أكبر 10 دول في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان: نظرة ديموغرافية شاملة

يُعدّ الشرق الأوسط منطقة جغرافية واستراتيجية ذات أهمية كبرى في العالم، إذ يربط بين ثلاث قارات (آسيا، أوروبا، وإفريقيا) ويشكّل مركزًا مهمًا من حيث الجغرافيا السياسية، والثروات الطبيعية، والتركيبة السكانية. إن دراسة الدول الأكثر سكانًا في هذه المنطقة لا تقتصر فقط على الجانب العددي، بل تنطوي على تحليل عميق للجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية التي تصاحب النمو السكاني وتوزيعه.

في هذا المقال، سيتم استعراض أكبر عشر دول في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان استنادًا إلى أحدث الإحصائيات، مع التركيز على خصائصها الديموغرافية، والتحديات التي تواجهها، والفرص التي يوفرها هذا النمو.

تعريف الشرق الأوسط جغرافيًا

رغم اختلاف التحديدات الجغرافية لمفهوم “الشرق الأوسط”، إلا أن التعريف الأكثر شيوعًا يشمل الدول التالية: السعودية، إيران، العراق، تركيا، سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين، مصر، اليمن، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، سلطنة عُمان، وإسرائيل. وفي هذا السياق، سيتم إدراج مصر ضمن دول الشرق الأوسط نظرًا لانتمائها الجغرافي والسياسي والثقافي إلى المنطقة، رغم امتدادها الإفريقي.

جدول يوضح أكبر 10 دول في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان (تقديرات 2025)

1. مصر: الدولة الأكثر سكانًا في الشرق الأوسط

تُعدّ مصر أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، إذ يتجاوز عدد سكانها 111 مليون نسمة. يمثل سكان مصر حوالي ربع إجمالي سكان العالم العربي. يتركز معظم السكان في دلتا النيل وواديه، مما يجعل الكثافة السكانية مرتفعة للغاية في مناطق محدودة من البلاد.

يُشكّل الشباب نسبة كبيرة من سكان مصر، وتُعدّ هذه التركيبة السكانية مصدرًا مهمًا للطاقة البشرية. إلا أن النمو السكاني السريع يفرض تحديات كبيرة على الخدمات الصحية، والتعليمية، والإسكان، وسوق العمل. ورغم هذه التحديات، تملك مصر إمكانيات اقتصادية كبيرة، لاسيما في قطاعات الزراعة، والسياحة، والطاقة.

2. إيران: قوة ديموغرافية إقليمية

يبلغ عدد سكان إيران حوالي 89 مليون نسمة، ويتميز توزيع السكان فيها بتفاوت بين المناطق الجبلية والصحراوية والمدن الكبرى مثل طهران، مشهد، وأصفهان. إيران من الدول التي شهدت انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الخصوبة خلال العقود الماضية، مما انعكس على تباطؤ نموها السكاني.

وتتمتع إيران بقاعدة علمية وتعليمية متينة، حيث يبلغ معدل الالتحاق بالتعليم الجامعي نسبًا مرتفعة، كما أن النساء يشكلن نسبة كبيرة من المتعلمين في الجامعات. ومع ذلك، تواجه البلاد تحديات اقتصادية بسبب العقوبات الدولية ومعدلات البطالة المرتفعة بين الشباب.

3. تركيا: الجسر السكاني بين الشرق والغرب

تضم تركيا أكثر من 87 مليون نسمة، وتُعتبر من أكبر الدول السكانية في الشرق الأوسط رغم أنها تمتد جزئيًا إلى أوروبا. تشهد تركيا تركزًا سكانيًا كبيرًا في مدنها الكبرى مثل إسطنبول، أنقرة، وإزمير. ويُعزى هذا النمو إلى ارتفاع معدلات الولادة في بعض الأقاليم، إضافة إلى تدفقات اللاجئين، خصوصًا من سوريا.

البنية التحتية التركية تطورت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، حيث تمكنت من استيعاب النمو السكاني في مختلف القطاعات الحيوية، بما في ذلك الصحة والنقل والتعليم. ومع ذلك، لا تزال البطالة وغلاء المعيشة من التحديات السكانية والاقتصادية المتزايدة.

4. العراق: بين الإمكانيات والتحديات السكانية

يبلغ عدد سكان العراق نحو 46 مليون نسمة، مع نمو سكاني مرتفع نسبيًا. العراق من الدول ذات التركيبة السكانية الشابة، حيث يشكل من هم دون سن الـ30 أكثر من نصف السكان. وهذا يشكل رافعة بشرية مهمة للنهوض بالاقتصاد الوطني.

غير أن العراق يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية، وسوق العمل، وتوفير الخدمات الأساسية، نتيجة للاضطرابات السياسية والنزاعات المسلحة التي أثرت بشكل مباشر على جودة الحياة وفرص التنمية.

