أهمية المحافظة على البحر الميت
البحر الميت هو واحد من أكثر الظواهر الطبيعية تميزًا في العالم، وهو يمثل بحيرة مالحة تقع في أخفض نقطة على سطح الأرض، بين الضفة الغربية من فلسطين والأردن. يكتسب البحر الميت شهرة كبيرة بسبب ملوحته العالية جداً التي تقدر بحوالي 34%، وهي أعلى بكثير من مياه المحيطات، مما يجعله بيئة فريدة وصعبة العيش فيها للكائنات الحية العادية. رغم هذه الظروف القاسية، يحمل البحر الميت أهمية اقتصادية، بيئية، وعلاجية لا تضاهى. ولهذا السبب، فإن المحافظة عليه أصبحت ضرورة قصوى لمصلحة البيئة والمجتمعات المحيطة.
الموقع الجغرافي والتاريخي للبحر الميت
يمتد البحر الميت على طول حوالي 75 كيلومترًا ويصل عرضه إلى 15 كيلومترًا، ويتراوح عمقه بين 300 إلى 400 متر تقريبًا. وهو جزء من أخدود غور الأردن، الذي يعد امتدادًا للصدع العظيم الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. يحتل البحر الميت مكانة تاريخية ودينية هامة، إذ ورد ذكره في العديد من النصوص الدينية والتاريخية، كما كان موقعًا مهمًا للعديد من الحضارات عبر العصور.
الأهمية البيئية للبحر الميت
يمثل البحر الميت نظامًا بيئيًا فريدًا بسبب ملوحته العالية، حيث تتواجد فيه أنواع قليلة جداً من الكائنات الحية الدقيقة التي استطاعت التكيف مع هذه الظروف الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، تحيط به بيئة صحراوية ذات خصائص طبيعية نادرة، تشمل أشكالًا من الحياة النباتية والحيوانية التي تعيش في المناطق المجاورة له. تلعب هذه البيئة دورًا مهمًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي الإقليمي، وتوفر موطنًا لأنواع متعددة من الطيور المهاجرة.
إحدى التحديات البيئية الكبرى التي تواجه البحر الميت هي الانخفاض المستمر في مستوى مياهه، والذي بلغ معدلات مقلقة في العقود الأخيرة. يعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها الاستغلال المفرط لمياه نهر الأردن، المصدر الأساسي للبحر، من أجل الزراعة والصناعة والاستهلاك البشري في البلدان المجاورة. هذا الانخفاض يؤدي إلى تعرية ضفاف البحر وتكون الحفر والتشققات الأرضية المعروفة باسم “التشققات الأرضية” التي تهدد المناطق المحيطة.
الأهمية الاقتصادية للبحر الميت
يمتلك البحر الميت ثروة اقتصادية هائلة، حيث يحتوي على معادن قيمة مثل البوتاسيوم، الماغنيسيوم، والملح التي تُستخرج وتستخدم في الصناعات الكيميائية والزراعية. الأردن وإسرائيل وفلسطين تستفيد من هذه الموارد في قطاعات متعددة، وتساهم هذه الصناعات في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل للعديد من السكان.
علاوة على ذلك، يعتمد اقتصاد المنطقة بشكل كبير على السياحة العلاجية التي تجذب زوارًا من جميع أنحاء العالم للاستفادة من الخصائص العلاجية لمياه البحر الميت وطيناته الغنية بالمعادن. فالملوحة العالية تساعد على الاسترخاء العميق للجسم، وتعالج العديد من الأمراض الجلدية والروماتيزمية، مما يجعل البحر الميت وجهة سياحية طبية رائدة.
الأهمية الصحية والطبية
تعود شهرة البحر الميت عالميًا إلى خصائصه العلاجية الفريدة، فهو يحتوي على تركيزات عالية من المعادن المفيدة للبشرة والجسم، مثل المغنيسيوم، الكالسيوم، والبروم. المياه والطقس الخاص بالبحر الميت يساعدان على تحسين حالات الأمراض الجلدية المزمنة مثل الصدفية والأكزيما، ويساهمان في تخفيف آلام الروماتيزم والتهابات المفاصل.
كما أن الأجواء الخالية من البكتيريا المسببة للأمراض، وارتفاع نسبة الأكسجين في الهواء، وانخفاض نسبة الأشعة فوق البنفسجية بسبب ارتفاعه عن سطح البحر، كلها عوامل تسهم في تعزيز الصحة العامة وتحسين جودة الحياة للزوار والمرضى على حد سواء.
