الأكزيما الجلدية: الأسباب، الأنواع، الأعراض، التشخيص والعلاج

تُعد الأكزيما الجلدية من أكثر الأمراض الجلدية المزمنة شيوعاً وتعقيداً، وهي ليست مرضاً واحداً بل مجموعة من الحالات التي تُسبب التهابات جلدية مزمنة أو حادة، تتسم بتهيج الجلد، والحكة الشديدة، وجفاف البشرة، وظهور طفح جلدي قد يترافق أحياناً مع تشققات أو قشور أو حتى نزيف في الحالات المتقدمة. تتفاوت شدة الأكزيما بين شخص وآخر، وتؤثر على الأطفال والبالغين على حد سواء، ما يجعل فهمها أمراً ضرورياً ليس فقط على المستوى العلاجي بل أيضاً من منظور الوقاية والتعامل طويل الأمد.

تعريف الأكزيما الجلدية

الأكزيما (Eczema) هي مصطلح عام يستخدم لوصف عدد من حالات التهاب الجلد، أشهرها الأكزيما التأتبية (Atopic Dermatitis)، وهي الشكل الأكثر انتشاراً وتبدأ عادةً في الطفولة. تُعد الأكزيما حالة غير معدية، ولكنها تؤثر على نوعية حياة المريض بسبب أعراضها المزعجة والمستمرة، خاصةً في حال عدم السيطرة عليها بشكل فعال. وتُعرف الأكزيما طبياً بأنها التهاب جلدي مزمن متكرر يتميز بالحكة والاحمرار والجفاف وتشكل الفقاعات الجلدية الصغيرة التي قد تنفجر لاحقاً مسببة القشور والتقرحات.

أنواع الأكزيما الجلدية

توجد عدة أنواع من الأكزيما، تختلف من حيث الأسباب والمظهر السريري والاستجابة للعلاج. ومن أبرز هذه الأنواع:

1. الأكزيما التأتبية (Atopic Dermatitis)

هي أكثر أنواع الأكزيما شيوعاً وترتبط غالباً بأمراض تحسسية أخرى مثل الربو وحمى القش. تبدأ في الطفولة وتستمر أحياناً حتى مرحلة البلوغ. تؤثر بشكل رئيسي على الوجه، والعنق، وثنيات الجلد مثل باطن المرفقين وخلف الركبتين.

2. الأكزيما التلامسية (Contact Dermatitis)

تنجم عن التلامس المباشر مع مادة مهيجة أو مسببة للحساسية، مثل المنظفات، والمعادن، والعطور، وبعض النباتات. تنقسم إلى نوعين: الأكزيما التلامسية التحسسية (Allergic Contact Dermatitis) والأكزيما التلامسية المهيجة (Irritant Contact Dermatitis).

3. الأكزيما الدهنية (Seborrheic Dermatitis)

تصيب المناطق الدهنية من الجلد مثل فروة الرأس، والوجه، والصدر. يعتقد أن سببها مرتبط بنشاط زائد لغدد الزهم أو تفاعل مناعي مع فطر “مالاسيزيا” (Malassezia). وتظهر على شكل قشور دهنية صفراء مصحوبة بحكة واحمرار.

4. الأكزيما النمية (Nummular Eczema)

تتميز بوجود بقع دائرية أو عملة الشكل من الطفح الجلدي المتقشر، وغالباً ما تظهر على الساقين والذراعين. تكون شديدة الحكة وغالباً ما تُخلط مع حالات أخرى مثل الصدفية أو الفطريات.

5. الأكزيما العصبية (Neurodermatitis)

تنتج من الحكة المزمنة التي تدفع الشخص إلى الحكاك المتكرر ما يسبب تغيرات جلدية واضحة في المنطقة المصابة مثل التصبغ وزيادة سماكة الجلد.

6. الأكزيما القرصية (Discoid Eczema)

تشبه في نمطها الأكزيما النمية، ولكنها قد تُسبب تشققات ونزيفاً في بعض الحالات. قد تكون مزمنة وتتفاقم في أشهر الشتاء بسبب الجفاف الجلدي.

الأسباب والعوامل المساهمة في تطور الأكزيما

رغم أن السبب الدقيق للأكزيما لا يزال غير معروف تماماً، إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت تفاعلاً معقداً بين العوامل الوراثية والبيئية والجهاز المناعي. تشمل الأسباب المحتملة والعوامل المساهمة ما يلي:

• الاستعداد الوراثي: يُعتقد أن الطفرات الجينية التي تؤثر على حاجز الجلد (مثل طفرة في جين FLG المسؤول عن بروتين الفيلاغرين) تسهم في ضعف الحاجز الجلدي، مما يسمح بفقدان الرطوبة ودخول المواد المثيرة.

• العوامل البيئية: كالتعرض للمهيجات الكيميائية، والدخان، وتغيرات الطقس، ومستحضرات العناية بالبشرة التي تحتوي على عطور أو مواد حافظة.

• العوامل المناعية: خلل في الجهاز المناعي يؤدي إلى رد فعل التهابي مفرط عند التعرض لمحفزات بسيطة.

• العوامل النفسية: التوتر والقلق قد يلعبان دوراً في تفاقم أعراض الأكزيما.

• العدوى الجلدية: الإصابة ببعض أنواع البكتيريا (مثل المكورات العنقودية الذهبية) يمكن أن تزيد من شدة الالتهاب.

