أنواع العطس وأسبابها الطبية

أنواع العطس: نظرة علمية وطبية شاملة

العطس هو رد فعل فسيولوجي يعكس استجابة الجسم الدفاعية لطرد المهيّجات أو الجسيمات الغريبة من الممرات الأنفية، ويُعد من أبرز المظاهر اللاإرادية التي تجمع بين الجهاز العصبي والجهاز التنفسي في تناغم دقيق. وبرغم أن العطس يبدو ظاهرة بسيطة بل روتينية، فإن الأنواع المتعددة له تحمل دلالات صحية وعصبية وسلوكية تستحق الدراسة والتأمل.

يُعرَّف العطس بأنه انقباض مفاجئ لا إرادي للعضلات التنفسية يؤدي إلى طرد الهواء من الأنف والفم بسرعة قد تتجاوز 160 كم/ساعة، وتُصاحبه غالبًا سلسلة من التغيرات العصبية والتنفسية، بما في ذلك إغلاق الجفون وانقباض الحنجرة ورفع الضغط داخل الصدر. هذا الفعل الانعكاسي المعقد ينشأ عادةً نتيجة تهيج النهايات العصبية في الأغشية المخاطية للأنف.

في هذا المقال، سنستعرض الأنواع المختلفة للعطس، والاختلافات الفردية والجينية المرتبطة بها، والعوامل البيئية والنفسية المساهمة، إضافة إلى التفسيرات الطبية والعصبية المتعلقة بها، مع الإشارة إلى ما يقوله العلم الحديث حول هذه الظاهرة المتعددة الأبعاد.

أولًا: العطس التحسسي (Allergic Sneezing)

يُعد العطس التحسسي من أكثر الأنواع شيوعًا ويحدث نتيجة تحفيز الجهاز المناعي كرد فعل ضد مواد غير مؤذية في العادة، مثل حبوب اللقاح، الغبار، العفن، شعر الحيوانات أو عث الغبار.

ينتج عن هذا النوع إفراز مادة الهيستامين التي تُسبب التهابًا في الأنف وزيادة في إفرازات الغدد المخاطية، مما يؤدي إلى العطس المتكرر والمتواصل. وقد يصاحب العطس التحسسي أعراض أخرى مثل:

• انسداد الأنف

• الحكة في الأنف والعينين

• تدميع العينين

• السعال الجاف

يُعتبر هذا النوع مؤشرًا مهمًا للإصابة بحساسية الأنف الموسمية أو الدائمة، ويعالج عادةً باستخدام مضادات الهيستامين أو بخاخات الكورتيزون الأنفية.

ثانيًا: العطس المرضي أو الناتج عن العدوى (Infectious Sneezing)

يرتبط هذا النوع من العطس بالإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية في الجهاز التنفسي العلوي، مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا. ويُعد وسيلةً لنشر الفيروسات من خلال قطرات الرذاذ المنتشرة في الهواء، مما يجعله مصدرًا مهمًا للعدوى.

من خصائص هذا النوع:

• غالبًا ما يكون مصحوبًا بسيلان الأنف واحتقانه

• يتكرر في نوبات، خاصة في الأيام الأولى للعدوى

• يرافقه إرهاق، ارتفاع حرارة، التهاب الحلق، وسعال

يمثل العطس في هذه الحالة جزءًا من منظومة الدفاع المناعي لطرد الفيروسات من الجسم، كما يُعد العطس المُعدي أحد العوامل الأساسية في انتقال الأمراض التنفسية في الأماكن المغلقة والمزدحمة.

ثالثًا: العطس النفسي أو العاطفي (Psychogenic Sneezing)

أحد الأنواع الأقل شيوعًا لكنه موجود، وهو العطس الذي ينشأ نتيجة عوامل نفسية أو عاطفية بحتة. ويظهر عادةً في الحالات التي يعاني فيها الشخص من ضغوط نفسية شديدة، قلق أو اضطراب نفسي مزمن.

في هذا السياق، لا يكون هناك محفز مادي كالغبار أو الروائح بل يكون المسبب هو الاستجابة النفسية المرتبطة بمواقف معينة، وقد تم توثيق حالات يرتبط فيها العطس بالتوتر أو حتى بالإثارة الجنسية أو الشعور بالخجل. ويصنف ضمن العطس غير النمطي المرتبط بالجهاز العصبي الذاتي.

رابعًا: العطس الضوئي (Photic Sneeze Reflex)

العطس الضوئي هو ظاهرة وراثية غريبة نسبياً، تصيب ما يقارب 10-35% من البشر، ويُعرف أيضًا بـ “عطسة الشمس” أو “متلازمة ACHOO”، حيث يعطس الفرد عند تعرضه المفاجئ للضوء الساطع مثل الشمس أو الأضواء الفلورية.

يُعتقد أن سبب هذه الظاهرة يعود إلى تقاطع غير طبيعي في المسارات العصبية للعصب ثلاثي التوائم (Trigeminal Nerve) والعصب البصري، مما يؤدي إلى إرسال إشارات خاطئة للأنف عند تعرض العينين لضوء ساطع.