التهديدات التي تواجه البحر الميت
مع تزايد التحديات البيئية، أصبح البحر الميت معرضًا لخطر الانهيار البيئي الكامل إذا لم تُتخذ إجراءات حازمة للحفاظ عليه. تتلخص هذه التهديدات في:
-
انخفاض منسوب المياه: الذي تسبب في تراجع مستمر لمساحة البحر، مع تأثير مباشر على الصناعات السياحية والتعدين.
-
الأنشطة الصناعية والزراعية: التي تؤدي إلى استنزاف الموارد المائية وتلوث المياه والتربة المحيطة.
-
التغيرات المناخية: والتي تزيد من جفاف المنطقة وتؤثر على معدلات التبخر.
-
السياحة غير المنظمة: والتي قد تسبب تدهور البيئة الطبيعية للمنطقة.
-
ظهور الحفر الأرضية: والتي تهدد سلامة السكان والبنية التحتية.
جهود المحافظة على البحر الميت
للتصدي لهذه التحديات، أطلقت الحكومات والمؤسسات الدولية برامج ومبادرات تهدف إلى الحفاظ على البحر الميت وضمان استدامته. من أبرز هذه الجهود:
-
مشروع “قناة البحر الأحمر إلى البحر الميت” الذي يهدف إلى نقل مياه البحر الأحمر لتعويض النقص في مياه البحر الميت، وتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه.
-
تنظيم استغلال الموارد المعدنية بطريقة مستدامة.
-
حماية البيئة المحيطة من التلوث وتعزيز الوعي البيئي بين السكان والزوار.
-
تطوير السياحة البيئية والطبية بطريقة تحافظ على البيئة وتحسن من الاقتصاد المحلي.
-
التعاون الإقليمي بين الدول المجاورة لإدارة الموارد المائية بشكل عادل ومستدام.
تأثير المحافظة على البحر الميت
الحفاظ على البحر الميت لا يعني فقط حماية مورد مائي نادر، بل يمتد تأثير ذلك إلى حماية البيئة الإقليمية، ودعم الاقتصاد المحلي، وتعزيز الصحة العامة. فاستدامة البحر الميت تعني استمرار تدفق السياح الذين يعول عليهم اقتصاد المنطقة بشكل كبير، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومنع الكوارث البيئية التي قد تهدد الإنسان والطبيعة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن البحر الميت يمثل مصدرًا هامًا للأبحاث العلمية التي تسعى لفهم الظواهر الطبيعية الفريدة التي تحدث فيه، مما يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة في مجالات علوم الأرض، البيئة، والصحة.
جدول يوضح مقارنة بين خصائص البحر الميت وبعض البحيرات المالحة الأخرى
| الخاصية | البحر الميت | بحيرة قزوين | بحيرة أير | بحيرة البحيرة الكبرى |
|---|---|---|---|---|
| نسبة الملوحة | 34% | 1.2% | 6-7% | 0.1% |
| الموقع | بين الأردن وفلسطين | آسيا الوسطى | أستراليا | أمريكا الشمالية |
| العمق الأقصى | 400 متر تقريبًا | 1025 متر | 9 أمتار | 400 متر تقريبًا |
| الاستخدامات | صناعية، علاجية، سياحية | صناعية، مائية | بيئية | صناعية، سياحية |
الخلاصة
إن البحر الميت يشكل إرثًا طبيعيًا فريدًا وهامًا على المستويين الإقليمي والعالمي، ويتطلب جهداً جماعياً للحفاظ عليه من التدهور والاندثار. فالحفاظ على هذا البحر يعني الحفاظ على توازن بيئي دقيق، وتأمين موارد اقتصادية مهمة، ودعم الصحة العامة. إن استمرار التنمية المستدامة، وتنظيم الموارد، والوعي المجتمعي، والتعاون الإقليمي، هي عوامل أساسية لضمان بقاء البحر الميت أحد أعاجيب الطبيعة التي تزخر بها المنطقة العربية والعالم أجمع.
المراجع:
-
تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول حالة البحر الميت 2021.
-
دراسة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حول إدارة الموارد المائية في منطقة البحر الميت 2020.