الأعراض والعلامات السريرية

تختلف أعراض الأكزيما حسب نوعها وشدتها، ولكن الأعراض العامة تشمل:

• حكة شديدة ومستمرة، قد تؤدي إلى الخدش المفرط وتلف الجلد.

• احمرار الجلد وتورمه في المناطق المصابة.

• جفاف وتقشر الجلد، مع تشكل قشور أو فقاعات مائية صغيرة.

• تصبغ الجلد أو اسمراره نتيجة الحكة والخدش المتكرر.

• زيادة سماكة الجلد، خاصة في الأكزيما المزمنة أو العصبية.

• نضح سوائل أو تشقق الجلد في الحالات المتقدمة أو المصاحبة لعدوى بكتيرية.

التشخيص الطبي

يعتمد التشخيص في الغالب على الفحص السريري، وتاريخ الأعراض، والعوامل البيئية والوراثية المحيطة بالمريض. في بعض الحالات، قد يُطلب إجراء اختبارات إضافية مثل:

• اختبار الرقعة (Patch Test): لتحديد ما إذا كانت الأكزيما ناجمة عن تفاعل تحسسي مع مادة معينة.

• اختبارات الدم: لتقييم وجود ارتفاع في مؤشرات التحسس مثل IgE.

• خزعة الجلد: نادراً ما تُستخدم إلا في الحالات المشتبهة أو الغامضة لتأكيد التشخيص أو استبعاد أمراض جلدية مشابهة.

الخيارات العلاجية المتاحة

لا يوجد علاج نهائي للأكزيما، ولكن يمكن السيطرة عليها بشكل فعال من خلال الدمج بين العلاج الدوائي، والرعاية الجلدية اليومية، وتجنب المحفزات. يشمل العلاج ما يلي:

1. العناية اليومية بالبشرة

• الترطيب المنتظم باستخدام كريمات غنية مثل الفازلين أو الكريمات الطبية المحتوية على السيراميد.

• تجنب الماء الساخن والصابون القوي أو المعطر.

• ارتداء الملابس القطنية الفضفاضة وتجنب الصوف أو الأقمشة الصناعية التي تهيج الجلد.

• تطبيق مرطبات الجلد مباشرة بعد الاستحمام للحفاظ على الرطوبة.

2. العلاجات الموضعية

• الكورتيكوستيرويدات الموضعية: تُستخدم لتقليل الالتهاب والحكة، وتختلف قوتها حسب شدة الحالة والمنطقة المصابة.

• مثبطات الكالسينيورين الموضعية مثل “تاكروليموس” و”بيميكروليموس”: تُستخدم كبدائل للكورتيزون خاصة في الوجه والمناطق الحساسة.

• مضادات الهيستامين الموضعية أو المرطبات المحتوية على مكونات مهدئة للحكة.

3. الأدوية الفموية

• مضادات الهيستامين: لتقليل الحكة خاصة ليلاً.

• المضادات الحيوية: في حال وجود عدوى ثانوية.

• الكورتيكوستيرويدات الفموية: للحالات الشديدة جداً، ولكن يُستخدم لفترة قصيرة فقط لتجنب الآثار الجانبية.

• المعالجة المناعية البيولوجية: مثل “دوبيليوماب” (Dupilumab)، وهو مضاد وحيد النسيلة يُستخدم في الحالات المتقدمة وغير المستجيبة للعلاجات التقليدية.

4. العلاج الضوئي (Phototherapy)

يُستخدم في بعض حالات الأكزيما المزمنة، حيث يتم تعريض الجلد للأشعة فوق البنفسجية تحت إشراف طبي دقيق. يُحسن من أعراض الحكة ويقلل من الالتهاب.

الوقاية والتعامل طويل الأمد

تتطلب الأكزيما نمط حياة وقائيًا وتعاملاً مستداماً لتقليل التفاقم وتكرار النوبات. يتضمن ذلك:

• تجنب المحفزات المعروفة مثل المنظفات، والعطور، والغبار، والطعام المثير للتحسس.

• استخدام منظفات خالية من العطور وذات درجة حموضة معتدلة.

• الحفاظ على ترطيب الجلد بشكل دائم خاصة في فصول الجفاف.

• الابتعاد عن مصادر التوتر النفسي أو تعلم طرق التعامل معه.

• الالتزام بالخطة العلاجية ومراجعة الطبيب بشكل دوري لتعديل الجرعات وتقييم الحالة.

المضاعفات المحتملة

• العدوى الجلدية المتكررة، بسبب تلف حاجز الجلد.

• التأثيرات النفسية والاجتماعية نتيجة الحكة المزمنة والمظهر الجلدي غير المريح.

• الأرق وقلة النوم، خاصة عند الأطفال.

• فرط التصبغ أو نقص التصبغ في المناطق المصابة.

• زيادة خطر التحسس الجهازي مثل الربو أو التحسس الغذائي.

جدول أنواع الأكزيما وأعراضها المميزة

الخلاصة

الأكزيما الجلدية هي حالة مزمنة تحتاج إلى وعي دائم، وفهم عميق لطبيعتها وأسبابها وأعراضها المتنوعة، إضافة إلى التزام بالعلاج والوقاية. تعتمد السيطرة على الأكزيما على مزيج من الرعاية الذاتية والعلاج الطبي والتجنب المستمر للعوامل المثيرة. ومن خلال التشخيص المبكر والمتابعة الدائمة، يمكن للأشخاص الذين يعانون من الأكزيما أن يتمتعوا بحياة أكثر راحة وجودة.

المراجع

1. National Eczema Association. https://nationaleczema.org

2. American Academy of Dermatology. https://www.aad.org