أنواع التغذية الراجعة غير المفيدة

التغذية الراجعة غير المفيدة: مفاهيمها، أبعادها، وأثرها على الأفراد والبيئة العملية

تعد التغذية الراجعة من الأساسيات التي يقوم عليها التطوير الشخصي والمهني، إذ يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الأداء وتحفيز الأفراد لتحقيق أهدافهم. ومع ذلك، قد تكون بعض أنواع التغذية الراجعة غير مفيدة أو حتى ضارة إذا لم تكن مُعتمدة على أسس واضحة أو إذا كانت تُعطى بطريقة غير مناسبة. يهدف هذا المقال إلى توضيح مفهوم التغذية الراجعة غير المفيدة، الأسباب التي تجعلها كذلك، وكيفية تجنبها في بيئات العمل والتعليم والمواقف الاجتماعية.

1. مفهوم التغذية الراجعة وأهمية دورها في التحسين

التغذية الراجعة هي عملية توفير معلومات أو تقييمات حول أداء أو سلوك شخص معين، بهدف مساعدته في تحسين أدائه أو تصرفاته المستقبلية. وتعتبر التغذية الراجعة أداة حيوية في العديد من المجالات مثل التعليم، والإدارة، والتدريب الرياضي، والعلاقات الشخصية. عندما يتم تقديم التغذية الراجعة بشكل مناسب، يمكن أن تساهم في رفع مستوى الأداء، تعزيز المهارات، وتحفيز الأفراد على تحقيق أفضل النتائج.

لكن التغذية الراجعة لا تقتصر فقط على تقديم آراء بناءة. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون غير مفيدة إذا لم يتم تقديمها بشكل مناسب أو كانت مبنية على مفاهيم غير دقيقة أو نية سلبية.

2. أنواع التغذية الراجعة غير المفيدة

تتعدد أنواع التغذية الراجعة التي قد تُعتبر غير مفيدة، وفيما يلي نستعرض بعض الأشكال الرئيسية لها:

أ. التغذية الراجعة الغامضة وغير المحددة

من أبرز صور التغذية الراجعة غير المفيدة هي تلك التي تفتقر إلى الوضوح والتحديد. فعندما لا يتلقى الشخص معلومات محددة حول سلوكه أو أدائه، يكون من الصعب عليه معرفة ما يجب تحسينه أو كيفية التغيير. على سبيل المثال، عبارة مثل “أنت تحتاج إلى تحسين عملك” لا توفر أي تفاصيل ملموسة حول ما يجب فعله بشكل مختلف.

ب. التغذية الراجعة السلبية بشكل مفرط

نوع آخر من التغذية الراجعة غير المفيدة هو الذي يركز فقط على السلبيات دون تقديم أي إشارات إيجابية أو اقتراحات للتحسين. هذه التغذية الراجعة قد تضر بثقة الشخص في نفسه وتؤدي إلى شعوره بالإحباط أو فقدان الدافع. على سبيل المثال، “أنت دائمًا تخطئ في هذه المهمة” هو نوع من التعليقات الذي لا يقدم أي حل أو طريقة للتطوير.

ج. التغذية الراجعة التي تعتمد على الأحكام الشخصية

التغذية الراجعة التي تعتمد على الأحكام الشخصية لا تركز على الأداء أو السلوك الفعلي، بل تعتمد على تفسيرات ذات طابع شخصي أو عاطفي. مثل هذه التعليقات قد تؤدي إلى تشويش الشخص وتجعله يعتقد أن المشكلة تكمن في شخصيته نفسها بدلاً من طريقة أدائه. على سبيل المثال، قول “أنت شخص غير منتبه” بدلاً من “يجب أن تركز أكثر في التفاصيل” هو نوع من الأحكام غير المفيدة.

د. التغذية الراجعة التي لا تتماشى مع الأهداف

في بعض الأحيان، قد تُعطى تغذية راجعة تكون غير مفيدة لأنها تتناقض مع الأهداف أو المعايير التي يعمل الشخص من أجلها. على سبيل المثال، إذا كان أحد الموظفين يعمل على مشروع يتطلب السرعة، ولكن تم تقديم تغذية راجعة تدعوه إلى التركيز على الدقة بدلاً من السرعة، فإن هذا النوع من التغذية الراجعة قد يعرقل تقدمه.

هـ. التغذية الراجعة التي لا تعتمد على الملاحظات الموضوعية

عندما تُعطى التغذية الراجعة بناءً على ملاحظات غير موضوعية أو شائعات أو انطباعات سطحية، فإنها تصبح غير مفيدة. هذا النوع من التغذية الراجعة لا يعكس الواقع الفعلي للأداء، وبالتالي يصبح لا فائدة منه.

3. أسباب التغذية الراجعة غير المفيدة

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل التغذية الراجعة غير مفيدة، ويمكن تلخيصها في عدة عوامل رئيسية:

أ. نقص التدريب أو الوعي لدى مقدمي التغذية الراجعة

إذا لم يكن الشخص الذي يقدم التغذية الراجعة مدربًا أو مؤهلًا بشكل كافٍ، فقد يفتقر إلى المهارات اللازمة لتقديم التغذية الراجعة بطريقة بناءة وفعّالة. يمكن أن يكون تقديم التغذية الراجعة عملًا صعبًا إذا لم يكن لدى الشخص فهم عميق حول كيفية جعل الملاحظات مفيدة.

