أنواع الفقع وفوائده

أنواع الفقع وخصائصه وفوائده البيئية والغذائية

يُعد الفقع أو الكمأ من الكائنات الفطرية الفريدة التي تنمو تحت سطح الأرض في مناطق محددة، ويُعتبر من أكثر الأطعمة الفاخرة شهرة وقيمة حول العالم. يمتاز الفقع برائحته النفاذة، وندرته، وقيمته الغذائية العالية، إضافة إلى مذاقه المميز الذي يجعله مكونًا مرغوبًا في أرقى المطابخ العالمية. ورغم أن شكله الخارجي لا يوحي بتعقيد، إلا أن تصنيفه النباتي، وأنواعه، وبيئته، وخصائصه، وتاريخه، يفتح مجالات واسعة للبحث والمعرفة. ينمو الفقع في بيئات طبيعية محددة، ويتنوع بحسب ظروف التربة، والمناخ، والنوع النباتي المتعايش معه، مما يُنتج أنواعًا متعددة تختلف في اللون، والطعم، والخصائص الفيزيائية.

أولًا: تعريف الفقع وأهم خصائصه البيئية

الفقع أو الكمأ هو نوع من الفطريات التي تنتمي إلى عائلة “Tuberaceae”، وهي فطريات جوفية تنمو على أعماق تتراوح بين 5 و30 سنتيمترًا تحت سطح الأرض. تتميز بعدم احتوائها على جذور أو سيقان أو أوراق، بل تتكون من جسم كروي أو بيضاوي غير منتظم الشكل، وتتشكل نتيجة تفاعل معقد بين نوع من الفطريات وجذور أشجار معينة مثل البلوط أو الصنوبر أو الطلح أو السمر في البيئات الصحراوية.

ينمو الفقع عادةً في مناطق ذات تربة غنية بالكلس وذات تهوية جيدة، وغالبًا ما يُعثر عليه بعد مواسم الأمطار، خاصة في البيئات الصحراوية أو شبه الصحراوية، وفي بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.

ثانيًا: العوامل البيئية المؤثرة في نمو الفقع

ينمو الفقع في ظروف بيئية شديدة الخصوصية، وتتمثل أهم العوامل التي تؤثر في تكوينه ونموه فيما يلي:

• نوع التربة: يفضل الفقع التربة الرملية الكلسية جيدة التصريف، والتي تكون فقيرة في المواد العضوية.

• الرطوبة والأمطار: يعتمد ظهور الفقع بشكل كبير على كمية وتوقيت هطول الأمطار. إذ يتطلب موسمًا ممطرًا مستقرًا في فصل الشتاء، يتبعه ارتفاع طفيف في درجات الحرارة في فصل الربيع.

• الغطاء النباتي: يتعايش الفقع مع جذور نباتات معينة كالأكاسيا والبلوط، وهو ما يُعرف بالتكافل الفطري الجذري (Mycorrhiza).

• درجة الحرارة: يفضل الفقع درجات حرارة معتدلة، تتراوح بين 10 إلى 25 درجة مئوية.

ثالثًا: تصنيف الفقع حسب اللون والموقع الجغرافي

ينقسم الفقع إلى أنواع متعددة يمكن تصنيفها على أساس اللون، والمذاق، والخصائص البيئية، ومناطق النمو. وفيما يلي أشهر هذه الأنواع:

1. الفقع الأبيض (الكمأ الأبيض – White Truffle)

• الاسم العلمي: Tuber magnatum

• الموطن: إيطاليا (خاصة منطقة ألبا)، وبعض مناطق كرواتيا.

• الخصائص: يُعتبر من أندر وأغلى أنواع الفقع في العالم، يمتاز برائحة قوية للغاية ونكهة فاخرة، وغالبًا ما يُقدم مبشورًا فوق الأطباق الفاخرة.

• السعر: قد يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منه 5000 يورو، حسب الجودة والحجم.

2. الفقع الأسود (الكمأ الأسود – Black Truffle)

• الاسم العلمي: Tuber melanosporum

• الموطن: فرنسا (خاصة منطقة بيريجورد)، إسبانيا، وأستراليا مؤخرًا.

• الخصائص: يمتاز بقشرة سوداء خشنة ورائحة أقل حدّة من الأبيض، لكنه لا يزال يُعتبر من الأنواع الراقية.

• الاستخدام: يُستخدم بكثرة في الطهي الفرنسي والإيطالي.

3. الفقع الصيفي (Summer Truffle)

• الاسم العلمي: Tuber aestivum

• الموطن: أوروبا الجنوبية والشرقية.

• الخصائص: له نكهة أخف من الفقع الأسود الشتوي، وأقل سعرًا، لكنه يتميز بتوفره لفترات أطول.

4. الفقع الصيني (Chinese Truffle)

• الاسم العلمي: Tuber indicum

• الموطن: الصين، خاصة المناطق الجبلية.

• الخصائص: أقل جودة من الأنواع الأوروبية، ويُنتقد كثيرًا بسبب استخدامه كبديل للأنواع الفاخرة مع تسويق مضلل.