5. السعودية: التنوع السكاني في بيئة صحراوية

تحتضن المملكة العربية السعودية حوالي 36 مليون نسمة، من بينهم نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية (تتراوح بين 30% إلى 40%). النمو السكاني في المملكة يتمحور حول مدن رئيسية مثل الرياض، جدة، والدمام، حيث تتركز الأنشطة الاقتصادية والخدماتية.

تشهد السعودية تحولات ديموغرافية مهمة ضمن رؤية 2030، من خلال دعم تنويع الاقتصاد وتمكين المرأة وزيادة فرص التعليم والتوظيف للمواطنين. كما تعمل المملكة على تحسين جودة الحياة والخدمات الحضرية لمواكبة الزيادة السكانية.

6. اليمن: التحديات السكانية في ظل الصراع

مع أكثر من 34 مليون نسمة، يُعتبر اليمن من الدول ذات النمو السكاني المرتفع، ولكنها في الوقت ذاته تواجه ظروفًا معيشية شديدة الصعوبة نتيجة الحرب والصراعات الداخلية. يعيش غالبية السكان في المناطق الريفية، ويعتمدون على الزراعة والمعونات الإنسانية.

معدل الخصوبة في اليمن من أعلى المعدلات في الشرق الأوسط، ما يزيد من الأعباء على البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية المحدودة. كما أن النزوح الداخلي أثر على التوزيع السكاني في عدة محافظات.

7. سوريا: سكان في ظل النزوح والحرب

يبلغ عدد سكان سوريا حاليًا نحو 23 مليون نسمة، مقارنة بأكثر من 22 مليونًا قبل عام 2011، رغم موجات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي. المدن الكبرى مثل دمشق، حلب، وحمص شهدت تراجعًا كبيرًا في عدد السكان، بينما تضاعف عدد السكان في مناطق أكثر أمانًا نسبيًا.

التغيرات الديموغرافية في سوريا كانت نتيجة مباشرة للنزاع المسلح، مما أحدث خللًا في التركيبة العمرية والجغرافية، وزاد من التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار.

8. الأردن: كثافة سكانية عالية ومساحات محدودة

يبلغ عدد سكان الأردن أكثر من 11.5 مليون نسمة، رغم صغر مساحته الجغرافية، ما يجعله من بين الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة. استضاف الأردن ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين خلال العقود الماضية، مما زاد من الضغط على موارده المحدودة.

يُعدّ الأردن من الدول التي نجحت في تحقيق استقرار نسبي رغم هذه الضغوط، حيث طورت قطاعات التعليم والصحة بشكل ملحوظ. إلا أن التحديات الاقتصادية، خصوصًا المتعلقة بالبطالة وارتفاع كلفة المعيشة، ما تزال قائمة.

9. الإمارات العربية المتحدة: التفاوت بين المواطنين والوافدين

يبلغ عدد سكان الإمارات حوالي 10.5 مليون نسمة، إلا أن المواطنين يشكلون أقل من 12% من هذا العدد، بينما الباقون هم من العمالة الوافدة التي توافدت للعمل في مجالات الهندسة، البناء، الخدمات، والتكنولوجيا.

تُعد الإمارات من الدول التي تشهد استقرارًا اقتصاديًا واجتماعيًا مرتفعًا، مع استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتعليم والتكنولوجيا، وقد انعكست هذه السياسات على نوعية الحياة وتحسين مؤشر التنمية البشرية.

10. إسرائيل: تنوع ديموغرافي مدفوع بالهجرة والنمو الطبيعي

يبلغ عدد سكان إسرائيل حوالي 10 ملايين نسمة، وتتميز بتركيبة سكانية متنوعة تشمل اليهود، العرب الفلسطينيين، ومجموعات مهاجرة من أوروبا وآسيا وأفريقيا. النمو السكاني في إسرائيل مدفوع بمعدل خصوبة مرتفع نسبيًا، خصوصًا في بعض الجماعات الدينية، بالإضافة إلى الهجرة المستمرة.

يُعدّ النظام الصحي والتعليمي في إسرائيل من بين الأكثر تطورًا في المنطقة، ما ساهم في ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتحسين مؤشرات التنمية. ومع ذلك، تعاني بعض الفئات من تفاوت في مستوى الخدمات والفرص الاقتصادية.

خاتمة تحليلية

يعكس التفاوت في عدد السكان بين دول الشرق الأوسط التباينات العميقة في مستويات التنمية، والسياسات الحكومية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية. فبعض الدول مثل مصر وتركيا تستثمر في الطاقة البشرية لتعزيز الاقتصاد، بينما تعاني دول أخرى مثل اليمن وسوريا من أزمات إنسانية خانقة أثرت سلبًا على سكانها. أما دول الخليج، فتعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الأجنبية لتلبية احتياجاتها الاقتصادية، مع محاولات جادة لتوطين الوظائف وتمكين المواطنين.

يبقى النمو السكاني في الشرق الأوسط عاملاً مح