العلاقة الزوجية المثالية أكذوبة! وهناك 9 أسباب

لطالما كانت العلاقة الزوجية المثالية فكرة رائجة في الوجدان الجمعي والثقافة العامة، يروج لها الأدب، السينما، الإعلام وحتى بعض الخطابات الدينية والاجتماعية. لكن مع التعمق في واقع العلاقات الزوجية وتفكيك بنيتها النفسية والاجتماعية، يظهر جليًا أن ما يُروَّج له على أنه “مثالي” ليس سوى صورة خيالية بعيدة عن الحقيقة المعقدة للعلاقات الإنسانية. فالمثالية هنا ليست سوى قناع رومانسي يخفي خلفه صراعات يومية، فروقات في القيم والتوقعات، وتحديات جوهرية تواجه كل علاقة مهما بدت مستقرة من الخارج.

القول بأن العلاقة الزوجية المثالية أكذوبة ليس تقليلاً من شأن الزواج، بل هو دعوة واقعية لفهم الزواج كما هو: علاقة بشرية تتأرجح بين الحب والصراع، القرب والابتعاد، التعاون والخلاف. في هذا المقال المطول، سنفصل في الأسباب التسعة التي تجعل من مفهوم “العلاقة الزوجية المثالية” وهمًا يبتعد كثيرًا عن الحقيقة.

1. المثالية مفهوم غير واقعي بطبيعته

المثالية في أي جانب من جوانب الحياة تضع الإنسان في مواجهة مع التوقعات غير الواقعية. عندما تُحمَّل العلاقة الزوجية بطموحات مطلقة مثل الانسجام التام، الفهم الكامل، السعادة الدائمة، والوفاء المطلق، فإن هذه التوقعات تتحول إلى عبء نفسي كبير على الطرفين. لا يمكن لأي شخص أن يلبي كل احتياجات الطرف الآخر في كل وقت، ولا يمكن لعلاقة بشرية أن تخلو من الأخطاء والخيبات. الرغبة في الكمال تسحق العفوية وتُحيل الزواج إلى ساحة تقييم مستمر، بدل أن يكون مساحة للتطور والنمو المشترك.

2. الاختلافات الجوهرية بين الشريكين

حتى في أكثر العلاقات توافقًا، يظل كل طرف كيانًا مستقلًا له ماضيه وتجربته ومفاهيمه وقيمه الخاصة. اختلافات في التربية، الطباع، اللغة العاطفية، وحتى الأهداف الحياتية قد لا تظهر بوضوح في بداية العلاقة، لكنها تصبح بارزة مع مرور الوقت. المثالية تفترض ذوبانًا كليًا بين الشريكين، في حين أن الواقع يؤكد أن العلاقات الصحية هي تلك التي تحترم الاختلاف وتديره بوعي، لا تلك التي تحاول إنكاره أو تذويبه تحت مسمى الوحدة المثالية.

3. الضغوط الاجتماعية التي تُمارس على العلاقة

في كثير من المجتمعات، يُنظر إلى الزواج الناجح على أنه الذي لا يُظهر خلافات أو مشاكل، وكأن النزاعات علامة فشل أو خلل. هذه النظرة تضع الأزواج تحت ضغط دائم لإظهار صورة من التفاهم المطلق أمام الآخرين، ما يؤدي إلى كبت المشاعر، وتجنب المواجهة، وتراكم الأزمات. المثالية هنا تتحول إلى قيد اجتماعي يمنع النمو الطبيعي للعلاقة، ويزرع شعورًا دائمًا بالفشل الداخلي لأن الواقع لا يرقى إلى الصورة المتوقعة.

4. التغيرات النفسية والسلوكية الطبيعية مع الزمن

الزواج علاقة طويلة الأمد، تخضع لتغيرات دائمة ناتجة عن النمو الشخصي، الضغوط الحياتية، التقدم في العمر، التغيرات الهرمونية، والتقلبات النفسية. لا يبقى أحد على حاله، ومشاعر اليوم ليست بالضرورة امتدادًا مباشرًا لمشاعر الأمس. المثالية تتجاهل هذه الديناميكية وتفترض ثباتًا عاطفيًا وسلوكيًا لا يتوافق مع طبيعة الإنسان. عندما يُطلب من العلاقة أن تبقى على نفس الوتيرة من الحب والشغف والتفاهم طيلة العقود، فإنها تُفقد مرونتها وتتحول إلى عبء ثقيل.

