أهمية حفظ اللسان في الحياة

عنوان المقال: حفظ اللسان وأقوال الحكماء

يُعدّ اللسان من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، إذ به يُعبّر المرء عن حاجاته، ويُوضح أفكاره، ويُقيم الحجة، ويُرشد، وينصح، وبه يُمكن أن يبلغ الإنسان أعلى مراتب الخير أو أسفل دركات الشر. وقد أولت الشرائع السماوية والأخلاقيات الإنسانية عناية بالغة لأهمية حفظ اللسان، لما له من أثر بالغ على الفرد والمجتمع.

في هذا المقال المطوّل، نسلط الضوء على أقوال العلماء والحكماء في حفظ اللسان، مستعرضين البعد الديني، النفسي، الاجتماعي، والتربوي لهذا السلوك، مع تحليل أهميته في تكوين شخصية متزنة، وعلاقته بالسكينة الداخلية والسلام الاجتماعي.

أهمية حفظ اللسان في الشرائع السماوية

إن من يتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يجد تنبيهاً متكرراً بشأن خطورة إطلاق اللسان دون قيد أو ضابط. فاللسان يمكن أن يكون سبباً في دخول الجنة أو النار، وهو من أكثر الجوارح التي تؤدي إلى الهلاك إن تُركت بلا رقيب. يقول الله تعالى في محكم كتابه:

“ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد” [ق:18]

وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله ﷺ:

“وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم” [رواه الترمذي].

ولذلك، جعل الإسلام حفظ اللسان مظهراً من مظاهر التقوى، حيث قال رسول الله ﷺ:

“من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” [متفق عليه].

أقوال الصحابة والتابعين في حفظ اللسان

لقد أدرك الصحابة والتابعون هذه الخطورة، فكانوا يتحرّون كلماتهم ويحسبون لها ألف حساب.

• أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يمسك بلسانه ويقول: “هذا الذي أوردني الموارد”.

• عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه”.

• عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “والذي لا إله غيره، ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان”.

وهذه الأقوال تحمل في طياتها تجارب إنسانية عظيمة، وشهادات عن خطر التفريط في الكلام أو إطلاقه دون روية.

الأقوال المأثورة عن الحكماء والعلماء

عبر العصور، خلّد الحكماء أقوالاً بليغة عن ضبط اللسان، ومن أبرزها:

• الإمام الشافعي: “لسانك لا تذكر به عورة امرئ… فكلّك عوراتٌ وللناس ألسنُ”.

• لقمان الحكيم: “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”.

• علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “بلاء الإنسان من اللسان”.

• سفيان الثوري: “الغيبة أشدّ من الزنا، والزنا يُتاب منه، والغيبة لا يُتاب منها حتى يُسامحك الذي اغتبته”.

• الحسن البصري: “لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك”.

هذه الأقوال كانت دائماً حاضرة في المجالس العلمية والتربوية، تنبه وتُرشد وتُعلّم كيف يكون الكلام مسؤولية.

اللسان من منظور نفسي واجتماعي

من الناحية النفسية، يُعتبر ضبط اللسان أحد علامات النضج العقلي والانفعالي. فالإنسان الحكيم هو الذي يعي أثر كلماته قبل أن يطلقها، ويزنها بميزان العقل والحكمة.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن كثيراً من الأزمات تبدأ بكلمة، وقد تندلع الحروب بين الشعوب وتنهار الأسر بسبب شائعة أو نميمة أو غيبة.

الكلمة الطيبة صدقة كما وصفها الرسول ﷺ، لما تتركه من أثر إيجابي في النفس، وهي تبني جسور المودة وتُقوي العلاقات الاجتماعية. على العكس من ذلك، فالكلمة الجارحة تُخلف آثاراً لا تُمحى، وتزرع الكراهية والبغضاء.

اللسان وأثره في بناء السمعة والشخصية

من المعروف أن الكلمة المنطوقة لا تُسترد، وأنّ أول ما يُقاس به الإنسان غالباً هو منطقه. فالعاقل لا يُعرف بصورته وإنما بكلامه، والمجتمع يحكم على الأشخاص بناءً على لياقة خطابهم وطريقة حديثهم.

• من يُحسن الحديث يملك القلوب.

• ومن يضبط لسانه يُوقر بين الناس.

• ومن يُطلق لسانه في أعراض الناس يهدم نفسه بيده.

وبالتالي، فإن حفظ اللسان لا يعكس فقط حسن الخلق، بل يُعبّر أيضاً عن قوة الشخصية والاتزان الداخلي.

أنواع الكلام الذي ينبغي اجتنابه

يشمل حفظ اللسان الابتعاد عن عدة مظاهر كلامية مذمومة، من أهمها:

وسائل عملية لحفظ اللسان

1. كثرة الذكر والاستغفار: فاللسان الذي اعتاد التسبيح والذكر لا ينشغل بالغيبة.

2. الصمت إلا في خير: الالتزام بوصية النبي ﷺ “فليقل خيراً أو ليصمت”.

3. مراقبة النفس: محاسبة النفس بعد كل جلسة أو محادثة، وتقييم ما قيل فيها.

4. صحبة الأخيار: من يُجالس أهل الأدب والخلق الحسن يتأدب بآدابهم.

5. قراءة سير الصالحين: فهي تزرع الوعي بأهمية ضبط اللسان.

حفظ اللسان في التربية الأسرية

من المهم أن يُعلَّم الأطفال منذ نعومة أظفارهم ضبط ألسنتهم، وذلك من خلال:

• غرس قيمة الكلمة الطيبة.

• تنبيههم على أضرار الكذب والغيبة.

• القدوة الحسنة من الوالدين والمربين.

• سرد قصص من التراث تحمل العِبَر عن أثر الكلام.

إنّ تنشئة الأطفال على أخلاق ضبط اللسان تُعدّ استثماراً في بناء أجيال راقية فكرياً وأخلاقياً.

حفظ اللسان في العصر الرقمي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح اللسان متصلاً بالأصابع، والكلام يُقال كتابة ويصل إلى ملايين، ما يجعل من مسؤولية الكلمة أضعافاً مضاعفة.

• مشاركة الشائعات، أو التجاوز في النقد، أو التهكم والسخرية على الآخرين، كلها مظاهر يُحاسب عليها الإنسان شرعاً وأخلاقاً.

• وقد قال أحدهم: “من كان يخشى الله فيما يقول، فليخشاه أيضاً فيما يكتب”.

ومن هنا تنشأ الحاجة إلى أدب رقمي يُعلي من قيمة الكلمة ويجعلها أداة للبناء لا للهدم.

خلاصة أقوال العلماء في أهمية حفظ اللسان

في ختام هذا العرض المستفيض، نستعرض أهم ما قاله العلماء والمفكرون عن اللسان، كملخص:

• “الكلمة الطيبة شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء” – من القرآن الكريم.

• “رب كلمة قالت لصاحبها دعني” – من أقوال العرب.

• “إذا تمّ العقل نقص الكلام” – من حكم العرب.

• “لسانك سبع، إن خلّيتَه عَقَرَك” – مأثور شعبي.

• “اللسان لا عظم له، لكنه يكسر العظام” – مثل عالمي.

المراجع

1. ابن القيم الجوزية، مدارج السالكين.

2. الغزالي، إحياء علوم الدين.