع نظام دقيق وموحد للكون، الذي يشمل السماوات والأرض بكل ما فيهما من عناصر وقوانين طبيعية. وبذلك، يرتبط الخلق الأول بالقلم والنور، حيث يمثلان بداية الوجود، في حين أن السماوات والأرض تمثلان البنية التحتية التي يرتكز عليها هذا الوجود.

الاستنتاجات النهائية

تتباين الآراء بين العلماء والمفسرين حول تحديد أول شيء خلقه الله. ولكن الإجماع بين معظم المصادر الإسلامية يظهر أن أول ما خلقه الله هو القلم. هذا المخلوق الذي تتجلى فيه القدرة الإلهية في كتابة كل شيء منذ الأزل إلى الأبد. بعد ذلك، جاء النور ليكون مقدمة لخلق السماوات والأرض، مما يضع أسسًا قوية لنظام الكون الذي سيستمر في التوسع والتعقيد عبر الزمن.

إن مفهوم الخلق الأول في الإسلام هو أكثر من مجرد بداية مادية. هو تأكيد على قدرة الله المطلقة في تدبير الكون بكل تفاصيله، وتذكير للإنسان بعظمة الخالق وضرورة الخضوع لإرادته.