وظائف وأهمية الكريات البيضاء في الجسم

تُعتبر الكريات البيضاء، أو ما يُعرف بخلايا الدم البيضاء، أحد أهم مكونات الجهاز المناعي في الجسم البشري، وهي تلعب دورًا محوريًا في الدفاع عن الجسم ضد الأمراض والالتهابات المختلفة. تتواجد هذه الخلايا في الدم وفي أنسجة الجسم المختلفة، وتتميز بقدرتها على التعرف على المواد الغريبة مثل الجراثيم، الفيروسات، الطفيليات، والخلايا السرطانية، ومن ثم مهاجمتها والقضاء عليها. لهذا السبب، تعتبر الكريات البيضاء خط الدفاع الأول في مواجهة التهديدات الخارجية، فضلاً عن دورها في تنظيم استجابات المناعة داخل الجسم.

تعريف الكريات البيضاء وأنواعها

الكريات البيضاء هي خلايا دموية تختلف عن خلايا الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين. وهي تنقسم إلى عدة أنواع رئيسية بناءً على شكل النواة والوظائف التي تقوم بها، وأبرز هذه الأنواع:

• العدلات (Neutrophils): تشكل حوالي 60-70% من إجمالي الكريات البيضاء، وهي أول الخلايا التي تصل إلى مواقع الإصابة أو العدوى، حيث تقوم بابتلاع وتدمير الميكروبات.

• اللمفاويات (Lymphocytes): تشمل خلايا T وخلايا B، وهما مركز التحكم في الاستجابة المناعية المكتسبة، حيث تنتج الأجسام المضادة وتوجه الهجمات الخلوية ضد مسببات الأمراض.

• الوحيدات (Monocytes): تتحول بعد دخولها الأنسجة إلى خلايا متخصصة تسمى البلاعم (Macrophages) التي تبتلع الجزيئات الغريبة والخلايا الميتة وتساعد في تفعيل باقي خلايا الجهاز المناعي.

• الخلايا الحمضية (Eosinophils): تساهم في مكافحة الطفيليات الكبيرة مثل الديدان، كما تلعب دورًا في ردود الفعل التحسسية.

• الخلايا القاعدية (Basophils): تفرز مواد كيميائية مثل الهيستامين تساهم في التفاعلات الالتهابية والحساسية.

آلية عمل الكريات البيضاء

تبدأ استجابة الكريات البيضاء عند التعرض لمسبب خارجي ضار. حين تخترق هذه الميكروبات أو المواد الغريبة الجسم، يرسل الجهاز المناعي إشارات كيميائية تجذب الكريات البيضاء إلى موقع الإصابة. تتجمع العدلات أولًا في مكان العدوى، حيث تلتهم هذه الخلايا الجراثيم والفيروسات عبر عملية تسمى “الابتلاع الخلوي” (Phagocytosis).

عندما لا تتمكن العدلات وحدها من القضاء على المسبب، تقوم اللمفاويات بتفعيل استجابة مناعية أكثر تخصصًا. خلايا B تنتج أجسامًا مضادة ترتبط بمستقبلات على سطح الميكروبات، مما يسهل تدميرها أو منعها من التكاثر. خلايا T تتعرف على الخلايا المصابة مباشرة وتقوم بتدميرها، كما تساعد في تنشيط خلايا أخرى.

البلاعم، التي تنشأ من الوحيدات، ليست فقط مستهلكة للمخلفات والجراثيم بل تلعب دورًا مهمًا في تحفيز خلايا اللمفاويات، مما يجعلها نقطة وصل بين المناعة الفطرية والمكتسبة.

وظائف الكريات البيضاء

تتعدد الوظائف التي تقوم بها الكريات البيضاء، ومنها:

1. مكافحة العدوى

تعتبر الكريات البيضاء العامل الأساسي في القضاء على الجراثيم، الفيروسات، الفطريات، والطفيليات. العدلات تقوم بالتصدي السريع للعدوى وتدمير مسبباتها قبل أن تنتشر، في حين تنظم اللمفاويات الاستجابة المناعية النوعية للقضاء الكامل على العدو.

2. التنظيف وإزالة الخلايا الميتة

تساهم البلاعم في تنظيف الأنسجة من الخلايا التالفة والميتة، مما يسرع من عملية الشفاء ويقلل من الالتهاب. هذا الدور التنظيفي مهم جدًا للحفاظ على توازن الأنسجة وتجديدها.

