أهداف التعليم المستدام

عنوان المقال: أهداف التعليم المستدام

مقدمة

يُعد التعليم أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة على المستويات المحلية والعالمية، إذ يشكل القوة الدافعة وراء تقدم المجتمعات وتطورها الشامل، فهو لا يقتصر على اكتساب المعرفة والمهارات فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى بناء الوعي البيئي، وترسيخ القيم الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان التنمية الاقتصادية المستدامة. في إطار الجهود العالمية التي تجسدت في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، تم اعتماد 17 هدفاً للتنمية المستدامة (SDGs)، يحتل التعليم منها الهدف الرابع بمكانة محورية، ويكمن تحت عنوان: “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة”.

يتناول هذا المقال بشكل موسّع علاقة التعليم بالتنمية المستدامة، وأهدافه، وارتباطه بباقي الأهداف العالمية، وكيفية تفعيل هذه الأهداف في البيئات التعليمية المختلفة، إضافة إلى التحديات التي تواجه تنفيذها وسبل التغلب عليها، مع استعراض بعض التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال.

أولاً: التعليم والتنمية المستدامة – العلاقة الجوهرية

يشكل التعليم الوسيلة الفاعلة لتحقيق التنمية المستدامة لأنه يُمكن الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة، والمساهمة بفعالية في مجتمعاتهم، والحفاظ على البيئة، وبناء اقتصاد متين قائم على المعرفة. وتبرز أهمية التعليم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال أبعاده الثلاثة الأساسية:

• الاقتصاد: التعليم يعزز من فرص العمل، وينمي مهارات القوى العاملة، ويرفع من الإنتاجية الوطنية.

• الاجتماع: يكرس مبادئ المواطنة، ويكافح الفقر، ويعزز المساواة والتماسك الاجتماعي.

• البيئة: يرفع الوعي البيئي ويحفز على ممارسات مستدامة تجاه الموارد الطبيعية.

ثانياً: الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة – تفصيل ومؤشرات

جاء الهدف الرابع في خطة 2030 تحت عنوان: “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع”. يتضمن هذا الهدف سبع غايات رئيسية وثلاث وسائل تنفيذ، تتمثل فيما يلي:

الغايات الأساسية:

1. التعليم الابتدائي والثانوي الجيد والمجاني: ضمان التحاق جميع الأطفال بالتعليم المجاني والمنصف.

2. التعليم المبكر والطفولة المبكرة: تعزيز فرص الالتحاق بجودة تعليم ما قبل المدرسة.

3. التعليم الفني والمهني والعالي: ضمان فرص متساوية للجميع للتعليم العالي والتقني.

4. اكتساب المهارات اللازمة للعمل والعيش الكريم: تطوير المهارات الفنية والمهنية.

5. المساواة بين الجنسين في التعليم: إنهاء كافة أشكال التمييز بين الجنسين.

6. تمكين الجميع من محو الأمية والعددية: محو الأمية الأبجدية والحسابية للكبار.

7. التعليم من أجل التنمية المستدامة والمواطنة العالمية: إدماج مفاهيم المواطنة والتعددية البيئية.

وسائل التنفيذ:

1. بناء وتحسين المرافق التعليمية لتكون آمنة ومتاحة للجميع.

2. توفير المنح الدراسية الدولية خاصة للبلدان النامية.

3. زيادة المعلمين المؤهلين من خلال التعاون الدولي والتدريب المستمر.

ثالثاً: تكامل أهداف التعليم مع باقي أهداف التنمية المستدامة

لا يقف دور التعليم عند تحقيق الهدف الرابع فحسب، بل يعد عنصراً محورياً في تحقيق بقية الأهداف، وذلك على النحو الآتي:

رابعاً: التعليم من أجل التنمية المستدامة (ESD)

ظهر مفهوم “التعليم من أجل التنمية المستدامة” كاتجاه عالمي يُعنى بدمج مفاهيم التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية في المناهج الدراسية، ويهدف إلى:

• تعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات.

• تشجيع التعلم القائم على القيم والتجريب والمشاركة.

• بناء الوعي البيئي والعدالة الاجتماعية والمسؤولية العالمية.

• إشراك الطلاب في اتخاذ قرارات مستدامة على المستوى المحلي والعالمي.

وقد تبنت اليونسكو هذا الاتجاه من خلال برامج ومبادرات تربوية مثل “المدارس المستدامة”، و”المدن التعليمية”، وغيرها.

خامساً: الاستراتيجيات المقترحة لتحقيق أهداف التعليم المستدام

لتحقيق أهداف التعليم المستدام، لا بد من توظيف مجموعة من الاستراتيجيات المتكاملة:

1. تحسين جودة التعليم: من خلال مراجعة المناهج، وتطوير طرق التدريس، وربط التعليم بالحياة العملية.

