أهمية الاعتزاز بالإسلام

الاعتزاز بالإسلام وأثره في بناء الشخصية الإسلامية

إن الاعتزاز بالإسلام ليس شعورًا عابرًا أو انفعالًا مؤقتًا، بل هو موقف راسخ ينبع من فهم عميق لحقيقة هذا الدين، ويؤسس لوجدان مستقر يعتز بالانتماء إلى الرسالة الخاتمة التي جاءت رحمةً للعالمين. فالمسلم الذي يعتز بدينه لا يتردد في إظهار هويته الإسلامية، ولا يخجل من إعلان مبادئه أمام العالم، بل ينظر إلى الإسلام بعين التعظيم، ويعتبره مصدر فخره الأسمى ومنبع كرامته. ولقد كان هذا المعنى حاضرًا في حياة النبي محمد ﷺ وصحابته، ثم تناقلته الأجيال الصالحة جيلاً بعد جيل، فكان أحد أسرار قوة الأمة الإسلامية وعلو شأنها.

الاعتزاز بالإسلام في القرآن والسنة

القرآن الكريم قد أسس مبدأ الاعتزاز بالإسلام في النفوس، وربط العزة الحقيقية بهذا الدين، فقال الله تعالى:

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8]

وفي موضع آخر قال سبحانه:

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10]

فالإسلام هو مصدر العزة، وليس المال أو الجاه أو السلطة، ومن يطلب العزة من غير الإسلام فقد أخطأ الطريق. وقد جسّد النبي محمد ﷺ هذا الاعتزاز عندما قال لعمه أبي طالب:

“يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه”،

فكان عليه الصلاة والسلام فخورًا بدينه معتزًا برسالته، ثابتًا على المبدأ، ولم يساوم أو يتنازل، رغم شدة الأذى والضغوط.

وفي السنة المطهرة نجد تأكيدًا على هذا المفهوم؛ فقد قال ﷺ:

“الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه” [رواه الدارقطني وصححه الألباني]،

وهذا فيه إشارة إلى سيادة الإسلام وعلوه في القيم والمبادئ والتشريعات، وكل من ينتسب إليه يجب أن يشعر بهذا السمو ويتخلق به في واقع حياته.

أبعاد الاعتزاز بالإسلام

الاعتزاز بالإسلام لا يقف عند حد المشاعر، بل يمتد ليشمل الفكر والسلوك والمواقف اليومية، ويتجلى في عدة أبعاد:

1. البعد العقدي

الاعتزاز بالإسلام يبدأ من اليقين بصحة العقيدة التي جاء بها، فالمسلم يعتقد أن دينه هو الدين الحق، وأن التوحيد الذي جاء به الإسلام هو الحقيقة الكبرى التي لا تستقيم الحياة إلا بها. ويؤمن أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن محمدًا ﷺ هو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.

2. البعد السلوكي

من يعتز بالإسلام يحرص على أن تكون تصرفاته وسلوكياته منسجمة مع تعاليم دينه، فيتخلق بأخلاق النبي ﷺ، ويتمثل قيم الصدق، والأمانة، والعدل، والحياء، والإحسان. ويبتعد عن مواطن الشبهات والفساد، فلا يرضى أن يُنسب إلى الإسلام ما يسيء إليه من خلال تصرفاته.

3. البعد الحضاري

الإسلام قدم أعظم حضارة عرفها التاريخ، حضارة جمعت بين الإيمان والعلم، وبين العبادة والعقل، وبين الروح والمادة. والاعتزاز بالإسلام يعني الاعتزاز بهذا الإرث الحضاري الضخم، من إنجازات العلماء المسلمين في الطب والفلك والرياضيات والفلسفة، إلى إسهاماتهم في الفكر والقانون والفنون.

4. البعد الاجتماعي

المعتز بدينه يفتخر بانتمائه إلى أمة محمد ﷺ، ويشعر بالولاء للمسلمين، ويسعى إلى خدمة قضاياهم، ويدافع عنهم عند الحاجة، ويعتني بأوضاعهم في كل مكان. ولا يسمح لأي شعور بالانهزام أو التبعية أن يتسلل إلى نفسه، بل يسعى إلى إعلاء شأن المسلمين وإصلاح أوضاعهم.

5. البعد الدعوي

الاعتزاز بالإسلام يدفع المسلم إلى الدعوة إليه، وبيان محاسنه، والدفاع عنه، والرد على الشبهات التي تُثار ضده. كما يحمله على تمثيل الإسلام خير تمثيل أمام غير المسلمين، فيكون صورة مشرقة عن هذا الدين بقوله وفعله.

