أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في أوقيانوسيا: أستراليا، الإسلام في قارة المحيط الهادئ، التركيبة السكانية، التاريخ، التحديات، الأدوار المستقبلية
تُعد أستراليا، الواقعة في قارة أوقيانوسيا، أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في هذه المنطقة الجغرافية الواسعة التي تشمل العديد من الجزر والدول الصغيرة المنتشرة في المحيط الهادئ. على الرغم من أن أوقيانوسيا لا تُعد مركزًا تقليديًا لتجمعات إسلامية كبيرة مثل آسيا أو إفريقيا، فإن أستراليا تبرز بوضوح كونها الدولة التي تحتضن أكبر عدد من المسلمين في هذه القارة، وتلعب دورًا متزايدًا في تشكيل صورة الإسلام وتفاعلاته الثقافية والاجتماعية والدينية في المنطقة.
هذا المقال يستعرض بشكل معمق واقع المسلمين في أستراليا، ويحلل الخلفيات الديموغرافية، التاريخية، الثقافية، والاجتماعية التي تُشكل وجودهم، ويعرض التحديات والفرص التي يواجهونها، ضمن سياق أوسع يتعلق بأوقيانوسيا كمنطقة متعددة الثقافات والديانات.
الإسلام في أستراليا: السياق العام
أستراليا دولة متعددة الثقافات وتُعد موطنًا لمجموعة واسعة من الديانات والمعتقدات، وتحتل الإسلام المرتبة الثانية كأكثر الديانات انتشارًا بعد المسيحية. وفقًا للتعداد السكاني الأسترالي لعام 2021، بلغ عدد المسلمين في أستراليا أكثر من 813,000 نسمة، وهو ما يمثل حوالي 3.2% من إجمالي عدد السكان. وتُعد هذه النسبة مرتفعة بالمقارنة مع الدول الأخرى في أوقيانوسيا مثل نيوزيلندا أو فيجي أو بابوا غينيا الجديدة.
يرجع وجود المسلمين في أستراليا إلى مراحل مختلفة من التاريخ، بدءًا من التبادلات التجارية الأولى بين البحارة المسلمين من أرخبيل الملايو والساحل الشمالي لأستراليا، مرورًا بالمهاجرين الأفغان الذين ساهموا في فتح الطرق الصحراوية في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى موجات الهجرة الكبرى من الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا خلال القرن العشرين.
التاريخ الإسلامي في أستراليا: جذور عميقة
البحارة المسلمون الأوائل
أول سجل معروف يشير إلى وجود تواصل بين المسلمين وأستراليا يعود إلى ما قبل الاستعمار الأوروبي، حيث تشير الدراسات الأنتروبولوجية إلى تفاعل بين سكان جزر أرخبيل الماكا في إندونيسيا وسكان المناطق الشمالية لأستراليا، لاسيما شعب يولنغو. هؤلاء البحارة المسلمين من ماكا كانوا يزورون السواحل الشمالية في مواسم معينة لصيد خيار البحر، وقد خلّفوا تأثيرًا ثقافيًا ودينيًا لا يزال يمكن تتبعه في بعض طقوس السكان الأصليين حتى اليوم.
العمال الأفغان وسكة الحديد
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، استعانت الحكومة البريطانية بالعمال المسلمين من أفغانستان وشمال الهند (باكستان اليوم) لقيادة قوافل الجمال التي استخدمت في بناء شبكة السكك الحديدية عبر الصحاري الأسترالية، ولا سيما “سكة حديد الغان” الشهيرة. هؤلاء العمال، الذين أطلق عليهم “الغان”، أسسوا أوائل المجتمعات الإسلامية في أستراليا، وبنوا أولى المساجد في مناطق نائية مثل أليس سبرينغز وأديلايد.
موجات الهجرة في القرن العشرين
شهد القرن العشرون نموًا مطردًا في عدد المسلمين بأستراليا، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حين بدأت البلاد في استقبال مهاجرين من لبنان، تركيا، مصر، باكستان، وإندونيسيا. وفي السبعينات والثمانينات، سمحت الحكومة بسياسات هجرة أكثر شمولاً، فتوسعت الجالية المسلمة بشكل ملحوظ. وفي العقود الأخيرة، استقبلت أستراليا عددًا كبيرًا من اللاجئين من العراق وسوريا وأفغانستان، ما زاد من نسبة المسلمين.
التركيبة السكانية للمسلمين في أستراليا
يتوزع المسلمون في أستراليا بشكل متفاوت، حيث تتركز أغلب الجالية في المدن الكبرى مثل سيدني وملبورن وبريسبان وأديلايد. وتشير البيانات الديموغرافية إلى أن المسلمين في أستراليا يمثلون مجموعة سكانية شابة نسبيًا، إذ أن نسبة كبيرة منهم دون سن الخامسة والثلاثين، مما يعكس طابع الجاليات المهاجرة حديثًا.