3. التفاعل مع المواد الغريبة والتحسس

الخلايا الحمضية والقاعدية تلعب دورًا في الاستجابات التحسسية، حيث تفرز مواد كيميائية تسبب الالتهاب والاحمرار، وهو رد فعل طبيعي للجسم لمحاولة عزل المسبب الضار.

4. تنظيم الاستجابة المناعية

تنظيم عملية المناعة يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين أنواع الكريات البيضاء المختلفة. اللمفاويات هي العنصر الأساسي في هذا التنظيم، حيث تميز بين الأجسام الغريبة والخلايا الذاتية لتجنب مهاجمة الجسم نفسه.

5. إنتاج الأجسام المضادة

خلايا B هي المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة التي تهاجم الميكروبات بشكل محدد، مما يوفر حماية طويلة الأمد ضد الأمراض.

6. مكافحة الخلايا السرطانية

تلعب بعض أنواع الكريات البيضاء، خصوصًا خلايا T القاتلة، دورًا في مراقبة الجسم والقضاء على الخلايا التي تتحول إلى خلايا سرطانية في بداياتها.

أهمية الكريات البيضاء في الصحة العامة

تلعب الكريات البيضاء دورًا حيويًا في الحفاظ على صحة الإنسان، وغيابها أو نقص عددها قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. من الأمراض التي ترتبط بمشاكل في الكريات البيضاء:

• اللوكيميا (سرطان الدم): حيث تتكاثر خلايا الدم البيضاء بشكل غير طبيعي وغير منتج، ما يؤثر على المناعة الطبيعية.

• نقص الكريات البيضاء (Leukopenia): حالة يكون فيها عدد الكريات البيضاء أقل من الطبيعي، مما يجعل الجسم عرضة للعدوى.

• فرط الكريات البيضاء (Leukocytosis): زيادة غير طبيعية في عدد الكريات البيضاء قد تشير إلى وجود التهاب أو مرض مزمن.

كما تلعب الكريات البيضاء دورًا مهمًا في مراقبة الالتهابات المزمنة، وتحديدًا في أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي، حيث تكون استجابة الكريات البيضاء غير منضبطة مما يؤدي إلى تلف أنسجة الجسم.

تأثير العوامل المختلفة على الكريات البيضاء

تتأثر كمية ونوعية الكريات البيضاء بعدة عوامل داخلية وخارجية، منها:

• الالتهابات: تؤدي إلى زيادة عدد الكريات البيضاء لمكافحة المرض.

• الإجهاد: يمكن أن يؤثر على إنتاج الكريات البيضاء واستجاباتها.

• الأدوية: بعض الأدوية مثل الكورتيكوستيرويدات تقلل من نشاط الكريات البيضاء.

• التغذية: نقص بعض الفيتامينات والمعادن يؤثر سلبًا على إنتاج الكريات البيضاء.

• الأمراض المزمنة: مثل مرض السكري تؤثر في وظائف المناعة.

تحليل عدد الكريات البيضاء في التشخيص الطبي

يقوم الأطباء عادة بقياس عدد الكريات البيضاء في الدم من خلال اختبار الدم الشامل (CBC) لتقييم حالة المناعة عند المريض. يشير العدد الطبيعي للكريات البيضاء إلى جهاز مناعي صحي، في حين يمكن أن يدل الانخفاض أو الارتفاع غير الطبيعي على وجود مشكلة صحية تحتاج إلى متابعة دقيقة.

فيما يلي جدول يوضح النطاقات الطبيعية لمختلف أنواع الكريات البيضاء:

الخلاصة

تمثل الكريات البيضاء عنصرًا حيويًا لا غنى عنه في الجهاز المناعي، إذ تقوم بمراقبة الجسم وحمايته من مختلف العوامل الضارة بدءًا من الجراثيم وصولًا إلى الخلايا السرطانية. تلعب هذه الخلايا دورًا معقدًا ومتعدد الأوجه، حيث تشمل المهام السريعة في محاربة العدوى والتنظيف، بالإضافة إلى الوظائف التنظيمية وإنتاج الأجسام المضادة. الحفاظ على توازن عدد الكريات البيضاء وجودتها ضروري للحفاظ على صحة الإنسان والوقاية من الأمراض المختلفة.

المراجع:

1. Abbas, A. K., Lichtman, A. H., & Pillai, S. (2017). Cellular and Molecular Immunology (9th edition). Elsevier.

2. Murphy, K. (2012). Janeway’s Immunobiology (8th edition). Garland Science.