5. الفقع الصحراوي أو الزبيدي (Desert Truffle)

• الاسم العلمي: Terfezia و Tirmania

• الموطن: الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، والخليج العربي.

• الأنواع الفرعية:

  • الزبيدي: أكبر أنواع الفقع الصحراوي حجمًا، ولونه أبيض كريمي.

  • الخلاص: صغير الحجم، بني محمر، ونكهته قوية.

  • الجبي: أسود اللون من الداخل والخارج، ويُعتبر من الأنواع النادرة.

• الخصائص: ينمو بعد موسم الأمطار في الأراضي الصحراوية، ويُستخدم بكثرة في المطبخ العربي.

جدول يوضح أشهر أنواع الفقع ومواصفاتها

رابعًا: أهمية الفقع الغذائية والطبية

الفقع ليس مجرد طعام فاخر، بل يحتوي على العديد من الفوائد الغذائية والطبية التي تجعله ذا قيمة غذائية عالية:

• غني بالبروتينات: يحتوي على نسبة مرتفعة من البروتين مقارنة بالخضروات الأخرى، مما يجعله غذاء جيدًا للنباتيين.

• منخفض الدهون: يكاد يكون خاليًا من الدهون، ما يجعله مناسبًا للأنظمة الغذائية الصحية.

• مصدر للمعادن: مثل الحديد، الفسفور، الكالسيوم، والمغنيسيوم.

• مضاد للأكسدة: يحتوي على مركبات مضادة للأكسدة تساعد في تقوية الجهاز المناعي.

• خصائص مضادة للبكتيريا: أظهرت بعض الدراسات أن مستخلصات الفقع لها تأثيرات مثبطة لنمو بعض البكتيريا الضارة.

• مناسب لمرضى السكري: لاحتوائه على سكريات طبيعية معقدة غير ضارة.

خامسًا: العلاقة البيئية بين الفقع والأشجار المضيفة

يمثل الفقع نموذجًا حيًا للعلاقات التكافلية في الطبيعة، حيث ينمو من خلال علاقة “تعايش جذري فطري” مع جذور بعض الأشجار المعينة. تقوم الفطريات بتحسين امتصاص الشجرة للماء والمعادن من التربة، مقابل حصولها على السكريات الناتجة من عملية التمثيل الضوئي. وتُعد هذه العلاقة من الأمثلة النادرة في الطبيعة على التبادل المتكافئ الذي يدعم التنوع البيولوجي.

سادسًا: طرق البحث عن الفقع وجمعه

يعتمد العثور على الفقع على خبرة كبيرة، وغالبًا ما تُستخدم الكلاب أو الخنازير المدربة نظرًا لقدرتها على اكتشاف رائحته النفاذة تحت الأرض. وتُعد هذه الممارسة جزءًا من تقاليد قديمة لا تزال تُمارس حتى اليوم في فرنسا وإيطاليا.

وتتم عملية الجمع بعناية كبيرة، حيث يجب عدم تدمير التربة المحيطة لضمان استمرار نمو الفقع في الموسم التالي. وتُستخدم أدوات خاصة لاستخراجه دون إلحاق ضرر بجذوره أو البيئة الجذرية للشجرة.

سابعًا: زراعة الفقع – حلم واعد

رغم أن الفقع يُعد من الكائنات البرية النادرة، إلا أن الأبحاث العلمية والتقنيات الزراعية الحديثة سمحت بزراعته تجاريًا. تتطلب زراعة الفقع إعدادًا طويل الأمد يبدأ بتطعيم جذور شتلات الأشجار المناسبة بفطر الفقع، ثم زراعتها في بيئات طبيعية مشابهة للبيئة البرية، مع الحفاظ على نظام ري دقيق ومحسوب.

بدأت العديد من الدول مثل فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، وأستراليا في تبني مشاريع زراعة الفقع بشكل تجاري ناجح، إلا أن الأمر لا يزال يتطلب سنوات من الصبر والخبرة.

ثامنًا: الفقع في الثقافة العربية

يحظى الفقع بمكانة خاصة في الثقافة العربية، ويُعرف في الجزيرة العربية بأسماء مثل “الكمأ” أو “الزبيدي” أو “الفقع”. وقد ورد ذكره في أحاديث نبوية كغذاء وعلاج، منها الحديث الشريف: “الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين” (رواه البخاري ومسلم)، مما يعطيه مكانة روحية وغذائية هامة لدى العرب والمسلمين.

كما يُعد الفقع من الأطعمة الفاخرة التي تقدم في الولائم والمناسبات الخاصة، وله وصفات تقليدية عديدة في المطبخ الخليجي والمغربي.

المراجع

1. Hall, I.R. & Zambonelli, A. (2007). Edible Ectomycorrhizal Mushrooms: Current Knowledge and Future Prospects. Springer.

2. Trappe, J.M. et al. (2009). Diversity, Ecology, and Conservation of Truffle Fungi in Forest Ecosystems. Forest Ecology and Management.