ب. غياب الهدف الواضح للتغذية الراجعة

عندما تكون التغذية الراجعة غير محددة الهدف أو غير مرتبطة بتحقيق أهداف محددة، فإنها تصبح غير مفيدة. التغذية الراجعة التي لا تهدف إلى تحسين الأداء أو تعزيز مهارات معينة لا تقدم قيمة حقيقية للمستفيد.

ج. غياب التوازن بين الإيجابي والسلبي

إذا تم التركيز فقط على الجوانب السلبية في التغذية الراجعة، فقد يخلق ذلك بيئة سلبية تؤثر على المعنويات وتؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. من المهم أن تحتوي التغذية الراجعة على إشارات إيجابية لتشجيع الأفراد على تحسين أدائهم.

د. التغذية الراجعة المقدمة في وقت غير مناسب

تقديم التغذية الراجعة في وقت غير مناسب يمكن أن يجعلها غير مفيدة. على سبيل المثال، إذا تم تقديم الملاحظات في وقت متأخر بعد حدوث الخطأ أو الفشل، قد يكون من الصعب على الشخص تطبيق التغييرات أو التوجيهات بشكل فعّال.

هـ. العوامل العاطفية والتأثيرات الشخصية

أحيانًا قد تؤثر العوامل الشخصية والعاطفية على تقديم التغذية الراجعة. عندما يكون مقدم التغذية الراجعة متأثرًا بمشاعر سلبية تجاه الشخص المعني، قد تكون التغذية الراجعة محملة بالمشاعر السلبية أو قد تحتوي على تعبيرات غير لائقة.

4. التأثيرات السلبية للتغذية الراجعة غير المفيدة

التغذية الراجعة غير المفيدة يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على الأفراد بطرق متعددة. قد تؤدي إلى:

أ. تراجع الثقة بالنفس

التغذية الراجعة السلبية أو الغامضة قد تؤدي إلى شعور الأفراد بعدم الكفاءة أو النقص، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على الأداء بشكل جيد في المستقبل.

ب. انخفاض الدافع والابتكار

عندما لا تكون التغذية الراجعة بناءة، قد يشعر الأفراد بأنهم غير قادرين على التقدم أو تحسين أدائهم، مما يؤدي إلى انخفاض الدافع للابتكار أو تقديم أفضل ما لديهم.

ج. التشويش والصراع في بيئة العمل

التغذية الراجعة غير الموضوعية أو التي تستند إلى الأحكام الشخصية قد تؤدي إلى تزايد الصراعات في بيئات العمل. قد يشعر الأفراد بعدم العدالة أو الإحباط بسبب التغذية الراجعة التي لا تستند إلى معايير واضحة أو عادلة.

د. فقدان الإيمان بالعملية التعليمية أو الإدارية

إذا تكررت التغذية الراجعة غير المفيدة في بيئة تعليمية أو إدارية، قد يؤدي ذلك إلى فقدان الإيمان بالعملية برمتها، حيث يمكن أن يُنظر إليها على أنها غير فعّالة أو غير مجدية.

5. كيفية تحسين التغذية الراجعة

من أجل تجنب التغذية الراجعة غير المفيدة، يمكن اتخاذ عدة خطوات لتحسين العملية وجعلها أكثر فعالية:

• التحديد الواضح للأهداف: من الضروري أن تكون التغذية الراجعة مرتبطة بأهداف محددة. يجب أن يكون الشخص الذي يتلقى التغذية الراجعة قادرًا على فهم ما يحتاج إلى تغييره وكيفية القيام بذلك.

• التوازن بين الإيجابي والسلبي: يجب أن تحتوي التغذية الراجعة على إشارات إيجابية إلى جانب التعليقات النقدية. من خلال تقدير الجهود المبذولة، يمكن تحفيز الأفراد على تحسين أدائهم.

• التوقيت المناسب: ينبغي تقديم التغذية الراجعة في الوقت المناسب، عندما يمكن للفرد استخدامها بشكل عملي لتحسين أدائه.

• التدريب على تقديم التغذية الراجعة: يجب تدريب أولئك الذين يقدمون التغذية الراجعة على كيفية القيام بذلك بشكل بناء، مع التركيز على الطريقة المناسبة لتقديم الملاحظات والأدوات المناسبة لذلك.

الخاتمة

التغذية الراجعة هي عنصر أساسي في تطوير الأفراد والمنظمات. ولكن لكي تكون فعّالة، يجب أن تكون مدروسة جيدًا ومتوازنة وموضوعية. التغذية الراجعة غير المفيدة يمكن أن تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية التي تؤثر على الأفراد والبيئة المحيطة بهم، لذلك من الضروري التأكد من أن التغذية الراجعة المقدمة تكون مفيدة، بناءة، وموجهة نحو التحسين المستمر.