مظاهر الاعتزاز بالإسلام في حياة الصحابة

لقد ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في الاعتزاز بالإسلام، وكانوا يفتخرون بدينهم ولو كانوا في قلة أو في حالة ضعف. فعندما سأل كسرى رسول عبد الله بن حذافة السهمي: “أأنتم خير أم نحن؟”، رد عليه الصحابي بثبات:

“نحن لا نقيس الأمور كما تقيسون، الإسلام هو العزة، ومن يعتز بغيره فقد ذل.”

وحين جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح بيت المقدس، دخل وهو على ناقته بثوب مرقع، فقال له أحد القادة: “لو لبست ثوبًا جديدًا وتزينت لأهل البلد!”، فرد عمر قائلًا:

“نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.”

وهذا هو لُبّ الاعتزاز، أن تدرك أن كل عزة تُطلب من غير الإسلام فهي وهم وسراب.

أثر الاعتزاز بالإسلام في الفرد والمجتمع

أولاً: في بناء شخصية المسلم

• يعزز الثقة بالنفس ويمنع الشعور بالدونية أمام الثقافات الأخرى.

• يزرع الجرأة في إعلان المبادئ والتمسك بها.

• يحمي من التقليد الأعمى للغرب أو الانسلاخ من الهوية.

• يعين على الثبات في زمن الفتن والانحرافات الفكرية.

ثانيًا: في حفظ الهوية الإسلامية

• الاعتزاز بالإسلام هو السور الحامي للهوية في مواجهة محاولات التغريب.

• يدفع المسلمين إلى الحفاظ على لغتهم، ولباسهم، وعاداتهم المرتبطة بالإسلام.

• يمنع الانسلاخ عن الثقافة الإسلامية، ويساعد على مقاومة الذوبان في الثقافات الأخرى.

ثالثًا: في نهضة الأمة

• الأمم لا تنهض إلا إذا اعتزت بمبادئها، ولا تنهار إلا إذا فقدت ثقتها بنفسها.

• الاعتزاز بالإسلام يولد الحماسة للعمل والدعوة والبناء الحضاري.

• يعزز التضامن بين أفراد الأمة، ويقوي الروابط بين الشعوب الإسلامية.

التحديات المعاصرة للاعتزاز بالإسلام

في العصر الحديث، يواجه المسلمون عدة تحديات تهدد اعتزازهم بدينهم، منها:

ولمواجهة هذه التحديات، لا بد من ترسيخ الاعتزاز بالإسلام منذ الصغر، وتحصين الجيل بالعلم الشرعي الصحيح، وتوفير بيئات حاضنة تعزز الهوية والانتماء.

وسائل غرس الاعتزاز بالإسلام

• التربية الأسرية: من خلال تعليم الأطفال فضل الإسلام، وتعريفهم بسيرة النبي ﷺ والصحابة، وغرس الفخر في نفوسهم بهذا الدين.

• المناهج التعليمية: عبر دمج القيم الإسلامية في المواد الدراسية وتقديم رموز الإسلام كنماذج يُحتذى بها.

• الخطاب الديني: يجب أن يكون خطابًا واقعيًا، عميقًا، يُظهر محاسن الإسلام ويغذي مشاعر الاعتزاز.

• القدوة الحسنة: لا شيء يرسخ الفخر بالدين أكثر من رؤية قدوات تعيش الإسلام في كل تفاصيل حياتها.

• العمل الإعلامي الواعي: من خلال منصات تنشر الفكر الإسلامي الوسطي وتدافع عن قيمه بلغة العصر.

نماذج من مظاهر الاعتزاز بالإسلام في العصر الحديث

على الرغم من التحديات، هناك الكثير من الصور المضيئة التي تعبر عن الاعتزاز بالإسلام، من شباب يتمسكون بحجابهم في المجتمعات الغربية، إلى علماء يرفعون راية الإسلام في الجامعات العالمية، إلى دعاة يعرضون الإسلام بطريقة حضارية راقية في وسائل التواصل.

كما أن الإقبال على تعلم القرآن، وانتشار حلقات التحفيظ، وتزايد الاهتمام بالسيرة النبوية، كلها مظاهر تدل على أن الأمة لا تزال تحتفظ بمخزون هائل من الفخر والاعتزاز بهذا الدين، وهو ما يشكل مصدرًا للأمل في النهوض والتجديد.

خاتمة

الاعتزاز بالإسلام ليس ترفًا فكريًا ولا خيارًا شخصيًا، بل هو ضرورة وجودية للمسلم، وهو الوقود الذي يحرّكه في دروب الحياة، وهو الحصن الذي يحميه من الذوبان في الثقافات الأخرى، وهو المفتاح لصناعة الشخصية المسلمة القوية المعتزة بإيمانها ومبادئها. وإذا أرادت الأمة الإسلامية أن تعود إلى سابق مجدها، فعليها أن تبدأ من هنا: من تجديد الاعتزاز بالإسلام في النفوس، وإحياء معاني الفخر والانتماء لهذا الدين العظيم.

المراجع:

1. ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم

2. الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن