أول خلق الله سبحانه وتعالى

أول شيء بناه الله سبحانه وتعالى: بين الحقيقة القرآنية والعلمية

تعد قصة خلق الكون من أعظم وأشمل المواضيع التي تناولتها الكتب السماوية والعلم، حيث أنها تجمع بين الإيمان العلمي والفهم الديني. وبالنسبة للعديد من المؤمنين، فإن أول شيء بناه الله سبحانه وتعالى يعد موضوعًا ذا أهمية خاصة، كونه يرتبط بالوجود الأولي والهيئة التي بدأ منها كل شيء.

البداية الإلهية: خلق السماوات والأرض

إن أول شيء بناه الله سبحانه وتعالى وفقًا للآيات القرآنية هو خلق السماوات والأرض. فقد جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة (الآية 164):

“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّي أُو۟لِي ٱلْأَلْبَابِ”.

هكذا يوضح القرآن الكريم أن الكون بدأ بخلق السماوات والأرض، وبذلك يعكس هذا الفهم العميق لفهم المادة والفضاء. في هذا السياق، يُظهر الخلق السماوي كأول خطوة في عملية إنشاء وتكوين العالم المادي الذي نعيش فيه.

الخلق في الإسلام: نظرة فلسفية ودينية

من وجهة نظر إسلامية، إن أول ما خلقه الله سبحانه وتعالى كان العرش. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف: “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض”. العرش هنا يُعتبر أول خلق الله الذي هو أساس ترتيب الكون، كما يُعتبر عرش الله هو رمز عظمته وسلطانه الذي يحيط بكل شيء.

إن هذه الفكرة تأخذ بُعدًا دينيًا حيث يظهر العرش كعلامة على هيمنة الله ورؤيته العامة للكون. وبالرغم من أن بعض التفاسير تذكر أن الماء كان هو أول ما خلق قبل العرش، إلا أن الحديث الإسلامي يشير إلى أن العرش كان الأساس الذي ترتب عليه باقي المخلوقات.

الخلق وفقًا للعلم: فهم الكون وأصل الحياة

من الناحية العلمية، ينظر العلماء إلى بداية الكون عبر ما يعرف بـ”الانفجار العظيم” (Big Bang)، وهو الحدث الذي يعتقد العلماء أنه أدى إلى نشوء الكون قبل حوالي 13.8 مليار سنة. هذا الانفجار العظيم هو نقطة بداية الزمن والمكان كما نعرفهما، وكان يشمل جميع العناصر التي شكلت الكون لاحقًا، بما في ذلك المادة والطاقة.

في هذه اللحظة الحرجة، بدأ الكون في التوسع بشكل متسارع، وعقب ذلك نشأت العناصر الأولية مثل الهيدروجين والهيليوم، والتي شكلت الأساس لتكوين النجوم والكواكب فيما بعد. يمكن تفسير هذه الفكرة على أنها موازية للخلق من حيث أن الكون بدأ من نقطة لا شيء وتوسع ليأخذ شكله الحالي.

الماء: العنصر الأساسي في الخلق

من العناصر الأساسية التي تُشير إليها الأديان والتفسيرات العلمية في بداية الخلق هو الماء. ففي القرآن الكريم يُذكر أن الله سبحانه وتعالى بدأ خلق السماوات والأرض من الماء، حيث قال في سورة الأنبياء (الآية 30):

“أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ”.

هذه الآية تشير إلى أن الماء كان هو المكون الأساسي الذي انبثق منه كل شيء حي. وهذا يتوافق مع الاكتشافات العلمية الحديثة التي تؤكد على أهمية الماء في تطور الحياة، حيث إن جميع الكائنات الحية على وجه الأرض تعتمد على الماء في بقائها.

العرش والماء في تفسير القرآن

العرش والماء لهما دلالات مهمة في الفهم الديني للخلق. العرش يمثل السلطة الإلهية العظمى التي أوجبت خلق الكون، بينما الماء يمثل الحياة التي جلبها الله سبحانه وتعالى من خلال خلقه لكل الكائنات الحية. يشرح هذا التفسير كيف أن المادة المبدئية (الماء) كانت هي الأصل الذي انبثقت منه جميع الكائنات الحية، سواء في الأرض أو في السماء.

دور الزمن في الخلق

يشير القرآن الكريم إلى أن الله خلق الكون في ستة أيام، وفي هذا سياق من التأمل، نجد أن الزمن يُعتبر جزءًا من الخلق ذاته. وفي حين يختلف تفسير “الستة أيام” بين العلماء والفقهاء، إلا أن الفهم المشترك يشير إلى أن الخلق بدأ في وقت محدد، وكان كل يوم يمثل مرحلة من مراحل إنشاء الكائنات السماوية والمادية على حد سواء.

في الآية الكريمة:

“وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (سورة الأعراف 54)، يُشير النص إلى أن عملية الخلق لم تكن عشوائية أو فوضوية، بل كانت مدروسة ومحددة بفترة زمنية كانت ضرورية لترتيب وتوزيع العناصر الأساسية للكون.

التوازي بين الإيمان والعلم في فهم أول خلق

من المثير أن هناك العديد من أوجه التشابه بين التفسير الديني والعلمي في فهم بداية الخلق. على الرغم من أن القرآن الكريم يعرض الخلق في صورة غيبية، إلا أن هذه الصورة لا تتعارض مع ما يقدمه العلم من نظرية الانفجار العظيم. في الحالتين، البداية تكون من نقطة واحدة، وعليه تبدأ مرحلة التوسع والنمو.

ففي تفسير القرآن، يظهر العرش والماء على أنهما أساس الحياة والوجود، وهو ما يوافق حقيقة أن الماء كان من العوامل الأساسية لنشوء الحياة على الأرض، سواء في الأحياء الدقيقة أو في الكائنات المعقدة.

أول شيء بناه الله: رؤية شمولية

إن أول شيء بناه الله سبحانه وتعالى من منظور إيماني، يمثل العرش والماء، ومن ثم السماوات والأرض. وعلى الرغم من أن المعاني تتنوع من تفسير إلى آخر، فإن المفهوم الأساسي يبقى هو أن الله تعالى هو مصدر كل شيء، وأن الخلق بدأ بشكل متسلسل ومؤثر، فكل عنصر كان له دور مهم في إنشائه للكون ووجوده.

الخاتمة

إن أول شيء بناه الله سبحانه وتعالى يتنوع تفسيره بين العقلية الدينية والعلمية، لكن ما يربط بينهما هو الاعتراف بأن الكون والمخلوقات هي من خلق الله، وأن النظام الذي ينظم هذا الكون هو نظام مدروس، مليء بالحكمة. وكلما تعمقنا في العلم أو في الإيمان، نجد أن الحقيقة واحدة، وهي أن الله هو الذي أوجد هذا الوجود وبهذا النظام البديع.