أنواع السرد الأدبي وأسلوبه

أنواع السرد في الأدب: دراسة معمقة

السرد في الأدب هو عملية نقل الأحداث والقصص من خلال لغة مكتوبة أو شفهية. يتم استخدام السرد لتمثيل تجارب الحياة، وله قدرة على ربط القارئ بالعالم الذي يُستعرض من خلاله. بفضل تنوع الأشكال الأدبية في الأدب، تختلف أساليب السرد تبعًا للغرض الأدبي أو الموضوع الذي يسعى الكاتب إلى تقديمه. ومن خلال هذه المقالة، سنتناول أنواع السرد المختلفة في الأدب، مع استعراض بعض الأنماط الأدبية الأكثر تأثيرًا.

السرد التقليدي (السرد الخطّي)

يعتبر السرد التقليدي أو السرد الخطّي أحد أبسط وأكثر الأنماط الأدبية شيوعًا. يتمثل هذا النوع من السرد في تقديم الأحداث بشكل متسلسل ومنطقي، حيث يبدأ الكاتب من بداية الحدث لينتقل تدريجيًا إلى الذروة ثم الخاتمة. يعتمد هذا النوع من السرد على ترتيب الزمن بشكل ثابت، حيث تسير الأحداث في تسلسل زمني متتابع من دون انقطاع أو تشويش.

في السرد التقليدي، يتبع القارئ مواقف الشخصيات وتطوراتها عبر سياق زمني واضح، مما يساهم في تسهيل فهم القصة. يعد السرد التقليدي أحد الأنماط الأكثر استخدامًا في الأدب الغربي الكلاسيكي مثل أعمال فيرجيل وشكسبير.

السرد غير التقليدي (السرد غير الخطّي)

في المقابل، يُستخدم السرد غير التقليدي لتقديم الأحداث بشكل غير متسلسل. يمكن أن يتنوع هذا النوع من السرد في هيكله الزمني، حيث يقوم الكاتب بتقديم مشاهد وأحداث متفرقة لا ترتبط دائمًا بالترتيب الزمني الطبيعي. يتمكن الكاتب هنا من اللعب بالزمن واستخدام تقنيات مثل الفلاش باك (الاسترجاع الزمني) أو الفلاش فورورد (التنبؤ بالمستقبل).

من أبرز مميزات السرد غير التقليدي قدرته على تقديم قصة تتسم بالغموض والإثارة، مما يسمح للقراء باكتشاف معاني أعمق من خلال إعادة ترتيب الأحداث بأنفسهم. يعد هذا النوع من السرد شائعًا في الأدب الحداثي، مثل روايات “على الطريق” لجاك كيرواك أو “1984” لجورج أورويل، حيث يكون القارئ مطالبًا بتفسير تداخل الأحداث في إطار زمني غير ثابت.

السرد الداخلي (السرد من وجهة نظر الشخصيات)

يتمثل السرد الداخلي في تقديم القصة من وجهة نظر إحدى الشخصيات داخل العمل الأدبي، بحيث يُستعرض الأحداث من خلال أفكار ومشاعر تلك الشخصية. يُعرف هذا النوع من السرد أحيانًا بالسرد بضمير “أنا”، حيث يُستخدم أول شخص (أنا) لتقديم الأحداث. هذا الأسلوب يعزز من انغماس القارئ في التجربة العاطفية والعقلية للشخصية الرئيسية.

السرد الداخلي يمكن أن يكون أداة قوية لفحص النفس البشرية والتعمق في معاني العواطف والتجارب الشخصية. تُستخدم هذه التقنية على نطاق واسع في الأدب النفسي، كما في رواية “يوليسيس” لجيمس جويس، حيث يتداخل السرد الداخلي مع التشويش الذهني للشخصيات.

السرد الخارجي (السرد الموضوعي)

في السرد الخارجي، يظل الراوي بعيدًا عن الأحداث ولا يظهر في القصة مباشرة. يُعرف هذا النوع من السرد بالسرد بضمير “هو/هي” أو “هم/هن”، حيث يصف الراوي الأحداث من وجهة نظر محايدة خارجية. في هذا الأسلوب، يركز السرد على الوصف الخارجي للأشخاص والأماكن والأحداث بدلاً من الخوض في أعماق أفكار الشخصيات.

يعد السرد الخارجي من الأساليب الكلاسيكية الأكثر استخدامًا في الأدب الغربي. يتيح هذا النوع من السرد للكاتب تقديم القصة بأسلوب حيادي، حيث يمكنه أن يسلط الضوء على تفاعلات الشخصيات دون التأثير المباشر على القارئ. مثل هذا السرد شائع في أعمال الروائيين مثل تشارلز ديكنز، الذي يستخدم الراوي الخارجي ليروي قصة طبقات المجتمع في رواياته.

السرد متعدد الأصوات

السرد متعدد الأصوات يشير إلى أسلوب في السرد يتم فيه تضمين وجهات نظر متعددة لشخصيات مختلفة في القصة. يمكن أن يستخدم هذا النوع من السرد عدة ضمائر (أول، ثاني، وثالث) من أجل تقديم رؤية متعددة للحدث الواحد من خلال عيون كل شخصية. هذا الأسلوب يعزز من تعقيد العمل الأدبي، مما يتيح للقارئ فهمًا أعمق وأشمل للأحداث.

تستخدم الروايات متعددة الأصوات العديد من التقنيات مثل التبديل بين الشخصيات أو تقديم السرد من خلال رسائل أو مذكرات شخصية. من الأمثلة البارزة على السرد متعدد الأصوات رواية “أغنية الجليد والنار” لجورج ر. ر. مارتن، حيث يتم سرد القصة من وجهات نظر متعددة لشخصيات متنوعة.

السرد العميق (السرد الشامل)

السرد العميق أو السرد الشامل هو أسلوب يتعمق في العقول الداخلية للشخصيات، ويستعرض أفكارهم وعواطفهم بأدق التفاصيل. في هذا النوع من السرد، يُ