يأتي المسلمون الأستراليون من خلفيات إثنية متنوعة، وأهمها:
| الأصل القومي | النسبة التقريبية من المسلمين |
|---|---|
| لبنان | 15% |
| تركيا | 10% |
| باكستان | 8% |
| إندونيسيا | 6% |
| أفغانستان | 6% |
| بنغلاديش | 5% |
| الصومال | 3% |
| ماليزيا | 2% |
| أخرى (بما في ذلك مسلمو أستراليا من أصول أوروبية وأفريقية) | 45% |
هذا التنوع العرقي واللغوي أسهم في جعل المجتمع الإسلامي في أستراليا ثريًا ومتنوعًا من حيث العادات والتقاليد والتفسير الديني، مما ساهم في ظهور مؤسسات إسلامية متعددة الاتجاهات والمدارس الفكرية.
المؤسسات الإسلامية ودورها في المجتمع
مع نمو الجالية المسلمة، أُسست العديد من المساجد والمدارس الإسلامية والمراكز الثقافية في مختلف الولايات الأسترالية. ويقدر عدد المساجد والمصليات بأكثر من 350، إلى جانب عشرات المدارس الخاصة التي تعتمد على مناهج تربوية إسلامية بالإضافة إلى المنهج الأسترالي الرسمي.
من أبرز المؤسسات الإسلامية:
-
المجلس الإسلامي الأسترالي (AFIC): يعد من أكبر المظلات الإسلامية التي تمثل الجالية أمام السلطات.
-
المجلس الوطني للأئمة والشؤون الدينية (ANIC): يتولى تنظيم الشؤون الدينية وتوحيد المواقف الفقهية في المناسبات العامة.
-
منظمات الدعوة والتوعية: مثل “Islamic Dawah Centre of Australia”، والتي تنشط في نشر المعرفة بالإسلام بين المسلمين وغير المسلمين.
إلى جانب هذه المؤسسات، ظهرت في السنوات الأخيرة مبادرات شبابية وإعلامية تهدف إلى تقديم صورة متوازنة عن المسلمين، ومحاربة الإسلاموفوبيا، والمساهمة في الحوار بين الأديان.
التحديات التي تواجه المسلمين في أستراليا
التمييز والإسلاموفوبيا
رغم القبول العام بالثقافات المتعددة، يواجه المسلمون في أستراليا تحديات مرتبطة بالتمييز والوصم الاجتماعي، خصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من أحداث إرهابية عالمية أثرت على نظرة بعض فئات المجتمع تجاه الإسلام.
أشارت تقارير صادرة عن اللجنة الأسترالية لحقوق الإنسان إلى أن المسلمين هم من بين أكثر الفئات التي تتعرض لحوادث التمييز الديني، سواء في المدارس، أو أماكن العمل، أو الأماكن العامة. وتتجلى بعض هذه التحديات في:
-
وصم النساء المحجبات والتحرش بهن.
-
رفض بعض أصحاب العمل توظيف أشخاص مسلمين.
-
تحامل بعض وسائل الإعلام على المسلمين في تغطية القضايا الأمنية.
البطالة والاندماج الاقتصادي
تواجه بعض الفئات من المسلمين، خاصة القادمين الجدد واللاجئين، صعوبات في الاندماج في سوق العمل، بسبب عوامل تتعلق باللغة أو المؤهلات غير المعترف بها، أو ببساطة بسبب التحيز العرقي والديني. ورغم تحسن هذه المؤشرات خلال العقد الأخير، إلا أن نسب البطالة بين المسلمين لا تزال أعلى من المعدل الوطني.
الدور الثقافي والديني للمسلمين
رغم التحديات، فقد أسهم المسلمون الأستراليون بشكل لافت في المجالات الثقافية، والفنية، والرياضية، والأكاديمية. ظهرت أسماء لامعة في السياسة، مثل السيناتورة مهرين فاروقي، وفي الإعلام، مثل الصحفي وسيم حسنين، وفي الأدب، مثل الكاتب مايكل محمد أحمد، الذين أظهروا وجهًا حداثيًا ومتجذرًا للإسلام في السياق الأسترالي.
كما أصبح شهر رمضان وعيد الفطر مظاهر عامة يُحتفل بها في المدن الكبرى، من خلال موائد الإفطار الجماعية التي تنظمها البلديات، والأسواق الرمضانية، والمهرجانات الثقافية التي يشارك فيها الجميع.
الإسلام ومستقبل التعددية الدينية في أوقيانوسيا
تؤدي أستراليا، كونها أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في أوقيانوسيا، دورًا محوريًا في تشكيل العلاقة بين الإسلام والمجتمعات المحيطية. فقد أصبحت المراكز الإسلامية الأسترالية وجهة تعليمية وتثقيفية لمسلمي جزر المحيط الهادئ، وتساهم في إرسال الدعاة، والمنح الدراسية، والكتب والمصاحف، والدعم المؤسسي إلى هذه المجتمعات.
وبالنظر إلى التغيرات السكانية المتسارعة، وتزايد عدد المواليد بين المسلمين، فإن التوقعات تشير إلى استمرار نمو الجالية الإسلامية، مما يعزز من الحضور الديني والثقافي للإسلام داخل النسيج الاجتماعي لأستراليا، وفي امتداد أوسع، في كامل منطقة أوقيانوسيا.
المراجع:
-
Australian Bureau of Statistics, Census 2021
-
Pew Research Center – The Future of World Religions (2017)