2. دمج التربية البيئية والحقوقية في البرامج الدراسية.

3. تعزيز الإنصاف والمساواة في الوصول إلى التعليم خاصة للفئات المهمشة.

4. تنمية المهارات الرقمية والتكنولوجية لتأهيل الطلبة لسوق العمل العالمي.

5. تدريب المعلمين بشكل مستمر لتمكينهم من تبني ممارسات تعليمية مستدامة.

6. استخدام وسائل تعليمية متنوعة تشمل التعليم الإلكتروني، والتعليم المفتوح.

7. إقامة شراكات بين القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لتحقيق تكامل الجهود.

سادساً: التحديات التي تواجه أهداف التعليم المستدام

رغم التقدم الملحوظ في بعض الدول، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعرقل تحقيق الهدف الرابع، أبرزها:

• ضعف التمويل لقطاع التعليم في العديد من الدول النامية.

• النزاعات والكوارث الطبيعية التي تعيق الاستمرارية في التعليم.

• الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية.

• ضعف البنية التحتية التعليمية وافتقارها للتكنولوجيا.

• نقص الكوادر المؤهلة من المعلمين المتخصصين في مفاهيم التنمية المستدامة.

• التمييز وعدم المساواة في الوصول إلى التعليم للفتيات وذوي الإعاقة.

سابعاً: نماذج وتجارب ناجحة في تحقيق أهداف التعليم المستدام

شهدت بعض الدول خطوات متقدمة في تبني سياسات تعليمية داعمة للتنمية المستدامة، ومن أبرز النماذج:

تجربة فنلندا:

تعد فنلندا مثالاً رائداً في دمج مفاهيم التنمية المستدامة في التعليم، حيث تركز المناهج الدراسية على القضايا البيئية والمواطنة العالمية، وتعتمد على نهج متعدد التخصصات، كما تشجع الاستقلالية لدى الطلاب والمعلمين.

تجربة كوريا الجنوبية:

تبنت كوريا الجنوبية نظاماً تعليمياً متقدماً يركز على الابتكار والتكنولوجيا، وقدمت مبادرات لدمج التعليم البيئي في مختلف مراحل التعليم، مع استثمار قوي في تدريب المعلمين وتحسين المرافق التعليمية.

مبادرة المدارس المستدامة في كينيا:

في إطار برنامج دعم التعليم البيئي، قامت بعض المدارس الكينية بإنشاء حدائق مدرسية تستخدم في تعليم الزراعة المستدامة، بالإضافة إلى دروس توعوية حول الحفاظ على المياه والطاقة.

ثامناً: أهمية التقييم والمتابعة في تنفيذ أهداف التعليم المستدام

تحقيق أهداف التعليم المستدام يتطلب أنظمة تقييم فعالة لرصد التقدم ومراجعة السياسات. من أهم المؤشرات المستخدمة:

• نسب الالتحاق والإتمام في مختلف المراحل الدراسية.

• معدلات محو الأمية بين الكبار.

• نسبة الطلبة الذين يمتلكون مهارات القراءة والحساب.

• مستوى إدماج مفاهيم التنمية المستدامة في المناهج.

• نسبة المدارس التي تتمتع ببنية تحتية صديقة للبيئة.

توفر هذه المؤشرات بيانات كمية ونوعية تسهم في اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة وتحسين السياسات التعليمية.

تاسعاً: مستقبل التعليم في إطار التنمية المستدامة

يتطلب المستقبل مزيداً من التركيز على:

• التحول الرقمي في التعليم ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي.

• التعليم القائم على المشروعات الذي يحاكي مشكلات واقعية.

• الاهتمام بالصحة النفسية والعاطفية للمتعلمين.

• تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين مثل الإبداع، التعاون، التواصل، وحل المشكلات.

• تعزيز الشراكة بين التعليم وسوق العمل لضمان مواءمة المهارات مع احتياجات الاقتصاد.

خاتمة

يشكل التعليم حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة والعادلة. فهو ليس هدفاً مستقلاً فحسب، بل هو عامل تمكين لكل الأهداف الأخرى، ومن خلال الاستثمار في التعليم الجيد، المنصف، والشامل، يمكن خلق مجتمعات قادرة على مواجهة تحديات العصر وبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة. ومع تصاعد الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، تتزايد الحاجة لتعليم يزرع الوعي ويؤهل الأفراد لاتخاذ قرارات مستنيرة تؤسس لعالم أكثر استدامة وعدالة.

المراجع:

1. United Nations (2015). Transforming our World: The 2030 Agenda for Sustainable Development.

2. UNESCO (2020). Education for Sustainable Development: A Roadmap.