5. التمثيل المضلل في الإعلام والثقافة

السينما، الإعلانات، الروايات، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي تُعيد إنتاج صورة نمطية للعلاقة المثالية: الشريك المتفهم دائمًا، الحب الذي لا يذبل، الانسجام التام، الغرام الذي يتجدد كل صباح. هذه الصورة، رغم جاذبيتها، تخدع المتلقي وتزرع فيه شعورًا بالنقص إذا لم تتطابق تجربته الشخصية معها. الأزواج يقارنون أنفسهم بصورة وهمية، ما يولد شعورًا بالإحباط، ويضع العلاقة تحت ضغط لا لزوم له.

6. الفجوة بين الحب والزواج

الحب والزواج ليسا دائمًا وجهين لعملة واحدة. الحب علاقة عاطفية عفوية، تنمو غالبًا في ظروف مثالية، بينما الزواج عقد اجتماعي واقتصادي وقانوني تترتب عليه التزامات ومهام يومية. المثالية تفترض أن الحب وحده كافٍ لضمان زواج ناجح، في حين أن الواقع يؤكد أن النجاح في الزواج يتطلب مهارات متعددة مثل إدارة النزاعات، القدرة على التفاوض، تحمل المسؤولية، والتعامل مع ضغوط الحياة المشتركة. عندما تصطدم الرومانسية بواقع الفواتير، وتربية الأطفال، وضيق الوقت، تبدأ العلاقة في إظهار وجهها الحقيقي.

7. تأثير الأدوار الجندرية التقليدية

في كثير من المجتمعات، تُحدد أدوار الرجل والمرأة في الزواج بناءً على نماذج تقليدية تعود إلى قرون سابقة. يُتوقع من المرأة أن تكون حنونة، مطيعة، مثالية في التربية، والطهو، والجمال، بينما يُتوقع من الرجل أن يكون قويًا، مسؤولًا ماديًا، وعقلانيًا في كل حين. هذه الأدوار، حين تُفرض بشكل صارم، تخلق علاقة غير متوازنة قائمة على الأداء لا على التفاهم. المثالية هنا تعني الانصياع لهذا النموذج المجحف، وليس تطوير نموذج حديث قائم على الشراكة والمرونة.

8. غياب الثقافة الزوجية الواقعية

كثير من المقبلين على الزواج يدخلون العلاقة وهم مسلحون فقط بالآمال والتوقعات، لا بالمعرفة الحقيقية عن كيفية إدارة العلاقة. لا تُدرَّس المهارات العاطفية، ولا تُناقش التحديات الزوجية بصدق في المحيط الثقافي، بل يُكتفى بإعطاء صورة براقة عن الحياة المشتركة. هذا الغياب للثقافة الواقعية يهيئ الأزواج لصدمات متكررة حين تصطدم توقعاتهم بالواقع. المثالية في هذه الحالة ليست إلا نتيجة فراغ معرفي وتربوي.

9. الخلط بين الحب والاندماج الكامل

تُروَّج العلاقة المثالية على أنها اندماج تام، حيث لا خصوصية، ولا أسرار، ولا مسافة نفسية. لكن في الحقيقة، الإنسان يحتاج إلى مساحة خاصة به داخل العلاقة، يحتاج إلى فردانيته، إلى أصدقائه، هواياته، أفكاره، وحدته أحيانًا. الخلط بين الحب والذوبان يؤدي إلى علاقات خانقة لا تسمح بالنمو الشخصي. المثالية المزعومة تُصور هذا الذوبان على أنه قمة الرومانسية، بينما هو في الواقع بداية التآكل الداخلي للعلاقة.

جدول: مقارنة بين العلاقة المثالية كما تُصوَّر والواقع العملي للعلاقات الزوجية

في ضوء ما سبق، فإن الاعتقاد في وجود علاقة زوجية مثالية خالية من العيوب هو وهم يبتعد كثيرًا عن طبيعة الحياة البشرية. العلاقات القوية لا تُبنى على المثالية، بل على الواقعية، والاحترام المتبادل، والمرونة، والتعلم من الأخطاء، والقدرة على إدارة التوقعات. التخلي عن وهم المثالية لا يعني الفشل، بل هو الخطوة الأولى نحو بناء علاقة ناضجة وقادرة على الاستمرار والتطور.

المراجع:

• Alain de Botton, The Course of Love, Penguin Books.

• Esther Perel, Mating in Captivity, Harper.