أمثلة الإشمام في التجويد

الإشمام في علم التجويد: مفهومه وأمثلة تطبيقية

يُعدّ علم التجويد من العلوم الأساسية في قراءة القرآن الكريم، وهو علم يُعنَى بتحسين أداء التلاوة وضبط مخارج الحروف وصفاتها كما نُقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز الظواهر الصوتية الدقيقة في هذا العلم ما يُعرف بالإشمام، وهي ظاهرة صوتية فريدة لا تظهر في الكتابة بل تُلاحظ فقط في الأداء الصوتي، ويصعب إدراكها إلا للمتمكنين من التجويد أو المتلقين مباشرة عن المشايخ. ولهذه الظاهرة موقعها الخاص في علم القراءات القرآنية، وقد خصها العلماء بالشرح والتدقيق نظرًا لفرادتها وصعوبتها.

تعريف الإشمام

الإشمام في اللغة هو الإمالة أو إرسال الرائحة، أما في اصطلاح علماء التجويد فهو:

إشارة سريعة بالشفاه إلى الضمّ بعد النطق بالحرف الساكن المضموم، من غير صوت.

وبمعنى آخر، هو مزج بين الإشارة البصرية بالحركة الضمّية دون نطقها، وذلك بعد تسكين الحرف، فيكون القارئ قد سكن الحرف فعلاً، ثم يُشير بشفتيه كأنّه سيضم الحرف، دون أن يصدر صوتًا.

الفرق بين الإشمام والروم

لكي يتضح المقصود بالإشمام بشكل دقيق، ينبغي التفريق بينه وبين الروم، وهو أحد الظواهر الصوتية المرتبطة بالحركات أيضًا:

• الروم: هو النطق بجزء يسير جدًا من الحركة (ثلثها تقريبًا)، وهو صوتي مسموع.

• الإشمام: هو ضمّ الشفتين بعد السكون إشارة إلى الضم فقط، ولا يُسمع له صوت.

جدير بالذكر أن الإشمام يختص بحركة الضم، بينما الروم يشمل الضم والكسر دون الفتح.

مواضع الإشمام في القرآن الكريم

الإشمام لا يُستخدم في جميع قراءات القرآن، بل هو مختص بقراءة حفص عن عاصم، ويظهر في مواضع قليلة جدًا، أشهرها:

1. كلمة “تأمّنا” في سورة يوسف

في قول الله تعالى:

{قالوا يا أبانا ما لك لا تأمّنا على يوسف}

[سورة يوسف: 11]

هذه الكلمة أصلها (تأمَنُنا)، وقد التقى فيها ساكنان: النون الساكنة ونون (نا) المتكلمين، فحُذفت حركة النون الأولى (الضمّة)، وبقيت ساكنة. وعند الوقف عليها، تُسكن النون الأولى وتُشمّ الضمّة، أي:

يقف القارئ على “تأمّنا” بالسكون، ثم يُشير بشفتيه نحو الضمّ، دون إصدار صوت.

2. كلمة “يأمنّا” في نفس السورة

قال تعالى:

{هل آمَنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين}

[سورة يوسف: 80]

وفي قراءة حفص عن عاصم تحديدًا:

“فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين”

ثم يتبع ذلك قول إخوة يوسف:

“ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة”

[سورة البقرة: 55]

لكن هذه لا يدخل فيها الإشمام، وإنما تتكرر كلمة “نؤمن”، فيُحسن التفريق بين مواضع الإشمام ومواضع الأداء العادي.

3. كلمة “أتحاجّني” في سورة الأنعام

قال تعالى:

{أتحاجّني في الله وقد هدان}

[سورة الأنعام: 80]

هذه الكلمة يختص بها الإشمام عند الوقف، حيث تُدغم النون مع الجيم، وتُقرأ “أتحاجّني”، ثم عند الوقف تُسكن النون وتُشمّ الضمّة في النون الساكنة.

التمثيل الجدولي لأمثلة الإشمام

كيفية أداء الإشمام

لأداء الإشمام بصورة صحيحة ينبغي:

1. الوقوف على الكلمة المعنية.

2. تسكين الحرف الأخير الذي أُسقطت حركته بسبب التقاء الساكنين أو لأسباب أخرى.

3. بعد النطق بالحرف الساكن، تُضمّ الشفتان بشكل سريع كأن القارئ يهمّ بنطق حركة الضم.

4. لا يُصدر أي صوت عند ضم الشفتين، وإنما تكون الحركة مرئية فقط.

أهمية الإشمام في علم القراءات

الإشمام يُعدّ من مظاهر الدقة الفائقة في علم التجويد، ويؤكد على أن القرآن ليس مجرد نص يُقرأ، بل هو أداء يُتلقّى بالسماع والنقل. ويبرز في:

• التمييز بين القراءات المختلفة: فبعض القراء يعتمدون الإشمام، وآخرون لا يستخدمونه.

• المحافظة على الأصل الصوتي للنص القرآني: إذ يُظهر الحركات التي كانت موجودة في الأصل ولكن سُكّنت لأسباب لغوية أو صرفية.

• الإتقان في الأداء: فإدراك القارئ لمواضع الإشمام وتنفيذه لها يدل على إتقانه وإحاطته بأدق تفاصيل التلاوة.

التحديات المرتبطة بالإشمام

من أبرز التحديات المرتبطة بالإشمام:

• عدم إدراكه من قِبل المستمعين: لأنه غير مسموع.

• صعوبته على المبتدئين: حيث يتطلب مهارة عالية في التحكم في أعضاء النطق.

• اختلاطه بالروم: مما قد يؤدي إلى الخلط بين الظاهرتين في الأداء.

استخدامات الإشمام في القراءات السبعية

الإشمام لا يقتصر على قراءة حفص عن عاصم فقط، بل يظهر في بعض المواضع عند قرّاء آخرين مثل:

• ورش عن نافع في بعض مواضع الإمالة والروم.

• الكسائي في أداء بعض الحروف في مواضع معينة.

لكن مواضع الإشمام الثابتة عند جمهور القراء قليلة ومحصورة، وتُعد من الظواهر التي يكثر تداولها بين أهل الأداء والقراءات.

الخاتمة الفنية

يمثل الإشمام أحد أبرز الظواهر الصوتية الدقيقة التي تُبرز الطابع الشفهي المميز للقرآن الكريم. فهو مثال حي على أن القرآن يُؤخذ مشافهةً كما نزل، وأن التلاوة الصحيحة تتجاوز حدود الحرف المطبوع إلى الأداء الصوتي المتقن. وقد حافظ علماء القراءات على هذه الظاهرة على مدى القرون، مما يعكس اهتمام الأمة بنقل القرآن تامًا غير منقوص، لفظًا وأداءً. إن تعلم الإشمام وتطبيقه بشكل دقيق يُعدّ من علامات الإتقان في تلاوة كتاب الله، وواجب على القارئ الجاد أن يتعلمه على يد شيخ متقن حفاظًا على هذه الأمانة السماوية.

المراجع:

1. ابن الجزري، “النشر في القراءات العشر”، تحقيق: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية.

2. الشيخ أيمن رشدي سويد، “علم التجويد الصوتي التطبيقي”، سلسلة دروس المرئية في علم التجويد.