خامسًا: العطس الانعكاسي أو المرتبط بالأكل (Gustatory Sneezing)

هذا النوع يظهر بعد تناول أطعمة معينة، خاصة الأطعمة الحارة أو الساخنة جدًا، مثل الفلفل الحار أو الشطة. وتُعرف هذه الظاهرة علميًا بـ “Gustatory Rhinitis”.

يرجع السبب في هذا العطس إلى تحفيز مستقبلات الحرارة والمواد الكيميائية في الفم والبلعوم، ما يؤدي إلى استثارة العصب المبهم (Vagus Nerve) وإرسال إشارة عصبية تؤدي إلى العطس.

سادسًا: العطس المزمن أو الناتج عن التهيج المستمر (Chronic Irritative Sneezing)

يحدث هذا النوع نتيجة تهيج دائم في الأغشية المخاطية بسبب عوامل بيئية مثل التدخين، التلوث الهوائي، الروائح القوية أو العمل في بيئات صناعية تحتوي على مواد كيميائية.

هذا العطس لا يرتبط بعدوى ولا حساسية واضحة، لكنه مزعج ومستمر، وغالبًا ما يتطلب التدخل بعلاج موضعي مثل بخاخات الملح أو تقليل التعرض للمهيجات.

سابعًا: العطس الناتج عن التغيرات الهرمونية (Hormonal Sneezing)

بعض النساء الحوامل يعانين من عطس مزمن خلال فترات الحمل، ويُعزى ذلك إلى التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الأغشية المخاطية للأنف، مما يسبب احتقانًا مستمرًا يدفع إلى العطس المتكرر، وهذه الحالة تُعرف باسم “Rhinitis of Pregnancy”.

يُعتبر العطس في هذه الحالة عَرَضًا طبيعيًا لكنه قد يؤثر على جودة النوم والتنفس لدى بعض النساء.

ثامنًا: العطس نتيجة الأدوية (Drug-Induced Sneezing)

بعض الأدوية يمكن أن تُسبب العطس كأثر جانبي، خاصةً تلك التي تؤثر على الجهاز العصبي أو الأغشية المخاطية، مثل:

• بعض مضادات الاكتئاب

• أدوية ارتفاع ضغط الدم مثل مثبطات ACE

• بخاخات الأنف إذا استُخدمت بإفراط

في هذه الحالة، يُعد العطس إشارة على تفاعل دوائي غير مرغوب فيه، وقد يتطلب تعديل العلاج أو استبداله.

تاسعًا: العطس الليلي أو المتقطع أثناء النوم (Nocturnal Sneezing)

العطس أثناء النوم حالة غير معتادة، لأن العصب الحسي الذي يسبب العطس يكون في حالة تثبيط خلال مراحل النوم العميق. لكن قد يحدث في بعض الحالات المرتبطة بانقطاع التنفس أثناء النوم أو حساسية الفراش والغبار، ويؤثر على جودة النوم.

جدول توضيحي لأنواع العطس وأسبابها

الجوانب العصبية للعطس

يُعد العطس نموذجًا مثاليًا لفعل انعكاسي معقّد يعتمد على إشارات حسية تنتقل إلى جذع الدماغ، ثم تُرسل إشارات حركية إلى عضلات التنفس والبلعوم والحنجرة. يرتبط العطس أيضًا بمنظومة العصب السمبثاوي والباراسمبثاوي، ما يجعله عرضة للتأثر بالحالة النفسية، والضغط، ومؤثرات بيئية متعددة.

بعض الدراسات الحديثة تشير إلى وجود علاقة بين نمط العطس والشخصية، حيث وُجد أن بعض الأشخاص يعطسون بصوت مرتفع ومفاجئ كعلامة على الانفتاح أو التوتر، بينما آخرون يعطسون بهدوء في إشارة إلى الانطواء أو التحكم الذاتي.

العطس في الثقافة واللغة

اهتمت العديد من الثقافات بتفسير العطس، وارتبطت به خرافات ومعتقدات قديمة، مثل أن العطسة تعني أن أحدهم يذكرك، أو أن العطس أثناء الكلام دليل على الصدق. كما تُرافق العطس عادةً عبارات تقليدية مثل “يرحمكم الله”، وقد تطورت هذه العادات من معتقدات قديمة بأن العطس قد يوقف القلب مؤقتًا.

خاتمة تحليلية

العطس ظاهرة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه على السطح، فهو فعل انعكاسي يحمل دلالات صحية وعصبية ونفسية. تعدد أنواعه يُبرز أهمية فهم السياق الطبي أو البيئي المحيط به لتحديد أسبابه والتعامل معه بفعالية. كما يمثل العطس مرآة لحالة الأنف، والمناعة، والجهاز العصبي، وقد يكون أحيانًا مؤشراً مبكرًا على مرض أو اختلال في التوازن الفسيولوجي.

المراجع:

• Baraniuk, J. N. (2001). “Pathogenesis of allergic rhinitis.” Journal of Allergy and Clinical Immunology, 108(2), S13-S20.

• Eccles, R. (2009). “Mechanisms of the symptoms of the common cold and influenza.” British Journal of Hospital Medicine, 70(2), 71-75.