أول ما خلق الله

أول ما خلق الله

خلق الله عز وجل السماوات والأرض وكل ما فيهن من كائنات وأشياء لا حصر لها، وقد تحدثت الكثير من النصوص الدينية عن بداية الخلق وما كان في البداية قبل أن يظهر هذا الكون بمراته المختلفة. في الإسلام، هناك العديد من الأقوال والروايات التي تشير إلى ما كان أول شيء خلقه الله عز وجل، وتختلف تلك الروايات في بعض التفاصيل، لكن الإجماع على أن أول ما خلقه الله هو “القلم” يعكس حقيقة عظيمة تتعلق بالعلم وقدرة الله اللامحدودة.

خلق القلم: بداية كل شيء

أكثر الأقوال المتفق عليها بين علماء الإسلام وضمن الأحاديث الصحيحة أن أول ما خلق الله هو “القلم”. فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة”. هذا الحديث يُعد من الأحاديث التي تتناول قضية الخلق وبيان بداية السلسلة التي انبثقت عنها مخلوقات الله جميعها.

الحديث يثبت أن القلم كان هو البداية التي بدأ بها الخلق، وقد أُمر القلم بكتابة كل شيء سيحدث في هذا الكون، من بداية الخلق إلى نهاية الزمان، وما بينهما من أحداث ووقائع. لذلك، يعتبر القلم في العديد من الثقافات والمعتقدات رمزًا للعقل والقدرة على التفكير والتدوين، وذلك لأنه يرمز إلى بداية العلم الذي هو أساس تطور البشر في فهمهم للكون وحكم الله في خلقه.

الحكمة من خلق القلم أولًا

خلق القلم أولًا يحمل في طياته معانٍ عظيمة تفسر الكثير عن حكم الله عز وجل. فالله عز وجل عندما بدأ بخلق القلم، أراد أن يبيّن للإنسان أهمية العلم وأثره في حياته. فالعلم هو الذي يوجه الإنسان نحو عبادة الله، ويعزز من قدرته على فهم الكون وأسراره. القلم كان أداة لتسجيل ما سيحدث في الكون، وهو يرمز إلى أن الكتابة والعلوم ستظل أساسًا لبقاء الإنسان ورقيه عبر العصور.

وإذا نظرنا إلى ذلك من منظور ديني، نجد أن الله عز وجل اختار القلم لأنه يمثل العنصر الأساسي الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى. فالله منح الإنسان القدرة على التفكر والتعلم، وهذا كان بداية العلاقة بين البشر والعلم. وبذلك، نلاحظ أن العلم كان هو أولى خطوات الخلق التي استمرت في نموها وتطورها عبر العصور حتى وصلت إلى مستوى عظيم من التقدم والازدهار.

خلق العرش

من الأحاديث والروايات الأخرى التي ذكرت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، ورد ذكر “العرش” باعتباره من أول مخلوقات الله. فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض”. ووفقًا لهذا الحديث، فإن العرش كان قبل خلق السماوات والأرض، وكان مستقرًا فوق الماء الذي يعتبر عنصراً أوليًا في هذا الكون.

إن خلق العرش أولاً يشير إلى عظمة وسعة القدرة الإلهية، فهو المكان الذي تجتمع فيه صفات الله عز وجل في عظمته وسلطانه، وهو في الوقت نفسه يمثل الركيزة الأساسية التي بها تم استقرار هذا الكون. العرش، بوصفه أول مخلوق، هو إذن رمزية لسلطة الله وهيمنته على كل شيء، وهو أيضًا دليل على التنظيم والتدبير الإلهي الذي يحيط بكل ما في هذا الكون.

خلق السماء والأرض

بعد خلق القلم والعرش، جاء خلق السماوات والأرض. ويذكر القرآن الكريم أن السماوات كانت مجرد سموات متراكمة قبل أن يأمر الله عز وجل بها فتنفصل وتستقر في أماكنها. فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: “أوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا…” (الأنبياء: 30).

ويُلاحظ من خلال هذه الآية أن السماوات والأرض كانتا في البداية كتلة واحدة “رتقًا” ثم أمر الله عز وجل بفتقهما، وهي عملية تشير إلى بداية الوجود المادي الذي نعيش فيه الآن. وقد جاء الحديث في القرآن الكريم ليؤكد على أن السماء والأرض هما جزء من خطة خلق إلهية شاملة ومرتبة بدقة.

خلق النور

وقد جاء في العديد من النصوص الدينية أن النور كان من أوائل ما خلق الله أيضًا، فهو يمثل أحد المظاهر التي بها يُفصل الليل عن النهار ويُميز بين الأمور المختلفة. النور هنا ليس بالمعنى المادي الذي نعرفه عن الشمس أو الضوء، بل هو نور إلهي خاص يختلف عن كل ما هو مادي. فهو يمثل من جهة نور العلم والهداية، ومن جهة أخرى يشير إلى قدرة الله عز وجل التي تفوق ما يمكن للإنسان أن يدركه بعقله.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كان الله نورًا قبل أن يخلق السماوات والأرض”. وهذا يشير إلى أن النور الإلهي كان سابقًا لكل شيء آخر، وهو النور الذي يضيء الكون ويوجه المخلوقات نحو ما يرضي الله.

خلق الكائنات الحية

بعد أن أكمل الله عز وجل خلق العناصر الأساسية للكون، بدأ في خلق الكائنات الحية. كانت بداية الحياة على الأرض من خلال خلق آدم عليه السلام، الذي يعتبر أول إنسان خلقه الله على الأرض. وقد جاء في القرآن الكريم: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّنْ طِينٍ…” (ص: 71).

هذا النص القرآني يوضح لنا كيف بدأ الخلق البشري، حيث خلق الله آدم من طين، ثم أسكنه الجنة. وكان هذا بداية تكوين النوع البشري الذي سيكون خليفة الله في الأرض.

الخلق والتدبير الإلهي

ما من شك في أن خلق الله للكون كان بتدبير إلهي عظيم. قد أعد الله عز وجل كل شيء في هذا الكون وفقًا لخطة مدروسة، بدءًا من خلق القلم والعرش والسماء والأرض، وانتهاءً بالكائنات الحية والنظام البيئي المتوازن الذي نعيش فيه اليوم. الخلق كان برهانًا على قدرة الله اللامحدودة، وكان توجيهًا للبشر نحو أن يحسنوا استخدام هذا العالم والموارد التي أتاحها لهم الله.

فكل مخلوق في هذا الكون، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، له وظيفة ودور في هذا النظام العظيم، وهو يعيش في تناغم وتوازن تام، ولا يمكن لأي مخلوق أن يخرج عن هذا التوازن إلا إذا عبث الإنسان في الأرض وأفسد ما خلقه الله.

الخاتمة

إن أول ما خلق الله، من القلم إلى الكائنات الحية، يعكس عظمة خلقه وحكمته البالغة في تنظيم هذا الكون. القلم الذي بدأ به الخلق هو أداة العلم والتسجيل التي من خلالها بدأ البشر في تعلم العلوم وفهم الكون. والعرش الذي يمثل هيمنة الله على هذا الكون، والسماوات والأرض التي تشكل عوالمنا المادية، والنور الذي يضيء لنا الطريق، جميعها إشارات على عظمة الله وقدرته التي لا حدود لها.

فالخلق الإلهي ليس مجرد فعل من أفعال الله، بل هو ترتيب وتنظيم عظيم يعكس عظمته وقدرته اللامحدودة.